الإيطالية نيوز، الإثنين 4 نوفمبر 2024 - ضربت موجة أخرى من الغارات الجوية الروسية أوكرانيا، واستهدفت العاصمة مرة أخرى. واستهدفت طائرات من دون طيَّار إيرانيةُ الصُّنعِ ستَّة أحياء مختلفة في كييف. كما أفاد الجيش الأوكراني أنَّ الدفاعات الجوية دمرت 39 من أصل 71 طائرة روسية من دون طيَّار أول أمس.
وأكَّدت شركة الطاقة الوطنية “ديتك” حدوث سلسلة من الانقطاعات الكهربائية. كما استهدفت الهجمات مرَّة أخرى "سومي" و"خاركيف" في المناطق الشمالية الشرقية.
ووفقًا لكييف، أطلقت موسكو في شهر أكتوبر وحده أكثر من 2000 طائرة من دون طيَّار ضدَّ أهداف مدنية وعسكرية. وقال الجنرال «أولكسندر سيرسكي»، قائد القوات المسلَّحة الأوكرانية، إنَّ البلاد تتعامل مع "أحد أقوى الهجمات الروسية" منذ أكثر من عامين.
وأضاف «سيرسكي»، الذي يتعرَّض لانتقادات أيضًا من داخل القوات المسلَّحة، عشية شتاء أخر من الحرب: “يتعيَّن على كييف أن تتعامل مع "العمليات القتالية، التي تستمرُّ في مناطق مختلفة، أن تُجدِّد بطريقة مستمرَّة مواردها القتالية في الوحدات الأوكرانية وأن تتجاوز صعوبة تجنيد الرجال لإرسالهم إلى الجبهة.”
إنها لحظة مواتية بالنسبة لروسيا، إذ يُمكنها أيضا الاستفادة من الغموض الذي يكتنف بعض الهيئات الدولية. وأصبح من المعروف بالأمس أن «كسينيا يودايفا» (Ksenia Yudaeva)، الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، جرى انتخابها مديرة تنفيذية لصندوق النقد الدولي لروسيا وسوريا. وكانت موسكو ممثِّلة بالفعل في الصندوق وحصلت على تناوب مثير للجدل.
وكان يجب أن تتضمَّن الخطط أيضًا حربًا على صادرات الطاقة الروسية. لكن الصنابير التي تنقل الغاز من موسكو إلى أوروبا لم تُغلق بشكل نهائي قط. ومن الغموض الأخر في صراع "ماتريوشكا" الذي يرى روسيا وأوكرانيا في مواجهة بعضهما البعض، مع تداعيات وتأثيرات دولية.
ويستمرُّ خط أنابيب الغاز الرئيسي الممتد من منطقة "كورسك" الروسية إلى دول مثل المجر والنمسا وسلوفاكيا في الضَّخ، ليُصبح سلاحًا إضافيًا لتقسيم أوروبا.
ويوم الجمعة أيضاً، مثل كل يوم منذ أشهر، أعلنت شركة "غازبروم" الروسية أنها ستُرسِل في يوم واحد 42.4 مليون متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر أوكرانيا.
في الواقع، لم يحدث إغلاق خط الأنابيب أبدًا. وعلى الرغم من انخفاض نسبة الضَّخ، فإنَّ ما يقرب من نصف صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا لا تزال تمرُّ عبر أوكرانيا. ويصل النصف الأخر إلى القارة العجوز عبر "تُرْك سْتريم" الذي يمر في عمق البحر الأسود. ويمر الأنبوب برًّا من "سودجا" في منطقة "كورسك" التي دخلها الأوكرانيون في أغسطس، ويعبر البلاد بأكملها إلى المشترين الأوروبيين.
ولأوَّل مرَّة منذ عام 1999، سجَّلت الميزانية العمومية لشركة "غازبروم" لعام 2023 خسارة قدرها 6.4 مليار يورو (629 مليار روبل). علاوة على ذلك، انخفضت أسعار الغاز إلى النصف مقارنة بالعام الأول من الحرب. وانخفضت المبيعات إلى النِّصف بسبب الحرب في أوكرانيا ولم يُعوِّض السُّوق الصيني الانهيار. واستوردت بكين عُشر ما باعته روسيا سابقًا للاتحاد الأوروبي.
أما على الصعيد الأوروبي، فقد أعلن مُشغِّل نقل الغاز الطبيعي السائل الأوكراني (LNG) أنَّ العبور المتَّجه إلى دول الاتحاد الأوروبي زاد بنسبة %10.5 في الفترة من يناير إلى يوليو 2024.
ويسمح الممر الأوكراني بالتوزيع في اتِّجاه سلوفاكيا، حيث يتفرَّع خط الأنابيب بعد ذلك باتِّجاه جمهورية التشيك والنَّمسا: المشترين الرئيسيين هم المجر وسلوفاكيا والنمسا. لدى البلدين الأوَّلين حكومتان تصطفَّان علنًا لدعم «بوتين» وضدَّ الدَّعم الأوروبي لكييف.
وفي ديسمبر 2019، وقَّع البلدان اللَّذان في حالة حرب الآن اتِّفاقية طويلة الأجل مدَّتها خمس سنوات لمرور الغاز الروسي عبر أوكرانيا. وينتهي الاتِّفاق في نهاية هذا العام، وأعلنت كييف أنَّها لا تنوي تمديده أو التفاوض على عقد جديد. وحتى الآن ظل خط الأنابيب نَشِطًا لأنَّه، على الرَّغم من التصريحات العامَّة، لم تتمكَّن الحكومات الأوروبية من تحرير نفسها تمامًا من الإمدادات الروسية.
ويواصل الاتحاد الأوروبي البحث عن مُوَرِّدين بُدَلاء، بما في ذلك أذربيجان، ولكن مع بقاء أقل من شهرين قبل نهاية العام وانتهاء العقود، لا توجد بدائل محدَّدة لموسكو. وتجري بروكسل (المفوِّضية الأوروبية) محادثات مستمرَّة مع الجانب الروسي لإبقاء الصمَّامات مفتوحة لإدامة التدفُّق الحالي.
في سبتمبر 2022، بعد الأشهر الستة الأولى من الحرب، بدأت شركة التشغيل الأوكرانية "نافتوغاز" (Naftogaz) إجراءات قانونية ضد شركة "غازبروم": فهي تطلب الدَّفع مقابل العبور عبر أوكرانيا.
وتتطلَّع المجر بقيادة رئيس الوزراء «فكتور أوربان» (Viktor Orbàn) إلى الأمام وتستمر في كسر الوحدة الأوروبية: تتفاوض بودابست و"غازبروم" على اتفاقية لمزيد من الإمدادات بدءًا من عام 2025. وأكَّد ذلك وزير الخارجية المجري «بيتر زيجارتو» (Peter Szijjarto)، الثلاثاء، لوكالة الأنباء الروسية "رِيا"، موضِّحًا أنَّه قَطع شوطًا طويلًا في المفاوضات: “لقد وقَّعنا بالفعل اتِّفاقية إضافية للرُّبع الأخير من هذا العام، والتي تُغطِّي كميات إضافية بسعر تنافسي. نحن نتفاوض حاليًا بشأن الاتِّفاق التالي.”
ويسمح العقد الجديد لبودابست بزيادة حجم خط أنابيب "تُرْك ستريم" عبر البحر الأسود. وفي إعلانه عن الاتِّفاق، أكد وزير خارجية بودابست أيضًا أن المجر تعتزم استخدام حق النقض (الفيتو) عندما يتعيَّن على الاتحاد الأوروبي التصويت على حزمة جديدة من العقوبات ضدَّ موسكو. ولا يكفي ذلك، فقد توصَّلت مجموعة الطاقة المجرية “مول” إلى اتِّفاق لتوريد النفط الروسي عبر بيلاروسيا وأوكرانيا. ويأتي نحو ثُلُثي واردات المجر من الغاز من روسيا، في حين تحصل سلوفاكيا على نحو 3 مليارات متر مكعب.
ومن ناحية أخرى، بدأت روسيا في تصميم غَوَّاصات تعمل بالطاقة النووية لتصدير الغاز من القطب الشمالي إلى آسيا، راغبة بالتالي في خفض زمن السَّفر على طول طريق بحر الشمال إلى النصف. وتستخدم موسكو بالفعل كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية لتسهيل عملية الشحن. وينظر الكرملين إلى سواحل القطب الشمالي، من "مورمانسك" في الغرب إلى "مضيق بيرينغ" في الشرق، كبديل أسرع، لكن أسطول موسكو لا يملك عددًا كافيًا من كاسحات الجليد.
في هذا الصدد، قدَّم «ميخائيل كوفالتشوك» (Mikhail Kovalchuk)، المتعاون المقرَّب من الرئيس «فلاديمير بوتين» ومدير "معهد كورشاتوف" للأبحاث النووية، مشروع الغوَّاصة في مؤتمر قطاعي عقد في "سانت بطرسبرغ" في الأيام الأخيرة. ويبلغ طول الغواصات 360 مترًا ولن يتجاوز طول ناقلة الغاز التقليدية. لأنَّ حرب الهيدروكربونات ستكون طويلة والاقتصادات الأوروبية لا تعرف بعد كيف تواجِه تحدِّيات الطَّاقة من خلال تحرير نفسها من "الأعداء".