وكان الحزب الكردي هو آخر الأحزاب التي جرى دعوتها بشكل مباشر أو غير مباشر لإصدار بيان بشأن أقوال «أوجلان». ورحَّبت القوات الكردية في "روج آفا" (ما يُسمَّى "كردستان سوريا") بنداء زعيم حزب العمال الكردستاني، مؤكِّدة مع ذلك أن هذا النداء "ليس موجَّها إلينا"، في حين وصف الرئيس التركي «أردوغان» ما قدَّمه «أوجلان» بأنَّه "فرصة تاريخية" لبناء تركيا "أكثر شمولاً". ومع إعلان حزب العمال الكردستاني، يبدو أنَّ الطريق أصبح ممهَّدًا لأكبر محاولة للمصالحة على الإطلاق في ما يعد أحد أطول نضالات التحرير منذ عقود.
وجاء إعلان "حزب العمال الكردستاني" صباح أمس. وجاء في البيان أنه اعتبارًا من أمس فإنَّ القوات الكردية التابعة للحزب لن تقوم بأي هجوم إلا ردًّا على جريمة. واتَّفقت المجموعة أيضًا على عقد مؤتمر لحلِّ الحزب، ولكن بشرط إطلاق سراح «أوجلان»، الذي يقولون إنَّه الوحيد القادر على قيادة المنطقة نحو السلام، من السِّجن. ولكن لكي تنجح عملية التكامل النهائية، يطالب "حزب العُمَّال الكردستاني" بضمانات أمنية، و"سياسات ديمقراطية"، وظروف "قانونية".
ويأتي ردُّ الحزب الكردي في أعقاب فتح حوارات سياسية بين مختلف الفصائل التركية. ورَحَّب «أردوغان» بالاتِّفاق، مؤكِّدًا أنَّ "دولة خالية من الإرهاب" ستكون انتصارًا لجميع سكَّانها، سواء كانوا "أتراكًا أو أكرادًا أو عربًا أو علويين أو سُنَّة". وقال بعد ذلك إنَّه "لن يُسامح" أي شخص يقود عملية السلام الجديدة هذه "نحو طريق مسدود"، وهدَّد برد قاس. لكن المتحدِّث بإسم حزب «أردوغان» «عمر جليك» بدا أكثر تشكُّكًا بشأن إمكانية التعامل مع "الإرهابيين" ودعا إلى "أن يلقي كل عناصر وامتدادات المنظمة الإرهابية في العراق وسوريا أسلحتهم وينحلوا بغض النظر عن الإسم، "حزب العمال الكردستاني"، "وحدات حماية الشعب" (YPG)، "وحدات حماية المرأة" (YPJ)، "قوات سوريا الديمقراطية" (SDF).
ورحَّبت "قوات سوريا الديمقراطية"، وهو تحالف يضمُّ القوات الكردية النشطة في "روج آفا" (وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة)، بنداء «أوجلان». وقال زعيم "قوات سوريا الديمقراطية"، «مظلوم عبدي» (Mazloum Abdi)، وهو كردي، إن كلمات زعيم حزب العمال الكردستاني تفتح الباب أمام احتمال "السلام والأمن في المنطقة بأكملها"، لكنَّه أوضح أنَّ الدعوة إلى إلقاء السلاح "موجَّهة إلى "حزب العمال الكردستاني" وليس إلينا". وفي الوقت الحالي، تجري "قوات سوريا الديمقراطية" مفاوضات مفتوحة مع الحكومة السورية الجديدة، ويبدو أنها توصَّلت إلى اتِّفاق للانضمام إلى جيش البلاد. وأكَّدت عدة وسائل إعلام كردية على صحَّة الخبر، إلَّا أنَّ التأكيد من جانب زعيم الحكومة السورية الجديدة «الجولاني» لا يزال مفقودًا. ولم تعرف تفاصيل الاتفاقيات.
إنَّ إعلان "حزب العمال الكردستاني" عن وقف إطلاق النار من جانب واحد من شأنه أن يشكِّل نقطة تحوُّل تاريخية في أحد أطول الصراعات الداخلية في السنوات الأخيرة. الصراع بين تركيا والشعب الكردي مستمرُُّ منذ 40 عامًا وتسبَّب في مقتل نحو 55 ألف شخص. وهذا له تداعيات بعيدة المدى على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وبالأخص على سوريا، حيث بدأت ثورة "روج آفا" قبل إثني عشر عامًا بالانتفاضة في مدينة "كوباني".
كردستان في الواقع هي منطقة جبلية تقع بين تركيا وسوريا والعراق وإيران. الأكراد هم أكبر شعب بلا وطن في العالم (يبلغ عددهم نحو 30 مليون نسمة) ولا تَعترف بهم تركيا، التي كانت حتَّى تسعينيات القرن العشرين تطلق عليهم إسم "أتراك الجبال". وفي هذا السياق، تشكِّل كلمات «أردوغان» نفسه، الذي تحدَّث صراحةً عن "الأكراد"، خطوة رمزية إلى الأمام نحو الاعتراف بأكبر أقلية عرقية في العالم.
ويبقى أن نرى ما هي التداعيات العملية للتصريحات التركية، وما إذا كان الرئيس سيقتصر على أكثر من الكلمات: كانت المرة الأخيرة التي كان فيها السلام وشيكًا إلى هذا الحد في عام 2013، عندما أعلن «أوجلان» وقف إطلاق النار مع تركيا وانسحاب مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" من الأراضي التركية. وفي أعقاب هذا الإعلان، انطلقت مفاوضات السلام، التي توقَّفت في عام 2015، وهو الحدث الذي أدَّى إلى عزل «أوجلان» نفسه وإغلاق جديد من جانب تركيا، مع إعادة إطلاق قمع الشعب الكردي.