في الأيَّام الثلاثة الأخيرة، تصاعد التوتُّر بين باكستان والهند بشكل كبير. بدأ كل شيء بعد وقوع هجوم في الجزء الهندي من "كشمير"، أسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من المواطنين الهنود. عقب الهجوم، الذي وصفته وسائل الإعلام بأنَّه أحد أسوأ الاعتداءَات ضدَّ المدنيين في تاريخ الهند، وَجَّهت نيودلهي أصابع الاتِّهام إلى باكستان، متهمةً إيَّاها بالوقوف وراء الجماعة الإسلامية التي تبنَّت الهجمات. نتيجة لذلك، اتَخذت الهند عدة إجراءَات ضدَّ جارتها ومنافستها التاريخية، بما في ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية، وتعليق معاهدة حيوية تتعلَّق باستغلال المياه، وأمرت المواطنين الباكستانيين بمغادرة البلاد بحلول نهاية شهر أبريل. من جهتها، لم تقف باكستان مكتوفة الأيدي، وردَّت بإجراءَات مماثلة، ما أدَّى إلى تصاعد التوتُّرات الدبلوماسية، ووصل الأمر إلى اندلاع أولى الاشتباكات على الحدود خلال الليل.
تَجدُر الإشارة إلى أنَّ العلاقات بين الهند وباكستان، وهما دولتان نوويتان، متوتِّرة منذ سنوات طويلة، وتُعتبَر منطقة "كشمير" موضع نزاع بينهما منذ نشأتهما، حتَّى أنَّ الطرفين خاضا ثلاث حروب بسببها.
بدأ التوتُّر بين باكستان والهند يتصاعد اعتبارًا من مساء الأربعاء 23 أبريل، عندما اتَّهمت "نيودلهي" "إسلام آباد" بالتورُّط في الهجوم الذي وقع في "كشمير" (التي تُعرف رسميًا في الهند بإسم "جامو وكشمير"). تحدَّثت الهند عن وجود روابط مزعومة بين هجوم يوم الثلاثاء و"الإرهاب العابر للحدود". وكخطوة انتقامية أولى، طردت الحكومة الهندية دبلوماسيين باكستانيين إثنين وأعلنت أنَّهما شخصان غير مرغوب فيهما، وأغلقت معبر "واغاه" — وهو المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين — مانعةً الباكستانيين من دخول الأراضي الهندية. لاحقًا، جاء قرار تعليق "معاهدة مياه نهر السِّند" الموقَّعة عام 1960. بموجب هذه المعاهدة، جرى تقسيم السيطرة على مياه "نهر السِّند" بين الهند وباكستان؛ إذ تضمن الاتفاق لباكستان السيطرة على المياه الغربية للنهر، بينما مُنحت الهند السيطرة على المياه الشرقية، مع فرض قيود على الهند تمنعها من استغلال المياه المخصَّصة لباكستان. وتعتمد باكستان بشكل كبير على مياه "نهر السِّند"، مَا يعني أنَّه إذا قرَّرت الهند، عقب تعليق المعاهدة، حجب أو تحويل مجرى المياه، فقد يتسبَّب ذلك في أضرار جسيمة للقطاعين الزراعي والطاقة في "إسلام آباد".

أدَّى تعليق معاهدة مياه السِّند إلى إثارة موجة غضب شعبي واسعة في باكستان: خرج المواطنون الباكستانيون أمس إلى الشوارع في "فيصل آباد"، و"غوجرانوالا"، و"غوجرات"، و"لاهور"، و"بيشاور"، و"روالبندي"، ومدن أخرى في البلاد. وسط الاحتجاجات الشعبية، والاتِّهامات المتبادَلة، وتصاعد التوتُّرات الدبلوماسية، قرَّرت باكستان الرَّد على الهند أغلقت هي الأخرى الحدود مع الهند، وعلّقت تصاريح الإقامة للمواطنين الهنود، وقلّصت عدد الدبلوماسيين الهنود في "إسلام آباد"، ومنعت "شركات الطيران الهندية" من عبور مجالها الجوي، وعلَّقت مختلف الاتِّفاقيات الثنائية مع الهند، وأغلقت كذلك طرق التجارة بين البلدين. عند هذه النقطة، ردَّت "نيودلهي" على الإجراءَات الباكستانية، وأمرت جميع المواطنين الباكستانيين بمغادرة البلاد قبل 29 أبريل.
عِقَب التوتُّرات الدبلوماسية، اندلعت التوتُّرات العسكرية. أفادت وسائل الإعلام، مساء أمس، بأنَّ جنديًا هنديًا قد عبر الحدود وجرى أسره واحتجازه من قِبل القوات الباكستانية؛ كما تنتشر عبر الإنترنت صور لهذا الجندي، وهو مُكبَّل ومُكمَّم الفم، إلَّا أنَّه لم يحدث التحقُّق من مصدر هذه الصور. وفي وقت لاحق من اللَّيل، اندلعت أولى الاشتباكات على "خط السيطرة" الذي يفصل بين البلدين. وقد صرَّحت مصادر من الجيش الهندي لقناة "الجزيرة" بأنَّ إطلاق النَّار بدأ من الجانب الباكستاني. كما أكَّد مسؤول حكومي من منطقة "كشمير" الخاضعة للإدارة الباكستانية، سيد أشفق جيلاني، لقناة "فرانس 24" وقوع تبادل لإطلاق النار بين القوات، من دون أن يُحدِّد الطَّرف الذي بادر بإطلاق النار. على كلِّ حال، لا يبدو أنَّ الاشتباك أسفر عن إصابات في صفوف المدنيين.
منذ يوم الأربعاء، تدهورت الأوضاع بسرعة بين الهند وباكستان، ولا تزال التحديثات تتوالى بخصوص الإجراءات الدبلوماسية والاشتباكات. لم تكن العلاقات بين البلدين يومًا مثاليةً، إذ إنَّ فهم جذور الخلافات بينهما يتطلَّب العودة إلى لحظة تأسيسهما، التي تزامنت مع انهيار الحكم البريطاني عام 1947: جرى تقسيم الأراضي على أساس ديني بهدف فصل الهندوس عن المسلمين، مَا أدَّى إلى نزوح قسري لملايين السكَّان. لم يرضَ أي من الطَّرفين بالحدود المرسومة حينها، وفي العام نفسه اندلعت الحرب الهندية-الباكستانية الأولى. وقد اضطر مهراجا "كشمير المتردِّد في اختيار الانضمام إلى أي من الدولتين، إلى طلب المساعدة من الهند والانضمام إليها. توقفت الاشتباكات عام 1949، عندما قامت الأمم المتحدة بتقسيم منطقة كشمير، مانحةً ثلثيها الشرقيين للهند والثلث الغربي المتبقِّي لباكستان، مَا أثار استياء الطرفين.
بعد تدخُّل صيني قصير، اندلعت الحرب الثانية بين الهند وباكستان عام 1965، أعقبتها الحرب الثالثة عام 1971 التي تزامنت مع حرب "تحرير بنغلاديش". وفي ختامها، جرى توقيع "اتِّفاقية سيملا"، التي كَرَّست الحدود التي رُسمت في عام 1949، ورَسَّخت "خط السيطرة" كخط فاصل بين الدولتين.
كانت منطقة "كشمير" في صلب جميع الحروب الثلاثة، ولا تزال حتَّى اليوم موضع نزاع. فخط السيطرة لا يشكل حدود دولية معترفًا بها رسميًا، ما يترك المجال مفتوحًا للمطالبات الأحادية من الجانبين. وعلى مَرِّ السِّنين، شهدت منطقة "كشمير" العديد من الاشتباكات الأخرى، سواء داخلية أو خارجية، لكنَّها لم تتطوَّر إلى حرب رابعة شاملة بين الهند وباكستان. ومع ذلك، فإنَّ الوضع الذي يبدو راكدًا قد ازداد سوءًا مع مرور الوقت، حيث واصلت باكستان المطالبة بحقِّها في "كشمير"، بينما نما لدى سكَّان "كشمير" شعور متزايد بالرغبة في الاستقلال. ويستند شعور الهوية لدى سكَّان "جامو" و"كشمير" إلى مجموعة من المواد الدستورية الهندية التي تم تعديلها عام 2019.
قبل وصول رئيس الوزراء» الهندي الحالي «ناريندرا مودي» إلى الحكم، كان لِـ "كشمير" دستور خاص بها، بموجب المادة 370 من الدستور الهندي، التي كانت تمنح الإقليم حرية تقرير المصير في جميع المسائل باستثناء الشؤون الخارجية والدفاع والاتصالات. وكانت المادة 370 مدعومة بالمادة 35A، التي كانت تحظر على غير أبناء "كشمير" امتلاك أراضٍ هناك. وقد أُلغيت هذه المواد في تعديل عام 2019، وأكَّدت المحكمة العليا على هذا القرار في ديسمبر 2023.
وإلى جانب الوضع الحسَّاس في "كشمير" والانقسام الذي حدث عام 1947، تضاف الخلافات المتعلِّقة بإدارة المياه، والمسائل السياسية الداخلية، وعوامل التقسيم على أساس الدين. فالهند ذات أغلبية هندوسية (باستثناء "جامو" و"كشمير")، بينما باكستان ذات أغلبية مسلمة.
ومع صعود «مودي» إلى السلطة وسعيه لتحويل الهند إلى دولة هندوسية عبر مشروع قومي واسع، أصبحت المسألة الدينية أكثر حساسية، بالأخص مع السياسات القمعية التي ينتهجها ضد المسلمين. وعمومًا، كثيرًا ما تبادل البلدان الاتِّهامات بتمويل الجماعات المتمرِّدة والإرهابية بهدف زعزعة استقرار الحكومات المركزية، كما حدث مؤخَّرًا في قضية الهجمات في "جامو" و"كشمير".