الإيطالية نيوز، الجمعة 6 ديسمبر 2024 - بعد مدينتي "حلب" و"حماة"، سيطرت المجموعات المسلَّحة السورية القادمة من الشمال أيضًا على مدينة "حمص" من دون إطلاق رصاصة واحدة، وذلك بسبب تراجع جنود نظام الرئيس «بشار الأسد» باتِّجاه الجنوب في الساعات الأولى من الصباح.
وستكون المحطَّة التَّالية في تقدُّم الثوَّار هي العاصمة "دمشق"، على بعد 160 كيلومتراً إلى الجنوب، ومكانيها الرمزيين: ساحة الأمويين، أكبر ساحات العاصمة السورية دمشق، والتي تُطلُّ عليها مباني قيادة جميع القوات العسكرية السورية ومبنى التلفزيون السوري الرسمي، و"قصر الأسد"، الذي كان دائمًا من باب الحذر يقع على "جبل قاسيون"، منفصلًا عن المدينة، ويُسيطر على كافة أحياء دمشق.
وقطعت الجماعات المسلَّحة للثوَّار مسافة تقارب 140 كيلومتراً حتَّى الآن. وفي كل مرحلة من مراحل التقدُّم، أصبحت مقاومة القوات النظامية المختلطة التي ينبغي أن تدافع عن نظام الرئيس «الأسد» أضعف بشكل متزايد، إلى حدِّ الاختفاء التَّام في بعض الحالات. ولم تعد العديد من الوحدات تراهن على المقاومة الشاملة للنظام وترفض إطلاق النار.
وفي منطقة "درعا"، جنوب العاصمة، حيث بدأت الثورة ضد الأسد في عام 2011، عادت مجموعات السوريين التي توقَّفت عن الكفاح المسلَّح في السَّنوات الأخيرة إلى النشاط مرَّةً أخرى، وتحتلُّ بلدات صغيرة وطرقًا ونقاط تفتيش. وبموجب الاتِّفاقيات المُبرَمة مع النظام، يتعيَّن عليهم التخلِّي عن الثورة إلى الأبد، وفي المقابل لن تقوم قوات «الأسد» باضطهادهم أو قتلهم أو أسرهم، وهو ما لم تفعله أو تحترمه. ولكي يبقى نظام الأسد واقفا، ولو فارغ الجسد، لجأ الأسد إلى الاستعانة بدعم خارجي للدفاع عن كرسيه للحكم، بالأخص إلى روسيا وإيران وإلى فصائل مسلَّحة بتنسيق مع إيران، مثل حزب الله اللبناني، "زينبيون" الأفغاني، "وفاطميون" الباكستاني... لكن، مع كل ذلك، حتى في "درعا"، تخلت العديد من الوحدات العسكرية الموالية للرئيس عن مواقعها.
ومن المحافظة الجنوبية الكبيرة الأخرى في سوريا، "السويداء"، تصل مقاطع فيديو تظهر الثوار داخل مقر الشرطة العامة ويمزِّقون صور «بشار الأسد» ووالده الراحل «حافظ» من واجهة المبنى.
وفي الشرق، على الجانب الأخر من البلاد، يغادر جنود «الأسد» أيضًا مدينة "دير الزور" وتحتل الميليشيات الكردية المواقع الفارغة. ويسيطر الأكراد على قطعة من الأراضي في شمال سوريا، وهي "روج آفا"، وفي السنوات الأخيرة اتَّخذوا موقفًا محايِدًا: هُمْ لا مع الثوار ولا مع «الأسد». لكن الأمر مختلف الآن.
وبالنَّظر إلى التحرُّكات على الخريطة، فإنَّ الوضع غير مسبوق: بينما يحتلُّ الثائرون المدن السورية في الغرب، قرَّر الأكراد السوريون استغلال هزيمة «الأسد» للقيام بالشيء نفسه في الشرق. إنها فرصة لإعادة تصميم جميع الحدود الداخلية.
وفي محاولة لمنع وصول شظايا هذا الانفجار في المنزل السوري إلى الدول المجاورة، أعلنت لبنان والأردن إغلاق الحدود مؤقَّتًا مع سوريا، خشية وقوعهما تحت سيطرة الجماعات المسلَّحة خلال الساعات القليلة المُقبلة.
ويدرك بعض الأسديين لن يكونوا آمنين مع إلقاء أسلحتهم والاستسلام للواقع الظاهر، لأنهم في السنوات الأخيرة قمعوا التمرُّدات بوحشية شديدة وبأساليب شيطانية، والآن بعد أن انقلب الوضع، يمكن أن يصبحوا ضحية لأعمال انتقامية لا تعرف الرَّحمة. ولهذا السبب يمكن أن يحدث شيئين: الأول هو أن الجنود سيستمرُّون في التنازل عن المدن والأراضي للجماعات المُسلَّحة الثائرة. والثاني هو أنهم يستطيعون تنظيم أنفسهم للدفاع عن بعض المناطق المحددة حتَّى النهاية المريرة: مدينة "اللاذقية" على الساحل، والتي كان يسكنها دائمًا مؤيِّدون متحمِّسون لِـ «الأسد»، أو العاصمة دمشق. ورُبَّما انتظار وصول بعض التدخُّل من الخارج، حتَّى لو لم يكن من الواضح في هذه الساعات من يستطيع وقف تقدُّم الثُوَّار.
منذ عام 2011، عندما بدأت الثورة ضد «الأسد»، بدت فكرة أن الثُوَّار يمكن أن يبدأوا من الشمال، حيث كانوا أقوى، وينتصروا في جميع المعارك الوسيطة في وسط سوريا ويصلون إلى العاصمة دائمًا غير قابلة للتصديق، ولكن هذا ما كان يحدث لمدَّة تسعة أيام. ومن الشمال والجنوب، تتجمَّع الميليشيات المناهِضة لِـ «الأسد» في دمشق. والهدف النهائي، كما قال «أبو محمد الجولاني»، زعيم الثُوَّار، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، هو "إسقاط نظام «الأسد»".