الإيطالية نيوز، الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - بحسب مصادر أمريكية وأوكرانية وروسية، وقع يوم الثلاثاء أوَّل هجوم بصواريخ "أَتاكْمَز" الأمريكية في روسيا، بمنطقة "بريانسك"، على الحدود مع أوكرانيا: الهجوم استهدف مستودع ذخيرة مدفعية كان مخصَّصًا أيضًا للجنود الكوريين الشماليين الَّذين دخلوا الحرب دَعْمًا للرُّوس.
وقبل ذلك بيومين، غيَّرت حكومة «جو بايدن» الأمريكية رأيها بشأن استخدام صواريخ "أتاكمز" الأمريكية وسمحت للجنود الأوكرانيين بإطلاقها ضد أهداف في الأراضي الروسية. إنَّها قصة رأيناها من قبل في هذه الحرب: عندما يطلب الجيش والحكومة الأوكرانية سلاحًا محدَّدًا لمقاومة الغزو الروسي، تقول الولايات المتحدة لا أولاً، ثم تدافع عن رفضها لبعض الوقت ء وفي هذه الفترة الفاصلة تحدث أشياء على الأرض المحروقة، لأن هناك حربًا مستمرَّة ء وفي النهاية غيَّروا رأيهم. ذلك الذي كان سابقا مستحيل أصبح اليوم ضربة مفاجئة.
توضيح: غالبًا ما تُعرِّف وسائل الإعلام نظام "أتاكمز" بأنَّه "صواريخ بعيدة المدى"، ولكن في الواقع، مثل جميع الصواريخ الباليستية التي يقلُّ مداها عن 1000 كيلومتر، فهي قصيرة المدى (يصل مداها الأقصى إلى 300 كيلومتر). سبب سوء الفهم هو أنَّ الإصدار الأخير لـ "أتاكمز" هو الذي يتمتَّع بأطول مدى. في المقابل، يستطيع "صاروخ إسكندر" الباليستي، الذي يستخدمه الروس عادة لقصف المدن الأوكرانية، أن يطير لمسافة 400 كيلومتر ويُصنَّف على أنَّه صاروخ "قصير المدى".
وقد حدث الشَدُّ والجَذْبُ الأمريكي مع حاملات الجنود المدرَّعة "بْرادلي" (إثنا عشر شهرًا بين الطلب الأوكراني ووصولها إلى منطقة الحرب)، ومع الطائرات المقاتلة من طراز إفء16 (سبعة عشر شهرًا بين الطَّلب والتسليم الأوَّل من قبل الدنمارك بترخيص من إدارة «بايدن»، ثم استغرق الأمر وقتًا أطول لتدريب الطيَّارين) ومع دبَّابات "أبرامز" (ثمانية عشر شهرًا، بعد أن بدأت دول حليفة أخرى إرسال الدبَّابات بمبادرة منهم).
والولايات المتحدة ليست مُلزَمة بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومع ذلك فقد قدَّمت مساهمةً كبيرةً. ولكن إذا قرَّروا المشاركة على نطاق واسع، كما يقول المنتقدون، فيتعيَّن عليهم أن يفعلوا ذلك في الوقت المناسب وليس وفقًا لهذا الجدول الزمني المتردِّد، لأنَّ نشر وصول الأسلحة على مرِّ السِّنين لن يؤدِّي إلَّا إلى الإضرار بالجنود الأوكرانيين وتشجيع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».
في عام 2022، بعد شهرين من الغزو، طلب الأوكرانيون من الولايات المتَّحدة نظام "أتاكمز"، وهي قاذفات صواريخ متنقِّلة، وكان ذلك نجاحًا عسكريًا. تطلق القادفات "هيمارس" صواريخا تصل إلى مسافة ثمانين كيلومترا، بهامش خطأ تسعة أمتار، وعندما تستهدف مبنى فإنَّها تصيبه. في أوائل صيف عام 2022، فجَّر الجنود الأوكرانيون مستودعات الذخيرة ومستودعات الوقود وحظائر طائرات الهليكوبتر والثكنات في أوكرانيا المحتلَّة في غضون أسابيع من دون أن تتمكَّن روسيا من فعل أي شيء حيال ذلك.
في أوكرانيا، لا يزال من الممكن، في المناطق التي كان يحتلُّها الجنود الروس، التعرُّف على المباني التي ضربتها قاذفات "هيمارس" الأوكرانية: لقد دمَّرها الانفجار في المركز تمامًا. وبالنظر إلى النتائج، قام الأوكرانيون في سبتمبر من ذلك العام بإدراج صواريخ "أتاكمز" في قائمة الأسلحة التي طلبوها من الدول الحليفة. تُطلَق صواريخ "أتاكمز" من المركبات المتنقلة نفسها التي تُطلَق منها صواريح "هيمارس" وتتمتع بالدقة الصارمة نفسها، ولكنَّها أكثر قوَّة وتذهب إلى أبعد من ذلك.
رفضت إدارة «بايدن» الطلب لعدة أسباب، مثل المخاوف من احتمال وقوع هذه الصواريخ في أيدي الروس فيقومون بتحليلها وتقليدها. السبب الأخر، ويبدو غير جدي وذريعة لإطالة عمر حرب استنزاف، هو أن «بايدن» كان يخشى قبل كل شيء أن يستخدم الأوكرانيون الصواريخ على الأراضي الروسية، وأن لا يعطي لـ «بوتين» فرصة استغلال مبرر صواريخ "أتاكمز" الأمريكية كذريعة لرفع حدة الحرب، ممَّا يؤدِّي في السيناريو الأسوأ والأقل احتمالًا إلى استخدام الرؤوس الحربية الذرية.
وفي منتصف أكتوبر 2023، أطلق الأوكرانيون صواريخ "أتاكمز" لأوَّل مرَّة على بعض القواعد الروسية في شبه جزيرة القرم، بعد استلامها سِرًّا في الأسابيع السابقة. لقد كانت نسخة يمكنها ضرب مسافة 160 كيلومترًا، وبالتالي ليست النسخة الأحدث القادرة على الوصول إلى أهداف تصل إلى مسافة ثلاثمائة كيلومتر (هنا يلزم توضيح ثانٍ: تحظى صواريخ "أتاكمز" بالتقدير لدقَّتها، لكنَّ الروس تمكَّنوا من إسقاط العديد منها أثناء الطيران، فهي ليست أسلحة سِحرية. يوم الثلاثاء قالوا إنهم أسقطوا خمسة من أصل ستة: لا يوجد تأكيد).
ورُبَّما أرادت إدارة «بايدن» طمأنة الأوكرانيين بعد فشل الهجوم المضاد الصيفي ضدَّ الرُّوس على الجبهة الجنوبية، والذي نوقش منذ أشهر - مقدمًا - في الصحف حول العالم ولم يُسفر إلَّا عن خسائر فادحة.
ثم في أبريل 2024، بدأ الأوكرانيون أيضًا في استخدام صواريخ "أتاكمز" الجديدة، ذات المدى الأطول، مرَّة أخرى ضدَّ القواعد الروسية في شبه جزيرة القرم. لقد تعرَّض الأوكرانيون مؤخرًا لهزيمة مُذهلة في جنوب "دونباس"، وفقدوا مئات الجنود، وأُسروا أو هلكوا، وانسحبوا من بلدة "أفدييفكا" الصغيرة. وفي هذه الحالة أيضًا، من الممكن أن تكون الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى قد عملت، إلى جانب أشياء أخرى، على زعزعة استقرار الجنود الروس، فأعادت الطمأنة للأوكرانيين الذين كانوا يمرون بأزمة حقيقية في ساحة الحرب. لقد مرَّ ثمانية عشر شهراً منذ أن رفضت الولايات المتحدة لأول مرة منح الإذن لأوكرانيا لاستخدام هذا النوع من الصورايخ.
في هذه الأثناء، قام الجيش الروسي والقوات الجوية بنقل معظم الأهداف المحتملة الأكثر أهمية خارج نطاق الصواريخ، وبالتالي أكثر من ثلاثمائة كيلومتر من خط المواجهة في "كورسك".
والآن سقط الحظر الذي فرضه «بايدن»، لأن خمسين ألف جندي روسي وكوري شمالي يستعدُّون لشن هجوم لطرد الجيش الأوكراني من منطقة "كورسك" وإعادتهم إلى الأراضي الأوكرانية. وسيكون نظام "أتاكمز" جُزءًا من خطَّة أوكرانيا للاستمرار في التمسُّك بقطعة من روسيا، ورُبَّما لاستخدامها يومًا ما كورقة مساومة في المفاوضات.
وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال نشرته في سبتمبر أنه عندما تحاول المخابرات الأمريكية التنبؤ بكيفية رد فعل بوتين على صواريخ "أتاكمز"، فإنَّها لا تفكِّر في انتقام نووي، بل في حملة من التخريب والهجمات في أوروبا وعلى الأراضي الأمريكية. علاوة على ذلك، تعتقد الاستخبارات أن صواريخ "أتاكمز" قليلة جدًا بحيث لا يمكنها إحداث فرق حقيقي في ساحة المعركة.
هذا الصيف، كانت هناك حالتان من العبوات الحارقة التي تُركت على متن طائرات تحمل شحنات تجارية من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وبحسب المخابرات الأمريكية فإنَّهما يشبهان تدريبات قامت بها أجهزة المخابرات الروسية لاختبار جدوى هذه العمليات. لكن الأخبار خرجت قبل وقت قصير من الخامس من نوفمبر الماضي، ولم يلاحظها أحد، لأنَّ كل الاهتمام كان مُنصَبًّا على الانتخابات التي فاز بها «دونالد ترامب».