ويُشتبَه في أنَّ «أسامة نجيم»، رئيس مصلحة السُّجون في ليبيا، مُتورِّط في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت في هذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا منذ عام 2015.
في واقع الأمر، لا يزال يوجد الكثير من الأمور التي تحتاج إلى توضيح فيما يتعلَّق بإطلاق سراحه، والتي لم تكن الحكومة الإيطالية شفَّافة بشأنها على الإطلاق. وتقول المحكمة الجنائية الدولية إنَّ قرار السُّلطات الإيطالية بالإفراج عنه اتُّخذ "من دون إشعار مُسبَق أو التشاور مع المحكمة"، ولا تزال المحكمة تسعى إلى "التحقُّق من قبل السلطات بشأن الخطوات التي يُزعم أنها اتَّخذتها". وأعلنت المحكمة أيضًا أنها طلبت توضيحات من السلطات الإيطالية، لكنها لم تتلقها بعد.
Situation in #Libya: #ICC arrest warrant against Osama Elmasry Njeem for alleged crimes against humanity and war crimes. Learn more ⤵️ https://t.co/m0ZffOq2Ew
— Int'l Criminal Court (@IntlCrimCourt) January 22, 2025
وطالبت أحزاب المعارضة الإيطالية الحكومة أيضًا بتوضيح سبب قرارها إطلاق سراح شخص مطلوب بتُهمة ارتكاب جرائم حرب بعد وقت قصير من اعتقاله، مُنتقِدةً القرار بشدة. وتتمثَّل التُّهمة الأساسية في أنَّ الحكومة الإيطالية أطلقت سراح «أسامة نجيم» بفضل علاقاتها الممتازة مع الميليشيات الليبية ومع الحكومة التي تسيطر على طرابلس عاصمة ليبيا، والتي أَبرمت إيطاليا اتِّفاقًا مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2017 لوقف المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا عن طريق البحر بالقوَّة (وهو الاتِّفاق الذي ظلَّ ساريًا منذ ذلك الحين بغض النظر عن حكومات الأحزاب السياسية المختلفة). ويعتبر «أسامة نجيم» نفسه مسؤولًا في ميليشيا ليبية مهمَّة، وهي قوة الرَّدع الخاصَّة، والتي يُقال إنها مسؤولة أيضا عن العنف المستخدم لمواجهة تدفُّقات الهجرة.
ومن المُقرَّر أَنْ يُقدِّم وزير الداخلية «ماتِّيو بيانتيدوزي» (Matteo Piantedosi) ردًّا على سؤالين حول الموضوع طرحهما نواب الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ في الساعة الثالثة من مساء اليوم الخميس 23 يناير. واشتكت المعارَضة أيضًا من هذا الأمر، لأنَّها كانت تريد ردًّا مباشرًا من رئيسة المجلس «جورجا ميلوني» (Giorgia Meloni) بشأن قضية مهمَّة كهذه.
ويبلغ «أسامة نجيم» 47 عامًا، وبدأ في السنوات الأخيرة يتولَّى أدوارًا مختلفة في ما يُسمَّى بالشرطة القضائية التابعة لحكومة طرابلس. وفي عام 2016، جرى تعيينه رئيسًا للشرطة القضائية في "سجن معيتيقة" سَيِّئ السُّمعة على مشارف طرابلس، والمعروف كموقع لانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان وفقاً لعدَّة تحقيقات مستقلَّة، بما في ذلك تقرير صدر مؤخَّرًا عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي عام 2021، جرت ترقيته لرئاسة العديد من السجون الأخرى التي تسيطر عليها حكومة طرابلس.
وتتَّهم المحكمة الجنائية الدولية «أسامة نجيم» بارتكاب عدة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منذ فبراير 2015 في "سجن معيتيقة"، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد والاحتجاز اللاإنساني. وهو متهم بارتكاب هذه الجرائم شخصيًا، أو بإصدار الأوامر بارتكابها، أو بتحمَّل المسؤولية عنها لأنَّها صدرت بأوامر من أعضاء أخرين في ميليشياته كانوا يعتمدون عليه.
وكانت مذكِّرة التوقيف الدولية قد صدرت بحقِّه في 18 يناير، أي قبل يوم واحد من اعتقاله في "تورينو"، حيث ذهب «أسامة نجيم» مع بعض الأصدقاء لمشاهدة مباراة كرة القدم بين يوفنتوس وميلان. إنَّ حقيقة أنَّ مذكِّرة الاعتقال كانت حديثةً جدًّا هي معلومة لم نكن نعرفها إلَّا مع بيان المحكمة الجنائية الدولية: في العديد من الحالات، يحدث الاحتفاظ بمذكرات الاعتقال من هذا النوع سرية لزيادة فرص القبض على الشخص المطلوب، وهو ما يُفسِّر أيضًا لماذا شعر «أسامة نجيم» بحرية كبيرة في الذهاب إلى بلد أخر حتَّى لهدف تافه أو يمكن تجنُّبه بلوغه على ما يبدو.
ولم ترسل المحكمة مذكِّرة التَّوقيف إلَّا إلى "الإنتربول"، المنظَّمة الدولية التي تُسهِّل التعاون بين قوات الشرطة في مختلف البلدان، وإلى ست دول تعترف بالمحكمة نفسها: من المعروف أنَّ إحدى هذه الدول كانت إيطاليا لأنَّ المحكمة ذكرت ذلك في بيان صحفي، في حين لم يُعلَن عن الدول الخمس الأخرى. ولم يُعلَن عن خبر اعتقاله إلا بعد يومين، في 21 يناير، وفي 22 يناير حدث الإفراج عن «أسامة نجيم».
ورغم أنَّ الحكومة لم تُقدِّم تفسيرًا رسميًا حتَّى الآن، فإنَّ الإجراء الرسمي الذي سمح بالإفراج عنه أُعيد بناؤه إلى حد كبير. ولم تؤيِّد محكمة الاستئناف في روما اعتقال المصري، بحُجَّة أنه كان يتعين على مكتب "ديغوس" (الاستخبارات الإيطالية) في تورينو إخطار وزارة العدل قبل القيام بذلك، وهو ما لم يَحدُث. تنصُّ المادَّة الرَّابعة من القانون 237/2012، الذي يُنظِّم العلاقات مع المحكمة الجنائية الدولية، على أنَّ وزير العدل هو الذي "يُنفِّذ الطلبات التي تُقدِّمها المحكمة الجنائية الدولية" إلى الحكومة الإيطالية.
وكَتبت عدَّة صُحف، استنادًا إلى مصادر قضائية، ما مفاده حتَّى لو كانت هذه المناوشة البيروقراطية تُفسِّر رسميَا إطلاق سراح «أسامة نجيم»، فإنَّ الاختيار بتركه حُرًّا كان لأسباب سياسية في واقع الأمر، لأنَّ وزارة العدل كانت تمتلك الأدوات اللَازمة لمعالجة عدم موافقتها على الاعتقال، والأمر باعتقاله مرة أخرى بعد إطلاق سراحه.
وما حدث بعد الإفراج عن «أسامة نجيم» جعل من الصَّعب على الحكومة أن تزعم أنَّها أَفرجت عنه لأسباب قانونية وبيروقراطية فقط: في واقع الأمر، جرت إعادة المصري إلى ليبيا على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الإيطالي تستخدمها أجهزة المخابرات، وهي طائرة "فالكون 900"، والتي أقلعت من مطار "كازيلِّي"، في تورينو، وهبطت في طرابلس. وعند وصوله إلى ليبيا، استقبلته مجموعة من المواطنين المبتهجين، كما ظهر في بعض مقاطع الفيديو المتداولة.
تعدُّ إيطاليا واحدة من 124 دولة تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، التي أُنشئت في عام 2001 بموجب معاهدة جرى توقيعها في روما. ومن الناحية الرسمية، يتعيَّن عليها أن تمتثل لأوامر المحكمة، ولديها قواعد تُنظِّم كيفية القيام بذلك (بما في ذلك تلك التي تضمَّنت الخطوة القانونية التي سمحت بالإفراج عن «أسامة نجيم»). ورغم أنَّ أحكام المحكمة مُلزِمة، فإنَّها في الممارسة العملية لا تملك وسيلة حقيقية لإجبار البلدان على الامتثال لها، وكثيرًا ما يتعيَّن على كل حكومة أن تُقرِّر ما إذا كانت ستفعل ذلك على أساس ما يناسبها سياسيًا.