الإيطالية نيوز، الخميس 24 أكتوبر 2024 - بين المناقشات حول مشروع قانون الموازنة، أي القانون السَّنوي الذي تقرَّر بموجبه بعض التغييرات في موازنة الدَّولة للعام التَّالي، هناك ما يتعلَّق بالعبء الضريبي. السؤال هو: هل ستقوم الحكومة بشكل عام بزيادة أو خفض الضرائب على المواطنين والشركات؟ المعارَضَة تتَّهم الحكومة بزيادة نسبة الضرائب، في حين يقول أعضاء في الحكومة إنَّهم لن يفعلوا ذلك، ويزعمون بالفعل أنَّهم قادرون على تقليصها على الرغم من تعقيد وضع المالية العامَّة.
وفي إيطاليا، فإنَّ "الضَّغط الضريبي" مرتفعُُ تاريخيًا. وهو ليس أمرًا جيِّدًا أو سيِّئًا في حدِّ ذاته، فهو يعتمد كثيرًا على كيفية استخدام الدَّولة للأموال المجمَّعة لتقديم خدماتها. ومع ذلك، فإنَّ اتجاهه يدلُّ على الأولويات الاقتصادية للحكومات القائمة.
وخلال الحملة الانتخابية لعام 2022، قالت الأحزاب الموجودة حاليًا في الحكومة عدَّة مرات إنَّها تريد تقليل العبء الضريبي الإجمالي على الأشخاص والشركات، ولكن يبدو أنَّ الأمور بشكل عام تسير في اتجاه معاكس: اعتبارًا من عام 2023، تزايدت "الضغوط الضريبية"، وعلى الرَّغم من أنَّه من المتوقَّع أن تظلَّ ثابتةً للعام المُقبل في الوثائق الرَّسمية المنشورة مؤخَّرًا، إلَّا أنَّها في الواقع قد تستمرُّ في الزيادة.
ومع ذلك، فإنَّ المناقشة، التي تجري فعلًآ كلَّ عام، يصعب التحقُّق منها بشكل خاص في هذا الوقت: لأنَّ نصَّ مشروع قانون الموازنة والتقارير المرفقة لا يساعدان على توضيح المشكلة جيِّدًا، وفي الوثائق الرَّسمية الأخرى يوجد تناقضُُ ممَّا خلق بعض الارتباك.
توجد قيمتان يجب أخذهما في الاعتبار: إجمالي "الإيرادات الضريبية"، أي مقدار ما تجمعه الدولة بشكل عام، و"العبء الضريبي الفعلي"، والذي يتم حسابه من خلال الأخذ في الاعتبار فقط جزء من الإيرادات، تلك التي يمكن للحكومة أن تعتمد عليها التصرُّف مباشرةً. وبالتالي فإنَّ "الإيرادات الضريبية" تُظهر مقدارَ ما يدفعه الأفراد والشركات فعلًا للدَّولة كل عام؛ ويقيس "الضغط الضريبي" على نطاق واسع الاتِّجاه الذي تسلكُه الحكومة على جبهة الإيرادات، وبالتَّالي فهو مؤشِّرُُ ذو قيمة سياسية أكبر. وفي كلتا الحالتين، فهي مرتبطةُُ بالنَّاتج المحلِّي الإجمالي، أي بحجم الاقتصاد.
يَحدُثُ قياس "العبء الضريبي" باستخدام مجموع ضرائب معيَّنة: "غير مباشرة" (بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك) و"مباشرة" (مثل ضريبة الدخل الشخصي على الدخل)، وضرائب رأس المال (مثل تلك المفروضة على الميراث)، والمساهمات الاجتماعية (مثل تلك التي تُموِّل معاشات التقاعد وإجازات الأبوة). ويحدثُ استبعاد بعض البنود المتبقية من "العبء الضريبي"، مثل ما يُسمَّى بـ"الإيرادات الأخرى" و"المقبوضات الرأسمالية غير الضريبية": وبإضافتها يتم الحصول على قيمة إجمالي الإيرادات.
وبالتَّالي فإنَّ "إجمالي الإيرادات" يكون دائمًا أعلى من "العبء الضريبي"، لكن القيمتين لهما الاتجاه نفسه بشكل أساسي. وكما يتبيَّن من الرَّسم البياني، فقد ارتفع كلاهما منذ الربع الثالث من عام 2023.
تتوقَّف بيانات المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء عند الربع الثاني من هذا العام، ولكن لتقييم قرارات الحكومة نحتاج إلى النظر في توقُّعاتها لأرصدة المالية العامَّة في خطَّة الميزانية: هو ملخَّص لما ورد في مشروع قانون الموازنة الذي أقرَّه مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، والذي تستخدمه المفوِّضية الأوروبية لتقييم مدى اتِّساق قانون الموازنة المقبل مع خطَّة استرداد الموازنة المتَّفق عليها مع المفوِّضية نفُسها.
وفي "وثيقة الميزانية المخطَّط لها" تتوقَّع الحكومة أن تزيد عائدات الضرائب في العام المقبل بنسبة 0.4 نقطة مئوية، من 46.7 إلى 47.1؛ وبدلاً من ذلك، سيظلُّ "الضغط الضريبي" ثابتًا، بعد أن ارتفع من 41.5 في عام 2023 إلى 42.3 هذا العام.
ولا توجد تفاصيل حول سبب حدوث ذلك. "وثيقة الموازنة المبرمَجة" في الواقع لا تشير إلَّا إلى القِيَم التي يُرغَب في تحقيقها في مختلف بنود الموازنة العامة للدَّولة، ولا تعطي سوى بعض المؤشِّرات العامَّة حول التدخُّلات التي أدرجتها الحكومة في قانون الموازنة لتحقيق ذلك. إلَّا أنَّ نصَّ مشروع قانون الموازنة والتقارير المُرفَقة لا يزال يستخدم تصنيفات مختلفة للبيانات، وبالتَّالي لا يوضح الأمر. ومن المحتمل أن تكون جلسات الاستماع التي تعقدها معاهد مثل "المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء"، و"مكتب الميزانية البرلمانية"، و"مصرف إيطاليا"، والتي ستبدأ في 28 أكتوبر، مفيدةً.
ولذلك فمن الصَّعب في الوقت الحالي تحديد ما إذا كانت الحكومة قد زادت الضرائب بالفعل أم لا. فمن ناحية، كان المؤيِّدون له على حق عندما قالوا إنَّ "العبء الضريبي" لن يزيد، في حين أنَّ أولئك الذين يقولون إنَّهم خفَّضوه مُخطئون. وفي معظم الحالات، تستند تصريحاتهم إلى حقيقة أنَّ "مشروع قانون الموازنة" يُخطِّط لإجراء تدخُّلين هيكليين مُهمَّين، لهما قيمة سياسية قوية ولكنَّهما لا يهُمَّان في النهاية سوى فئات محدودة من دافعي الضرائب: تخفيض إسفين الضريبة - وهو إجراء يؤثِّر على رواتب أكثر من 14 مليون موظَّف يصل دخلهم إلى 40 ألف يورو - وضريبة الدخل الشخصي (IRPEF)، أي الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين التي يتم تأكيدها في هيكل المعدلات الثلاثة مع خفض المعدل المتوسط بمقدار نقطتين مئويتين.
وفي الوقت نفسه، فإنَّ أولئك الذين يزعمون أنَّ الحكومة زادت الضرائب هم على حقٍّ أيضًا: في الواقع، قالت الحكومة إنَّها تريد زيادة، من بين أمور أخرى، بعض الرسوم الجمركية، مثل بعض الرسوم المفروضة على الكحول والوقود، وأنَّها تريد زيادة الضرائب على الأرباح المستمدَّة من الاستثمارات في العُمُلات المشفَّرة. وقالوا أيضًا إن الحكومة تريد العمل على نظام الاستقطاعات والخصومات، ما يُسمَّى بلغة النفقات الضريبية والتي هي في الأساس إعفاءت ضريبية: فهي تريد إعادة تشكيل نظام الدخول الأعلى على أساس حجم الأُسرة، وستزيل بعضها، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى زيادة الضرائب على فئات معيَّنة من المواطنين. كما سيحدُثُ زيادة الضرائب على المصارف وشركات التأمين، ولو بشكل مؤقَّت ومع سداد المبالغ المتوقَّعة اعتبارا من عام 2026.
لا يُحدِث دافعو الضرائب الذين يتعيَّن عليهم تقديم إقرار ضريبي في نهاية العام أو الشركات التي يتعيَّن عليها تقديم بيانات مالية فَرْقًا بين "العبء الضريبي" و"إجمالي الإيرادات":أي أنهم يُقيِّمون المبلغ الذي سيدفعونه بشكل عام، والمبلغ الذي سيدفعونه بشكل عام سيزداد، كما يتَّضح من الاتِّجاه في "إجمالي الإيرادات الضريبية".
ومع ذلك، فإنَّ هذا التناقض بين "الضُّغوط الضريبية" و"الإيرادات الضريبية" قد وَلَّد الفضول بين الاقتصاديين، الذين حاولوا فهم أسبابه. وأشار "مرصد الحسابات العامَّة الإيطالية" إلى أنَّ الفارق في اتِّجاه إجمالي الإيرادات والعبء الضريبي - البالغ 0.4 نقطة مئوية من الناتج المحلِّي الإجمالي، أي ما يُعادل نحو 9 مليارات يورو - مُستمَدُُّ بالكامل من الزيادة في بند "الإيرادات الأخرى" من 3.7 إلى 4.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي: فهي بُنْدُُ متبقِّي في الموازنة، ولا يُمكن حتَّى أن يُعزى نموُّها إلى قانون الموازنة هذا، لأنَّها كانت موجودةً بالفعل في بيانات ما يُسمَّى "التشريع الحالي"، أي ماذا سيحدث لموازنة الدولة دون تدخُّلات جديدة . ويَزعم "مرصد الحسابات العامَّة الإيطالي" أنَّه من المستحيل فهم أسباب هذه الزيادة من الوثائق الحكومية، مع غياب واضح وخطير للشفافية الذي استنكره معظم المراقبين منذ أسابيع.
وقد جرى فتح إجراء أوروبي للعجز المُفرِط بالنسبة لإيطاليا، وهو نوع من إجراءت الانتهاك التي تلزمها بخفض العجز بما لا يقل عن 0.5 في المائة من الناتج المحلِّي الإجمالي كل عام. العجز هو ذلك العجز بين إيرادات الدولة ونفقاتها الذي يساهم كل عام في زيادة الدَّيْن العام. يقول "مرصد الحسابات العامة الإيطالية" أنَّه بالنسبة لعام 2025، يتحسَّن العجز بالكامل تقريبًا بسبب بُنْد "الإيرادات الأخرى" الذي يحتوي على 0.4 بالمائة إضافية: وكتب المرصد: “من الغريب إلى حدٍّ ما أن يكون الانخفاض المتوقَّع في العجز لعام 2025 مرتبطًا بالكامل ببُند يتحسَّن لأسباب غير واضحة.”
ثم أشار الخبير الاقتصادي «ريكَّاردو اتريتْسي» (Riccardo Trezzi) إلى التصنيف الإحصائي لِـ "يوروسْتات" (معهد الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي)، وهو التصنيف الذي يجب على الحكومة احترامه عند تجميع "وثيقة الميزانية المبرمَجة": ينصُّ على أنه يجب أيضًا إزالة "البُند D.995" من المَبَالِغ التي تُعتبَر للعبء الضريبي، والتي تحتوي وفقًا لقاموس "يوروستات" على إيرادات غير مؤكًّدة ويصعب تحصيلها، والتي يجب طرحها من الحساب الإجمالي من باب الحذَر.
ويقول «اتريتسي» أيضًا: إنَّه بندُُ نادرًا ما يتمتع بمثل هذه القيمة العالية: بل إن العكس يحدث عادة، حيث يتم التقليل من قيمته لإثبات أنَّه تعتمد على إيرادات أعلى لتمويل الإنفاق العام. وتتمثَّل شكوك «اتريتسي» في إمكانية نقل بعض المبالغ إلى هذا البُند من أجل الحفاظ على "العبء الضريبي" متساويًا. لكنه يقول أيضًا إنه سيتعيَّن علينا انتظار التوضيحات.