لكن بين التعيينات الجديدة، اختار «بايرو» العديد من السياسيين البارزين وذوي الخبرة كوزراء: يوجد بين أخرين إثنين من رؤساء الوزراء السابقين مثل «إليزابيث بورن» (Elisabeth Borne) و«مانويل فالس» (Manuel Valls)، ووزير الداخلية السابق «جيرالد دارمانين» (Gérald Darmanin).
في عموم الأمر، حاول «بايرو» إرضاء الأحزاب المعتدلة من اليمين واليسار، في محاولة لتأمين دعم كلا الحزبين، وبدلًا من ذلك استبعد أنصار أحزاب اليمين واليسار الأكثر تطرُّفًا، وعلى وجه التحديد حزب التجمع الوطني وحزب "فرنسا الأبية".
في الوضع السياسي الحالي غير المستقر للغاية ومع استمرار الحكومتين الأخيرتين لبضعة أشهر فقط، أعطى الرئيس «إيمانويل ماكرون» «بايرو» تفويضًا ذا أولوية لتشكيل حكومة تستمرُّ في السُّلطة لأطول فترة ممكنة وتجنُّب اقتراحات سحب الثقة: هكذا يمكن تفسير محاولة الحفاظ على توازن مُعيَّن بين الأحزاب السياسية. وفي فرنسا، لكي تُصبح الحكومات قادرةً على العمل، لا تحتاج إلى تمرير التصويت على الثقة، ولكن فقط لتجنُّب الوقوع تحت التصويت بحجب الثقة.
ليس من الواضح حتَّى الآن ما إذا كانت اختيارات «بايرو» ستكون كافية لمنع حكومته من السقوط أيضًا، ويرجع هذا أيضًا إلى الانتقادات القوية التي وُجُّهت بالفعل من قِبَل اليمين واليسار. إنَّ لحظة عدم اليقين القويَّة في السياسة الفرنسية ترجع بشكل أساسي إلى نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة في يوليو، عندما جرى انتخاب برلمان منقسِم بشكل كبير إلى ثلاث مجموعات، لا تتمتَّع أيُُّ منها بالأغلبية وليس لديها أي نِيَّة للتعاون مع بعضها البعض: "ائتلاف الوسط" الذي يقوده حزب «ماكرون» (النهضة)؛ "الجبهة الشعبية الجديدة" اليسارية و"حزب التجمع الوطني" اليميني.
ويبلغ «فرونسوا بايرو» من العمر 73 عامًا، وهو زعيم "حزب الحركة الديمقراطية"، ائتلاف الوسط، لكنَّه يتمتَّع بماض سياسي يجعله موضع ترحيب من قبل العديد من الأحزاب، ولهذا السَّبب أيضًا اختاره «ماكرون». ومن الوزراء السبعة الجدد الذين اختارهم «بايرو»، يأتي العديد منهم من منطقة الوسط، بدءًا من سلفيه على رأس الحكومة، «إليزابيث بورن» و«مانويل فالس».
واختيرت «إليزابيث بورن»، البالغة من العمر 63 عاما وتنتمي لـ "حزب النهضة" الذي يتزعَّمه «ماكرون»، وزيرةً جديدة للتعليم ونائبةً عن «بايرو». وكانت رئيسة الوزراء بين مايو 2022 ويناير 2024، عندما استقالت بشكل أساسي بتحريض من «ماكرون». ليست لديها خبرة محدَّدة في مجال التعليم، لكن الدور يعتبر حسَّاسًا بشكل خاص ومن المحتمَل أن يُعهد بها إلى سياسة خارجية، نظرًا لأن أربعة وزراء تعليم أخرين قد خلفوا بعضهم بعضًا قبلها خلال العام.
يبلغ «مانويل فالس»، وهو أيضًا من "حزب النهضة"، 62 عامًا وشغل منصب رئيس الوزراء لأكثر من عامين ونصف بين عامي 2014 و2016. جرى تعيينه وزيراً لأقاليم ما وراء البحار، أي الأراضي التي كانت مستعمرات لفرنسا والتي تُدار الآن بدرجات مختلفة من الاستقلال، مع بقائها دائمًا تحت سيادة الدولة الفرنسية: وهذه أيضًا مهمة حسَّاسة للغاية، لأنَّه سيتعيَّن على «فالس» إدارة الأزمتين الجاريتين في "مايوت" و"كاليدونيا الجديدة".
ومن التعيينات المهمَّة الأخرى بين أعضاء "حزب النهضة" تعيين «جيرالد دارمانين» (Gérald Darmanin)، الذي كان وزيرا للداخلية في ثلاث من الحكومات الأربع الأخيرة (باستثناء الحكومة الأخيرة) وسيُصبح الآن وزيرًا للعدل. على الرَّغم من أنَّه ينتمي إلى الائتلاف الوسطي، إلَّا أنَّه في عمله كوزير للداخلية كان لدى «دارمانين» نهج متطرِّف في بعض المواضيع، مثل الهجرة، التي كانت في كثير من الأحيان غير مُرحَّب بها من قبل اليسار.
التعيين الذي ينبغي أن تُرحِّب به منطقة يسار الوسط هو تعيين «فرونسوا ريبسامين» (François Rebsamen) ليشغل منصب وزير للتخطيط الإقليمي واللامركزية: كان «ريبسامين»، البالغ من العمر 73 عامًا، منذ فترة طويلة عضوًا مهماً في الحزب الاشتراكي وكان وزيرًا للعمل في حكومة «فرانسوا هولاند» الاشتراكية.
ثم توجد بعض التعيينات الأقل سياسية، مثل تعيين «إيريك لومبارد» (Éric Lombard) في وزارة الاقتصاد: كان «لومبارد» حتى الآن مديرًا لـ "صندوق الودائع والأمانات"، وهي مؤسسة مالية عامة فرنسية تتعامل مع الاستثمارات والمنافسة وغيرها من الأنشطة نيابة عن الدولة (مثل "صندوق الإيداع والقروض" في إيطاليا)، وفي في الماضي كان يشغل منصب المدير العام للقسم الفرنسي في وكالة التأمين "جنرالي". باختصار، هو ليس سياسياً محترِفا، حتَّى لو كان في الماضي مستشارا لوزراء اشتراكيين. وجرى تعيين «ماري بارساك» (Marie Barsacq)، التي كانت مديرة اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024، وزيرة للرياضة.
وبين أهم التعيينات، اختار الوزير الأول الجديد «برونو روتايُّو» (Bruno Retailleau) ليكون على رأس وزارة الداخلية و «رشيدة داتي» (Rachida Dati) في وزارة الثقافة، وكلاهما من مناصري حزب الجمهوريين اليميني الوسطي، بينما جرى تأكيد تعيين «جان نويل بارو» (Jean-Noël Barrot)، من حزب النهضة، وزيرًا للخارجية.
وعلى الرَّغم من أنّ «بايرو» حاول، بتعييناته على الأقل، الحفاظ على التوازن بين اليمين واليسار، فإنَّ اختياراته أثارت بالفعل الشكوك والجدل على الجانبين. على سبيل المثال، قال «كزافييه برتراند»، أحد دعاة حزب "الجمهوريين"، إنَّ التعيينات تأثَّرت بحزب "التجمُّع الوطني" وأنَّه يرفض دعم حكومة مؤلَّفة "بموافقة «مارين لوبان»"، أي الزعيمة التاريخية لـ"التجمُّع الوطني". وهو موقف مشابه لذلك الذي عبر عنه سكرتير "الحزب الاشتراكي" «أوليفييه فور»، الذي كتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "هذه ليست حكومة، إنها استفزاز"، مُدَّعيًا أنّ تشكيلتها بعيدة جدَّا عن اليمين.
Ce n’est pas un gouvernement c’est une provocation. La droite extrême au pouvoir sous la surveillance de l’extrême droite. #Bayrou
— Olivier Faure (@faureolivier) December 23, 2024
وفي أول مقابلة له بعد التعيينات، رفض «بايرو» هذه الاتهامات. ولكن لكي يبقى في منصبه، فإنَّه يحتاج إلى دعم واحد على الأقل من "حزب الجمهوريين" و "الحزب الاشتراكي"، أو الأفضل من كليهما، ولهذا السبب سعى إلى تحقيق التوازن بين الحزبين.