ولم يُقدِّم «ماكرون» الكثير من المعلومات سواء حول من ينوي ترشيحه أو ما هي الأغلبية التي يقصدها: لكنَّه في الوقت نفسه أكَّد من جديد على أنَّه لا يريد الاستقالة، وهي الفرضية التي نوقشت مرة أخرى في الأيام الأخيرة.
واستقال «بارنييه» بعد أن حصلت حكومتُه على تصويت بحجب الثقة من قبل "الجمعية الوطنية"، مجلس النواب بالبرلمان، يوم الأربعاء 4 ديسمبر. وفي خطابه مساء الخميس، شكره «ماكرون» وأثنى عليه على "روحه القتالية" ولكن من دون إضافة الكثير، مع الأخذ في الاعتبار أنه تحدَّث في الدقائق التالية عن بعض الأولويات السياسية العامَّة للحكومة المقبلة: في الوقت الحالي، لا يزال من الصَّعب جدًّا فهم ما سيحدث في الأيَّام القليلة المقبلة.
وقد اضطرت استقالة «بارنييه»، الذي قاد "حكومة الأقلِّية"، لأنَّ الدستور الفرنسي ينصُّ على أنَّ رئيس الوزراء يجب أن يترك منصبه بعد استبعاده: سيظل يتولَّى "الشؤون الجارية حتَّى تعيين رئيس وزراء جديد".
ووافق على الاقتراح برلمانيون من التحالف اليساري للجبهة الشعبية الجديدة وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة «مارين لوبان» (Marine Le Pen). جرى تقديمه بعد أن فرض «بارنييه» الموافقة على جزء من الميزانية المثيرة للجدل لعام 2025، مستفيدًا من القاعدة التي تسمح بالموافقة على نص القانون المالي من دون المرور بالتصويت البرلماني (الذي جرى استخدامه بالفعل للموافقة على إصلاح المعاشات التقاعدية المتنازَع عليه).
وفي خطابه المتلفَز، رفض «ماكرون» اتهامات الجبهة الشعبية الجديدة وحزب التجمع الوطني التي تصف «بارنييه» بأنَّه "مناهضُُ للجمهورية". وتوجَّه «بارنييه» أمس صباح الخميس إلى الإليزيه، مقر رئاسة الجمهورية، وعقد اجتماعًا لمدَّة ساعة مع «إيمانويل ماكرون». ثم استقبل «ماكرون» أيضًا رئيسي "الجمعية الوطنية" و "مجلس الشيوخ"، «يائيل براون بيفي» (Yaël Braun-Pivet) و«جيرارد لارشر» (Gérard Larcher)، وتناول الغداء مع «فرانسوا بايرو» (François Bayrou)، رئيس الحركة الديمقراطية، وهو حزب من تحالف الوسط، والذي يتم الحديث عنه كواحد من المرشَّحين المحتمَلين لخلافة «بارنييه». ومع ذلك، فإن خيارات «ماكرون» محدودة إلى حدٍّ ما: فهو لا يستطيع الدعوة إلى انتخابات جديدة قبل يوليو 2025، وسيتعّين عليه إيجاد طريقة لتعيين رئيس وزراء أخر رُبَّما يحظى بإجماعٍ أوسع من ذلك الذي حصل عليه «بارنييه».
المشكلة هي أنَّ البرلمان مُنقسِمُُ إلى ثلاث كتل سياسية، واحدة على اليمين، وواحدة على الوسط، وواحدة على اليسار، مع عدد مماثل من المقاعد، ولم تظهر حتَّى الآن أي نِيَّة للتعاون معًا. ويمكنه أن يختار رئيس وزراء أقرب إلى اليمين، على أمل أن يتمكَّن من التفاوض مع «لوبان» أكثر مما كان «بارنييه» قادرًا على ذلك، أو يُمكنه الحصول على دعم اليسار من الاشتراكيين، الذين لا يبدو أنَّهم على استعداد للانفصال عن حزب "فرنسا الأبية"، التي أنشأوا معها ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة.
وبعد خطاب ماكرون، أدلت «لوبان» بتصريحات بَنَّاءة إلى حدٍّ ما، ما فتح الباب أمام احتمال أن يتمكَّن حزب الجبهة الوطنية من التوصُّل إلى "تسويات" مع الحكومة الجديدة. لكن سكرتير الاشتراكيين «أوليفييه فور» (Olivier Faure) كان قاسيًا، واستخدم كلمات «ماكرون» لمهاجمته: كتب في منشور على موقع "إكس": “لا أعرف سوى جبهة واحدة مناهضة للجمهورية، تلك التي تتعامل مع اليمين المتطرِّف، وتُضفي الشرعية عليه، وتتفاوض معه حصريًا.”