وعلى وجه التحديد، يسمح التعديل الدستوري بإعفاء الإنفاق العسكري الذي يتجاوز واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، أو نحو 45 مليار يورو، من قيد كبح الديون، وإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو لتحسين البنية الأساسية الألمانية. ويمثِّل هذا نقطة تحوُّل تاريخية في السياسة المالية الألمانية، التي كانت تعتمد منذ أكثر من عقد من الزمان على التقشُّف الصارم، لتمثِّل النموذج الذي ينبغي أن تتَّبعه دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ولكي يدخل القانون حيِّز التنفيذ، يتعيَّن الآن على رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، «فرانك فالتر شتاينماير» التَّوقيع عليه.
ومن أصل 500 مليار يورو مخصَّصة لصندوق البنية التحتية، سيذهب 100 مليار يورو إلى صندوق المناخ والتحوُّل الاقتصادي، كما طلب "الخُضر". ومن الموارد المتبقِّية، سيذهب 300 مليار يورو إلى الحكومة الاتِّحادية و100 مليار يورو إلى حكومات الولايات. وعِلاوةً على ذلك، سيُسمح لكل من الولايات الفيدرالية الست عشرة في ألمانيا بإدارة عجز هيكلي صغير بنسبة %0،35 من ناتجها الاقتصادي، وهو ما يمنحها 16 مليار يورو إضافية لإنفاقها، في حين لم يكن مسموحًا لها حتَّى الآن بإدارة عجز.
ويأتي إقرار التعديل الدستوري في وقت صعب للغاية بالنسبة للاقتصاد التوتوني وفي سياق دولي سريع التغيُّر. بعد اتساع الفجوة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بقيادة «دونالد ترامب»، وبعد خسارة المظلَّة الدفاعية للولايات المتحدة، تميل ألمانيا إلى استئناف الاتِّصالات مع روسيا، وتدعم بشكل كامل خطَّة بروكسل لإعادة التسلُّح.
وتتعلَّق الاستثناءَات من القيود الصَّارمة المفروضة على الميزانية بشكل رئيسي بالجهاز العسكري والبنية الأساسية. ولكن بطريقة غير مباشرة، ومن خلال إلغاء نظام كبح الديون الذي تبنَّته برلين منذ عام 2009، تؤكِّد الحكومة الألمانية على أنَّ سياسات التقشُّف المفروضة كعقيدة في السَّنوات الأخيرة على جميع الدول الأعضاء تتعارض مع التنمية الاقتصادية والنمو. وقد صرَّح رئيس بلدية برلين، «كاي فيغنر» (Kai Wegner)، بأنّ “ألمانيا تعرَّضت لتدمير جزئي على مدى عقود من الزمن.” وأضاف “لقد كانت بنيتنا التحتية في السنوات الأخيرة أكثر إدارة من التطوير النشط”، مضيفًا “لقد فعلنا الحد الأدنى فقط لفترة طويلة جدًّا ولا يمكننا ولا ينبغي لنا الاستمرار على هذا النحو.” ووصف عمدة المدينة الحزمة البالغة 500 مليار يورو بأنَّها "خطَّة مارشال" لألمانيا.
منذ سنوات، انتهجت الدولة الألمانية سياسة صارمة، تقوم على التقشُّف المالي الأعمى، وهو ما جرى فرضه أيضًا على دول أوروبية أخرى، ولم يكن تأثير هذه السياسة سوى ضغط الطلب المحلِّي ــ أيضًا من خلال خفض قيمة الأجور ــ لدفع الصادرات. ولكن الآن بعد أن شهدت السياسة التجارية الألمانية تراجعًا حادًّا، أوَّلًا بسبب انقطاع العلاقات التجارية مع روسيا، والآن بسبب التعريفات الجمركية المحتملة من الولايات المتحدة، فإنَّ برلين تُغيِّر مسارها بسرعة. ولكن الأولوية لم تكن لدولة الرَّفاهة أو لدعم الأسر والشركات، بل لقطاع الدفاع، الذي كان يتبع بشكل أعمى توجيهات بروكسل وحلف شمال الأطلسي. إنَّ الدول الأوروبية، التي صنَّفت روسيا باعتبارها "تهديدًا وجوديًا"، لا تتردَّد في استثمار مليارات اليورو في إعادة التسلُّح، بعد أن خفَّضت بنودًا رئيسية من الإنفاق العام لعقود من الزمن. وليس من المستغرَب، فيما يتعلَّق بالقضية الروسية والأمن، أن يقول «ميرز» للمُشرِّعين قبل التصويت: “لقد شعرنا منذ عقد من الزمان على الأقل بإحساس زائف بالأمن. وإنَّ القرار الذي نتَّخذه اليوم بشأن جاهزية الدفاع لا يمكن أن يكون إلا الخطوة الأولى المهمة نحو مجتمع دفاع أوروبي جديد.”
وبحسب معهد "ZEW" للأبحاث الاقتصادية، فإنَّ الخطط المالية عزَّزت معنويات المستثمرين الألمان هذا الشهر، حيث ارتفع مؤشِّر الثقة الاقتصادية إلى 51،6 نقطة من 26،0 في فبراير. ولكن وفقاً للمعهد الاقتصادي الألماني "DIW"، فإن صندوق البنية الأساسية المخطَّط له في ألمانيا وحده قد يزيد الناتج الاقتصادي بمعدل يزيد على نقطتين مئويتين سنويًا على مدى السنوات العشر المقبلة. ومع ذلك، يقول خبراء الاقتصاد إنَّ الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يبدأ التحفيز في إحداث تأثيره ويساعد في إنعاش الاقتصاد الذي انكمش لمدَّة عامين متتاليين.