على الرَّغم من طمأنة بروكسل بأنَّ الاتحاد الأوروبي مستعدُُّ لتعويض الخسارة بفضل محطَّات الغاز الطبيعي المسال في ألمانيا واليونان وإيطاليا وبولندا، فقد وصل سعر الجملة للغاز إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عام وفي العام الماضي. وفي منطقة "ترانسنيستريا" الانفصالية في "مولدوفا"، اضطرت الصناعات إلى الإغلاق.
إنَّ المنطقة النَّاطقة بالرُّوسية والتي انفصلت عن مولدوفا في التسعينيات هي المنطقة التي تدفع الجزء الأكبر من عواقب انقطاع إمدادات الغاز الروسي، لكن الدول الأوروبية تخاطر أيضًا بالتعرض لارتفاع في أسعار الطاقة، وإنَّ كان بدرجةٍ أقلٍّ من أزمة الطاقة التي ضربت أوروبا بين عامي 2022 و2023.
من جانبها، أكدت "المفوضية الأوروبية" أنَّ “الاتحاد الأوروبي مستعد جيدًا لمعالجة مسألة إنهاء عبور الغاز عبر أوكرانيا، وذلك بفضل الجهود التعاونية التي تبذلها المفوضية والدول الأعضاء.”
بالتفصيل، ارتفع سعر "الميثان" تسليم فبراير في هولندا بما يصل إلى %4،3 يوم الخميس - اليوم التالي لوقف شركة "غازبروم" الإمدادات بعد عدم تجديد العقد - قبل أن ينخفض إلى %1،9 أكثر ليصل إلى 49،83 يورو لكل ميغاوات في الساعة. ويعود ارتفاع الأسعار بشكل رئيسي إلى المضاربات المالية، نظرًا لأنَّ الغاز مُدرَج في بورصة أمستردام الهولندية "TTF"، وليس إلى نقص إمدادات الطاقة. ومع ذلك، قد لا يكون هذا هو السبب الوحيد: في الواقع، صرَّح مُحلِّلو "دويتشه بنك" أنه «من الجدير أن نأخذ في الاعتبار أن الأسعار لا تزال أقلَّ بكثيرٍ من المستويات التي شهدناها طوال عام 2022. لكنَّ تخزين الغاز الأوروبي أنهى عام 2024 عند أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، ومن المتوقَّع أن يؤدِّي الارتفاع الأخير في الأسعار إلى زيادة الضغوط التضخُّمية، كما ذكرت صحيفة "الغارديان".
قبل كل شيء، عارض رئيس الوزراء السلوفاكي، «روبرت فيكو» (Robert Fico)، قرار الرئيس الأوكراني، «فولوديمير زيلينسكي» (Volodymyr Zelensky )، بعدم تجديد الاتفاق مع شركة "غازبروم"، والذي بموجبه سيكون لانقطاع الإمدادات "تأثير جذري علينا جميعا في الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس فقط على "الاتحاد الروسي". ولا تزال "سلوفاكيا"، إلى جانب "النمسا" و"جمهورية التشيك" وبدرجة أقل إيطاليا، تعتمد على جزء كبير من الغاز الروسي، ولديها عقد طويل الأجل مع "غازبروم"، وحسبت أن شراء الغاز من مكان أخر سيكلفه 220 مليون يورو إضافية في تكاليف النقل. ورغم ذلك، ذكر «زيلينسكي» في تدوينة على موقع "إكس" المعروف سابقًا بـ"تويتر"، أنَّ الانقطاع الكامل لجميع الإمدادات من روسيا "يُعَدُّ إحدى أكبر هزائم موسكو"، آملا في تدفُّق أكبر للغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى أوروبا.
When Putin was presented with the Russian presidency more than 25 years ago, the annual gas transit through Ukraine to Europe totaled more than 130 billion cubic meters. Today, it equals 0. This is one of Moscow's biggest defeats.
— Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) January 1, 2025
As a result of Russia weaponizing energy and…
لكن الوضع في "ترانسنيستريا" أخطر بكثير، حيث لم تقتصر عواقب توقُّف الغاز الروسي على ارتفاع الأسعار، بل أدَّت إلى إغلاق المصانع وتوقُّف إمدادات التدفئة والمياه الساخنة في المنازل. وفي تعليق على ذلك، قال «سيرجي أوبولونيك» (Sergei Obolonik)، نائب رئيس وزراء المنطقة، لقناة إخبارية محلية: “إنَّ جميع المؤسسات الصناعية غير نشطة، باستثناء تلك العاملة في إنتاج الغذاء، أي تلك التي تضمن بشكل مباشر الأمن الغذائي في ترانسنيستريا.” ومع ذلك، قال زعيم "ترانسنيستريا" الموالي لروسيا، «فاديم كراسنوسيلسكي» (Vadim Krasnoselsky)، إنَّ المنطقة لديها احتياطيات غاز تكفي فقط لعشرة أيَّام وأنَّ محطة الطاقة الرئيسية تحوَّلت من الغاز إلى الفحم ومن المفترَض أن تكون قادرة على توفير الكهرباء للسكان فقط خلال شهري يناير وفبراير.
وتُزوِّد موسكو نحو ملياري متر مكعَّب من الغاز سنويًا إلى "ترانسنيستريا"، وهي منطقة يبلغ عدد سكانها نحو 450 ألف نسمة. وقال مدير شركة الغاز الوطنية في مولدوفا، "مولدوفاغاز"، «فاديم سيبان» (Vadim Ceban)، إنَّ شركَتَه مستعدَّة لمساعدة المنطقة الانفصالية في شراء الغاز من دول أوروبية أخرى مثل رومانيا. ومع ذلك، فإن هذا يتعارض مع مصالح "ترانسنيستريا": في الواقع، لم تدفع المنطقة الموالية لروسيا أي شيء لشركة "غازبروم" منذ عدة سنوات، وذلك بفضل اتِّفاق ضمني مع موسكو، كما ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء.
ومع انقطاع إمدادات الغاز عبر خط أنابيب الغاز الروسي الأوكراني، يُكرِّر الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية نفسها التي طبَّقها في السنوات الأخيرة ضدَّ الكرملين، والتي أثبتت مع ذلك أنها تُضِرُّ بالمصالح الأوروبية. في واقع الأمر، كان السَّبب في انهيار الصناعة الألمانية ـ القلب الاقتصادي للاتحاد الأوروبي ـ هو ارتفاع تكاليف الطاقة، وكان ذلك بمثابة تأثير "الدومينو" على الاقتصادات الرئيسية الأخرى في الاتحاد الأوروبي. والآن، فإنَّ الزيادة الإضافية المحتمَلة في أسعار الغاز، حتَّى ولو كانت ضئيلة، لن تؤدِّي إلَّا إلى تفاقم ظروف الصناعة في القارة العجوز.