الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» يتوسَّط الرئيس المصري «محمد أنور السادات» يسارًا ورئيس الوزراء الإسرائيلي «مناحيم بيجن» يمينا |
الإيطالية نيوز، الإثنين 30 ديسمبر 2024 - توفي «جيمي كارتر»، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة بين عامي 1976 و1981، عن عمر يناهز 100 عام، في فترة معقَّدة تميَّزت بشكل رئيسي بأزمة الطاقة وأزمة الرهائن الأمريكيين في طهران.
«كارتر»، الذي كان أحد هؤلاء الرؤساء الذين لم يُعاد انتخابهم لولاية ثانية - مثل «جورج بوش» الأب و«دونالد ترامب» من بعده - كان أيضًا الرئيس الأمريكي الذي عاش أطول فترة.
أعلن إبنه، «جيمس إي. كارتر الثالث»، وفاتَه: توفي «كارتر» يوم الأحد في منزله في "بلينز"، بولاية "جورجيا".
وبفضل طول عمره على وجه التحديد، كان قادرًا على تشكيل إرثه السياسي شخصيًا، وتحرير نفسه من سُمعة الرئيس الخاسر. في فبراير 2023، بعد دخوله العديد من المستشفيات في السنوات الأخيرة، عاد «كارتر» إلى منزله لتلقي الرعاية التلطيفية.
وفي حديثه لصحيفة "واشنطن بوست"، قال المؤرِّخ «جوزيف كريسبينو» إنَّه لا يستطيع التفكير في ”أي رئيس أخر عاش ليرى إرثه يتشكَّل بينما كان لا يزال على قيد الحياة.” وأوضح «كريسبينو» أنه “بدلاً من التعامل بشكل سيئ مع الهزيمة التي حصل عليها ضد الجمهوري «رونالد ريغان» في عام 1980، استخدم النفوذ والسُّمعة السيِّئة التي اكتسبها في السياسة لمساعدة الملايين من الناس والفوز بـ «جائزة نوبل للسلام» في عام 2002.”
وُلد «كارتر» عام 1924 في بلدة "بلينز" الصغيرة في "جورجيا" لعائلة تعمل بالزراعة. عندما كان شابًا، خدم في البحرية وتخرَّج من "Union College" بدرجة علمية في الفيزياء النووية وتكنولوجيا المُفاعِلات. وبسبب هذه المهارات جرى تسجيله في برنامج الغوَّاصات النووية في المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي. في عام 1953، عندما لم يكن قد بلغ الثلاثين من عمره، توفي والده ولذلك عاد إلى "بلينز" لرعاية أعمال العائلة مع الورثة الأخرين وزوجته «روزالين سميث». وعلى وجه الخصوص، كرَّس «كارتر» نفسه لزراعة وبيع الفول السوداني، مستخدِمًا معرفته العلمية لتحسين وتوسيع الأعمال.
على مرِّ السنين أصبح نقطة مرجعية للمجتمع المحلِّي وكان له أدوار إدارية محلِّية، حيث أشرف على مجالات مختلفة مثل التعليم والرعاية الصحية والمكتبات. في عام 1962، جرى انتخابه عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية "جورجيا"، وفي عام 1966 ترشَّح لمنصب حاكم الولاية، وخسر: لكنه فاز في الانتخابات التالية عام 1971. وظل حاكمًا حتَّى عام 1975، عندما بدأ بالفعل حملته الرئاسية لمدة عام.
لم يكن «كارتر» معروفًا على المستوى الوطني في ذلك الوقت، وعلى الرَّغم من تولِّيه أدوارًا مؤسَّسية في ولايته، إلَّا أنَّه لم يكن يَعرف سياسة واشنطن جيدًا. لذا عندما بدأت الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الديمقراطي، لم يكن «كارتر» من أبرز المرشَّحين على الإطلاق، بل على العكس: يبدو أنَّ المرشح المفضَّل كان «جورج والاس»، من ألاباما، المعروف على المستوى الوطني بمواقفه القاسية المؤيِّدة للفصل العنصري بين السود.
ولذا ركَّز «كارتر» حملته الانتخابية بأكملها على التعريف بنفسه، ونشر سيرة ذاتية قصيرة بعنوان "لماذا ليس الأفضل؟" ويقطع ما يقارب 80 ألف كيلومتر في 37 ولاية، متفوِّقًا على المرشَّحين الأخرين في الموعد المحدَّد. وقد ساعدته اللهجة المتفائلة لحملته وحقيقة أنه كان يُنظر إليه على أنه دخيل ورجل أعمال مُعار للسياسة على ما يلي: كانت "فضيحة ووترغيت" التي أثَّرت على رئاسة «ريتشارد نيكسون» لا تزال حاضرة، وكانت ثقة الأميركيين في السياسة الوطنية في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وركَّز «كارتر» كثيراً أيضا على هذا الجانب: فقد أطال في خطاباته الحديث عن فساد واشنطن وضرورة العودة إلى طريق الصدق والاستقامة (كما أنه كان متديناً جداً ولم يخف ذلك).
فاز «كارتر» أولاً في الانتخابات التمهيدية لحزبه ثم فاز أيضًا في التحدي ضد مرشح الحزب الجمهوري، «جيرالد فورد»، الذي كان نائب رئيس «نيكسون» وحلَّ محلَّه بعد استقالته في عام 1973. لقد كان نصرًا ضئيلًا فقط، في حين كان «كارتر» يتمتَّع بفارق واضح طوال الحملة الانتخابية بأكملها تقريبًا.
واستعاد فورد تأخُّره بمهاجمة «كارتر» في عدَّة مناسبات، ووصفه بأنه غير مناسب وأضعف من أن يكون زعيمًا لدولة مثل الولايات المتحدة، بالأخص في فترة تاريخية معقَّدة مثل سنوات الحرب الباردة والصدامات الدبلوماسية للولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي. وبدلا من أخذها مأخذ جدٍ، قلَّل «كارتر» من أهمية تلك الهجمات وارتكب عددًا من الأخطاء الأخرى، بما في ذلك مقابلة سيئة السمعة مع مجلة «بلاي بوي» الإباحية قال فيها إنه كان يشتهي نساء أخريات طوال حياته: “لقد زنيتُ في قلبي مرات عديدة.” ربما كانت هذه محاولة خرقاء للظهور بمظهر جذاب في أعين الجمهور الذكور، لكن النتيجة جاءت بنتائج عكسية: انتقدته وسائل الإعلام وخسر شعبيته بين الناخبين الأكثر تحفُّظًا. ولكن في النهاية، جرى انتخابه بأغلبية 297 صوتًا من أصوات الناخبين، مقابل 240 صوتًا لـ «فورد».
واجهت رئاسة «كارتر» العديد من المشاكل منذ البداية، التي تراكمت إلى حد كبير في السنوات الماضية، لكن «كارتر» فشل في حلِّها. بادئ ذي بدء، الوضع الاقتصادي: في عام 1973، خَفَّضت الدول المُنتِجة للنفط الأعضاء في "منظمة أوبك" إنتاجها بشكل كبير لزيادة سعر البرميل، انتقامًا للهزيمة التي مُنيت بها مصر وسوريا في حرب "يوم الغفران" ضد إسرائيل. لعقود من الزمن، تمتَّعت الاقتصادات الغربية بأسعار منخفضة للوقود والطاقة، وهو العامل الذي دعم النمو في الخمسينيات والستينيات. مع قرار "أوبك" كان هناك ما يسمى "الصدمة النفطية" التي تسبَّبت من ناحية في ارتفاع الأسعار بشكل كبير (التضخُّم) ومن ناحية أخرى تسبَّبت في تباطؤ الإنتاج لأنَّه كان باهظ الثمن (الركود). يُعرَّف الوجود المشترك لهاتين الظاهرتين على أنه "الركود التضخمي".
لقد كان واقعًا جديدًا بالنسبة للسياسيين، الذين لم يعرفوا كيفية إصلاحه. وفي الولايات المتحدة، أدَّت الأزمة إلى فقدان العديد من الوظائف وإغلاق المصانع، ونقل الإنتاج إلى أماكن أخرى. حاول «كارتر» خفض التضخُّم عن طريق خفض الإنفاق الفيدرالي وإصدار مبادئ توجيهية للشركات بشأن الأجور والأسعار، لكن السياسات المعتمَدة لم تكن كافيةً وبقيت المشكلة كما هي تسير نحو الأسوأ، وتفاقمت بالفعل بعد أزمة أخرى في الشرق الأوسط: الثورة التي شهدتها إيران والتي حوَّلت البلاد إلى جمهورية إسلامية عام 1979. وكانت إيران جُزءاً من "منظمة أوبك" وموالية لواشنطن إلى درجة كانت ولاية أمريكية لقيطة، وبعد تغيير النظام ارتفعت أسعار النفط مرة أخرى.
أراد «كارتر» إعطاء صورة جديدة للرئاسة، أقلَّ تفاخرًا وأكثر رسميةً، وقريبةً من الشعب. ومع ذلك، لم يكن ذلك كافيًا لإقناع الناخبين بأنه جرى بذل كل ما هو ممكن للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الداخلية والأزمات الدبلوماسية الدولية. على وجه الخصوص، حدثت في إيران الأزمة التي أضعفت رئاسة «كارتر» أكثر من غيرها، عندما جرى احتجاز 53 موظفًا في السفارة الأمريكية كرهائن. ولم يُطلَق سراح معظم هؤلاء إلا بعد 444 يوماً، في نهاية مفاوضات طويلة.
وساهمت الأزمة الاقتصادية والضعف الأميركي على المستوى الدولي ـ على الأقل بالمقارنة مع هيمنة الأعوام السابقة ـ في هزيمة «كارتر» في الانتخابات الرئاسية في العام 1980. ولا يحدث في كثير من الأحيان عدم إعادة انتخاب رئيس حالي، قبل «كارتر»، وكانت آخر مرة في عام 1932 عندما هُزِم «هربرت هوفر» أمام «فرانكلين ديلانو روزفلت». لكن «كارتر» هزم على يد «رونالد ريغان» بما يسميه الأميركيون انتصارًا ساحقًا في كل الولايات أو معظمها.