تتأثَّر النِّساء أكثر بهذا المرض، حيث تشكل نحو %90 من الحالات. في مستشفى "بامْبينو دْجيزو" للأطفال، من عام 2019 إلى اليوم، ارتفعت التشخيصات الجديدة لاضطرابات التغذية والأكل بين أصغر الأطفال بنسبة %64، مع خفض سن البداية إلى 8 سنوات. وعلى المستوى الوطني، أفادت وزارة الصحة بزيادة تتراوح بين 30 و%35 في جميع الفئات العمرية، وتُقدِّر أن نحو 3 ملايين إيطالي يعانون من هذه الاضطرابات.
وفي السنوات الأخيرة، ساهمت صدمة جائحة "كوفيدـ19" واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في ذلك، بحيث انتشرت النماذج الجمالية غير الواقعية والتي تدفع الناس إلى تقليد السلوكيات الضارَّة. وفي هذا السياق، قرَّرت الحكومة الإيطالية إلغاء تمويل دور رعاية المسنِّين المتخصِّصة الموجودة على الأراضي الوطنية من قانون الميزانية لعام 2025.
وتشير البيانات التي نشرتها "وحدة فقدان الشهية واضطرابات الأكل" في مستشفى الأطفال "بامْبينو دْجيزو"، في روما، ليس فقط إلى زيادة في التشخيصات، ولكن أيضًا إلى زيادة في شدَّة اضطرابات الأكل، وبالأخص في المرضى الأصغر سنًّا.
بشكل عام، منذ عام 2020، سجّلت وحدة "بامْبينو دْجيزو" المتخصصة زيادة بنسبة %38 في النشاط السريري: ارتفع عدد المستشفيات النهارية من 1820 إلى 2420 في عام 2024. وفي الوقت نفسه، ارتفعت بين أصغر الفئات العمرية، التشخيصات الجديدة لاضطرابات التغذية والأكل بنسبة %64، من 138 في عام 2019 إلى 226 في عام 2024.
وعلاوةً على ذلك، جرى تسليط الضَّوء على أنَّ هناك نموًا بنسبة %50 في الوصولات الجديدة بين الفئات العمرية الأصغر سنًّا. وتعتقد وزارة الصحة أنَّ في إيطاليا ما يقرب من 3 ملايين شخص مصابين بهذه الاضطرابات. وقد أدَّت الجائحة، كما أوضحت الوزارة نفسها، إلى تفاقم الوضع، بحيث قدَّرت الزيادة الوطنية في الحالات لدى جميع الفئات العمرية بنحو 30 حتَّى %35، بالإضافة إلى تسجيل انخفاض في سنِّ ظهور الأعراض الأولى إلى 8 سنوات.
تقول «فاليرْيا اتزانَّا» (Valeria Zanna)، رئيسة "وحدة فقدان الشهية البسيط واضطرابات الأكل" في مستشفى "بامْبينو دجيزو" للأطفال: “إنَّ اضطرابات التغذية والأكل هي أمراض نفسية معقَّدة للغاية ولها تداعيات على الصحة البدنية.” بسبب تعقيدها، فإنَّ هذه الاضطرابات تتطلَّب أكبر قدر ممكن من التعاون بين الشخصيات المهنية ذات التخصُّصات المختلفة: الأطباء النفسيون، وأطباء الأطفال، وعلماء النفس، وأخصائيو التغذية، وأخصائيو الطب الباطني، كما أوصى به مؤتمر الإجماع لعام 2012، ودفتر الصحة لعام 2013، وإرشادات "المعهد الوطني للتميُّز في الرعاية الصحية" (NICE) لعام 2017، و"وثيقة الجمعية الأمريكية للطب النفسي" (APA) لعام 2017، وإرشادات إعادة التأهيل الغذائي لعام 2017.
يمكن أن يسبِّب فقدان الشهية العصبي والشَّرَه المرضي مضاعفات طبِّية خطيرة إذا لم يحدث علاجهما بسرعة وبطريقة مناسبة، مما يزيد بشكل كبير من معدل الوفيات - بين 5 إلى 10 مرات - مقارنة بالأشخاص الأصحَّاء في العمر نفسه، كما أوضح مستشفى "بامْبينو دْجيزو". وتشير التقارير الأخيرة إلى أنَّ 4000 شخص يموتون كل عام بسبب هذه الاضطرابات.
وكانت فترة الجائحة بالتأكيد بمثابة نقطة تحوُّل سلبية كبيرة بالنسبة للعديد من الشباب. بالإضافة إلى اضطرابات الأكل، ازدادت أيضًا معدَّلات القلق والاكتئاب. لقد تسبَبت سياسات العزل والتباعد والإقصاء التي جرى تبنِّيها خلال حالة الطوارئ الوبائية في زيادة القلق والخوف والشعور بالوحدة لدى الشباب، فضلاً عن إنتاج نقص منهجي في الاهتمام والرعاية اتِّجاه الشباب. مرضُُ تَفاقمَ مع مرور الوقت ولم يتمكن من التعبير عن نفسه ولم يتمكن الكبار، في الغالبية العظمى، من استيعابه.
علاوةً على ذلك، فإنَّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإساءة استخدامها يمكن أن يزيد من خطر الإصابة باضطرابات الأكل. في عام 2023، أجرت منظمة "بلوس للصحَّة العامَّة العالمية" دراسة شاملة لفحص 50 دراسة أُجريت في 17 دولة مختلفة للفئة العمرية من 10 إلى 24 عامًا. توصَّلت الدراسة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تزيد بشكل كبير من "المقارنة الاجتماعية" وتساهم في تطوير الهواجس. ويحدث ذلك من خلال الالتزام بالأنماط التي تكافئها الخوارزمية بمزيد من الوضوح، على اعتقاد أنها ستحظى بالاهتمام والقبول الاجتماعي. ومن الأمثلة على ذلك المؤثِّرون الشباب الذين يعانون من مشاكل فقدان الشهية، والذين ينشرون محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، في تضخيمٍ مستمرٍّ للمعاناة التي تكافئها خوارزميات التواصل الاجتماعي بالكثير من الرؤية. ويرجع هذا الأخير أيضًا إلى التفاعلات العديدة التي تثيرها مثل هذه المنشورات، سواء من حيث التعاطف والشفقة أو السخرية والاستهزاء، في حلقة مفرغة. وهذه هي الديناميكيات التي تحفز المحاكاة، حيث تكافئ الخوارزمية محتويات الألم والمعاناة.
ورغم تزايد هذه المشاكل، قرَّرت الحكومة الإيطالية خفض التمويل المخصَّص لدعم المرافق التي تتعامل مع هذه الأمراض في قانون الميزانية لعام 2025. جرى إنشاء هذا الصُّندوق الخاص في عام 2022، لتوفير 35 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات. ولكن الحكومة لم تُخطِّط لأي تدخُّل حتَّى عام 2025. وفي الواقع، من المتوقَّع تخصيص 1.5 مليون يورو فقط، موزَّعة على ثلاث سنوات، لحملة الوقاية من الاضطرابات الغذائية والأكل التي تنفِّذها وزارة الصحة.
ومع قبول الحكومات لإعادة التسلُّح الأوروبي لصالح اقتصاد حرب يركِز على الصراع، تستمرُّ مرافق الرعاية الصحِّية، فضلًا عن المدارس والجامعات والرعاية الاجتماعية بشكل عام، في التدهور بشكل أسرع من أي وقت مضى.