بعد يومين من هروب الدكتاتور «الأسد»، تجمَّع سكَّان "اللاذقية" في السَّاحة المركزية في مظاهرة كبيرة احتفالاً بالثورة، وهم يغنُّون: "واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد!". ولا يزال علم الثورة الضَّخم الذي جرى عرضه في ذلك اليوم مُعلَّقًا على أحد الجسور هناك. في "اللاذقية"، لم المرء يتخيل أن يسقط نظام «الأسد» بهذه السرعة والسهولة المفاجئة الذي حكم السكان المحليين لمدة خمسين عامًا بالحديد والنار.
عندما فتح الثوار "اللاذقية" افتتحوا مركزاً للمصالحة فيها ومركزين أخرين في "جبلة" و"طرطوس" القريبتين، حيث يمكن لجنود الأسد القدوم لتسليم أسلحتهم. وفي مقابل ذلك، يتم إعطاؤهم شهادة اعتراف ورقية مؤقَّتة تقول إنهم لم يعودوا أعداء، بل مواطنين عاديين في سوريا ما بعد الأسد.
خارج مركز المصالحة في "جبلة"، والذي في الأوقات العادية هو مجلس المدينة، يوجد حشد من الرجال بملابس مدنية ينتظرون للتبرُّؤ من الولاء للأسد وتأكيد الإقالة من الجيش إلى حين إعادة توظيفهم. إثنان من رجال الشرطة يرتدون الزي الرمادي التابع لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ الوطني يراقبون الرجال وينظِّمون المداخل. حكومة الإنقاذ الوطني هي حكومة الثوَّار في منطقة "إدلب" ويأتي رجال الأمن من "إدلب"، لكن لمدة عشرة أيام وفجأة يتعيَّن عليهم الانتقال للعمل في مكان أخر. ومن الواضح أنهم لا يستطيعون التفكير في الانتقام من قوات الأسد كأن كل شيء غُفر لهم بسرعة.
وهذا ليس هو الحال بالنسبة للجميع، بالأخص عندما يتعلَّق الأمر بأعلى النظام. وفي مقطع فيديو جرى تداوله على قنوات "تلغرام" التي تتابع الأحداث في سوريا، قام مسلَّحون في منطقة "اللاذقية" بركل ضابط أسدي ويداه مقيَّدتان ووجهه ملطَّخ بالدِّماء وضربوه في فمه بعقب بندقية (يجب التأكد من خلفية الواقعة على الرغم من أن الاعتداء على الأسرى ممنوع دوليا ومحرم دينيا).
داخل وسط مدينة "جبلة"، يجلس «خالد»، وهو ضابط متمرِّد يبلغ من العمر 24 عاماً، خلف مكتب ويستقبل الأسديين المصطفِّين واحداً تلو الأخر. وقال للصحيفة: “حضر ستة آلاف في الأيام الثلاثة الماضية في هذا المركز وحده.” يوجد في زاوية الغرفة كومة من البنادق الهجومية. يفتح «خالد» الدرج السفلي للمكتب: إنها مليئة بالبنادق والقنابل اليدوية. يفتح الدرج في المنتصف: الشيء نفسه. يفتح الدرج العلوي: المليء بمفاتيح السيارة العسكرية التي سلَّمها الأسديون.
يصل معظم الجنود الذين استجابوا للمصالحة غير مسلَّحين: يظهرون هوياتهم العسكرية، ويتم تصويرهم من قبل رجل يرتدي ملابس مدنية ويحمل هاتفًا خلويًا واحدًا، من أجل الأرشيف، ثم يجمعون قطعة الورق التي تعلن حدوث المصالحة. إذا كنت تحمل بندقية أو مسدسًا فهناك خطوة إضافية، وهي عبارة عن نموذج من ورق الكربون مكتوب عليه الرقم التسلسلي للسلاح. عند سؤال الجنود في الصف، وكثير منهم في منتصف العمر، إذا كانوا خائفين، فإن إجابة الجميع هي: "لا، أنا لست خائفًا، لا بأس". وهكذا، وبخطوة بيروقراطية لا تزيد على مجرد الاشتراك في صالة رياضية، يتحلل الجيش الأسدي في المنطقة الأكثر أسدية في سوريا.
في سوريا، حتى حكومة الثوار تريد تسهيل الأمر، كما لو كان الأمر يتعلَّق بإزالة شريحة "النظام الأسدي" الدقيقة من البلاد وإدخال شريحة صغيرة جديدة. في الوقت الحالي، لا توجد كوارث في الأفق، ولكن لم يمر سوى أحد عشر يومًا. هناك فرق بين تغيير النظام في العراق: فقد حدثت هناك بالفعل ثلاثة عشر عاما من القتال والإرهاب ومعاناة المدنيين بعد تدمير نظام الراحل «صدام حسين».