الإيطالية نيوز، الإثنين 21 أبريل 2025 - إنَّ جسر مضيق "ميسِّينا" ليس مُجرَّد مشروع للبنية الأساسية يهدف إلى ربط صقلية بالقارَّة الأوروبية: بل أصبح الآن أيضًا مسألة تتعلَّق بالأمن القاري. أو على الأقل هذا ما تدَّعيه الحكومة الإيطالية في وثيقة أرسلتها إلى المفوضية الأوروبية برئاسة «أورسولا فون دير لاين» (Ursula von der Leyen).
وقد حدَّدت السُّلطة التنفيذية بناءَ الجسر بأنَّه "ضروري وأساسي للمصلحة العامَّة" ليس فقط لأسباب اقتصادية أو حماية مدنية، ولكن أيضًا وقبل كل شيء لأسباب جيوسياسية وعسكرية، أساسية في حالة سيناريوهات الحرب "لمرور قوَّات ومركبات حلف شمال الأطلسي". هذا هو المقطع المركزي من الملف الذي تحاول من خلاله رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» (Giorgia Meloni) ووزير البنية التحتية ونائب رئيسة الوزراء، «ماتيو سالفيني» (Matteo Salvini)، التحايل على القيود البيئية الأوروبية الصَّارمة.
وتتمثَّل الاستراتيجية، في الواقع، في إدراج الجسر ضمن خُطَّة عمل التنقُّل العسكري للاتحاد الأوروبي، وهي الخُطَّة القارية لتسهيل الحركة السريعة للقوات المسلَّحة، وبالتالي الاعتماد على تسمية "العمل العسكري الاستراتيجي" من أجل الحصول على الإعفاءَات البيئية الأساسية. وإذا أعطت المفوضية الأوروبية الضَّوء الأخضر، فقد يحثُ إدراج "جسر المضيق" في قائمة النَّفقات العسكرية المفيدة لزيادة نسبة الإنفاق الدِّفاعي إلى الناتج المحلِّي الإجمالي، كما يأمل حلف شمال الأطلسي.
وفي التَّقرير المرفَق بالطَّلب، أوضحت اللَّجنة التنفيذية أسباب الاختيار: "إنَّ الارتباط المتزايد لصقلية مع بقية البلاد وأوروبا له آثار جيوسياسية واضحة، وبالتَّالي على الدِّفاع عن الإقليم"، كما جاء في التقرير، وبالأخص القرب من قواعد حلف شمال الأطلسي المهمَّة مثل قواعد "سيغونيلَّا" و"تْراباني" و"أَوْغوستا" و"كاتانيا". وبمجرَّد تشغيل الجسر، فإنَّه "يمكن أن يزيد بشكل كبير من مستويات كفاءة عمليات السَّلامة والأمن". في المقابل، أعربت لجنة "لا جسر" عن قلقها وأصدرت بيانًا أكدت فيه على أنَّه في حالة اندلاع حرب، "سيكون الجسر هدفًا سهلًا للضرب والتدمير".
وتشير الوثيقة الحكومية أيضًا إلى السيناريوهات الدولية الأخيرة لعدم الاستقرار، من البلقان إلى الشرق الأوسط، كعوامل تجعل بناء المشروع أكثر إلحاحًا وضرورة. ولا يوجد نقص في الحجج الأخرى الداعمة للبنية الأساسية، مثل التنمية الاقتصادية الإقليمية، وتحسين الاستجابة للكوارث الطبيعية، والتغلُّب على "القيود التشغيلية للنَّقل البحري" بين إقليمي "صقلية" و"كالابريا". كما جرى التطرُّق إلى إمكانية نقل مركبات وأفراد الحماية المدنية بسرعة أكبر، مع أوقات استجابة ستنخفض بشكل كبير، وفقًا للحكومة.
وقال نائب رئيسة الوزراء، «ماتيو سالفيني»، الذي يشغل في الوقت نفسه وزير البنية التحتية والنقل، الذي شجَّع دائمًا بناء الجسر، إنَّه "مُصمِّم على رؤية المشروع حتَّى النهاية"، ووعد بتوفير 120 ألف فرصة عمل جديدة والتنمية الاقتصادية طويلة الأجل للجنوب.
ويشير زعيم حزب "الخُضُر"، «أنجيلو بونيلِّي» (Angelo Bonelli)، بأصابع الاتِّهام إلى أعضاء الحكومة، متَّهمًا إيَّاهم بـ"اختراع المصلحة العسكرية للتغلُّب على القيود البيئية الأوروبية"، وأعلن أنَّه سيُصدر تحذيرًا رسميًا إلى "تشيبِس" (Cipess)، اللجنة الوزارية للتخطيط الاقتصادي. وهاجم قائلًا: “لقد اخترعوا المصلحة العسكرية لتمرير تقييم الأثر البيئي.”
وكان الحزب الديمقراطي قاسيا أيضًا، وتَحدَّث عبر «أنَّاليزا كورَّادو» (Annalisa Corrado) عن سيناريو "كوميدي، إن لم يكن مأساوياً"، في حين سلَّط «أغوستينو سانتيلُّو» (Agostino Santillo) من "حركة النجوم الخمس" الضَّوء على تناقضات "رابطة الشمال"، مشيرًا إلى أنَّ "سالفيني يعارض خطَّة إعادة التسلُّح الأوروبية، لكنه الآن يريد أن يُعلِّق جسر مضيق ميسِّينا هناك".
في الوقت الحالي، توقَّفت عملية الموافقة على جسر المضيق. ورغم إعلانات وزارة البنية التحتية، فإنَّ المشروع لم يحصل بعد على الترخيص البيئي ولا يمكن أن توافق عليه شركة "تشيبِس". وتتمثَّل المشكلة الرئيسية في ثلاثة مواقع ذات أهمية مجتمعية، حيث التعويضات البيئية المتوقَّعة غير كافية: ويتطلَّب الأمر استثناء من المفوضية الأوروبية، وهو ما يتطلَّب استجابة رسمية، وتمديد الأوقات.
وأكَّد الرئيس التنفيذي لشركة "مضيق ميسِّينا"، «بييترو تشوتشي» (Pietro Ciucci)، أن الأعمال لا يمكن أن تبدأ إلَّا في عام 2026، بدءًا بالأعمال التكميلية. وعلاوةً على ذلك، ظهرت عَقَبة جديدة في شهر يناير أمام مشروع الجسر، حيث قبلت المحكمة الإدارية الإقليمية في لاتسيو استئناف بلديتي "ريدجو كالابريا" و"فيلا سان جوفانِّي" ــ اللَّتين طعنتا في عدم أخذ آراءهما في الاعتبار في عملية صنع القرار ــ ضد موافقة وزارة البيئة على العمل. وفي الواقع، سُمح للبلديتين بتقديم وثائق جديدة بشأن التأثيرات البيئية المحتملة لهذا العمل. وكانت وزارة النقل وشركة "استريتُّو دِ ميسِّينا" قد طلبتا عدم قبول الاستئناف، لكن المحكمة الإدارية قرَّرت النظر فيه من حيث الجوهر.