ولم يكن التوقيت من قبيل الصُّدفة: فمنذ أشهر كان الحزب الاشتراكي الإسباني (حزب «سانشيز» (PSOE)) في صراع مع "حزب الشعب" (PP)، حزب يمين الوسط الرئيسي الذي يقود المعارضة في الحكومة، مقارنةً بإعادة توزيع ما يقرب من 6 آلاف من القاصرين غير المصحوبين الذين تقطَّعت بهم السبل في "جزر الكناري".
وقد جرى الحديث منذ بعض الوقت عن الصعوبات التي تواجهها جزر الكناري في إدارة وصول المهاجرين من سواحل غرب إفريقيا، وبالأخص من مالي والسنغال. وفي العامين الأخيرين، زاد عددهم بشكل ملحوظ، وفي العام ونصف العام الماضيين استقبلت جزر الكناري - التي تقع على بعد مائة كيلومتر غرب المغرب - نصف جميع القاصرين الأجانب غير المصحوبين الذين يصلون إلى إسبانيا. إنَّهم مهاجرون قاصرون وصلوا من دون البالغين، وتُوفِّر لهم القوانين الأوروبية حماية خاصَّة، بسبب وضعهم الضعيف على وجه التحديد.
ومع ذلك، تفتقر جزر الكناري إلى الهياكل المناسبة للترحيب بهم، وتستضيف المراكز أكثر من ضعف العدد الذي ينبغي أن تستضيفه، ولا توجد أنشطة تدريبية، وهناك نقص في الوسطاء اللغويين، وعدد الموظَّفين غير كاف، وقد أظهرت التحقيقات المختلفة أيضًا عدَّة حالات سوء معاملة حدثت في الهياكل هناك. وقد أصبح هذا الوضع قضية سياسية وطنية، لكن حزب الشعب انسحب مؤخَّرًا من المفاوضات مع الحكومة التي كانت تضغط على المناطق الإسبانية الأخرى لتحمُّل مسؤولية بعض هؤلاء القاصرين.
وأمام البرلمان، دافع «سانشيز»، الذي سيلتقي اليوم الخميس برئيس جزر الكناري «فرناندو كلافيجو باتل» (Fernando Clavijo Batlle)، من بين أمور أخرى، عن أهمية تدفُّقات الهجرة من خلال الاستفادة من الأسباب الاقتصادية ("إنها مرادفة للثروة")، والأسباب الديموغرافية ("من دون، في السنوات المقبلة، سنفقد 30 مليون شخص في سن العمل في أوروبا») وأيضًا تاريخية، قائلين إن إسبانيا كانت منذ فترة طويلة بلدًا للمهاجرين ولا يمكن أن تصبح الآن دولة معادية للأجانب. وقال «سانشيز»: “نحن الإسبان أبناء الهجرة، ولن نصبح آباء كراهية الأجانب.”
وقرأ رئيس الوزراء في القاعة تقرير إحدى الصحف الفنزويلية الصادر عام 1949 والذي روى الظروف الكارثية التي وصل فيها المهاجرون الذين غادروا جزر الكناري إلى فنزويلا: “إسبانيا بلد المهاجرين. وعلينا أن نبدأ دائمًا بتذكُّر هذه الحقيقة. وواجبنا الآن هو أن نكون ذلك المجتمع المرحِّب الذي كان مهاجرونا يرغبون في العثور عليه خارج جبال البيرينيه أو المحيط الأطلسي. هذا هو الدِّين الأخلاقي الذي نُدين به لأسلافنا.”
وأصرَّ «سانشيز» كثيرًا على فكرة أنَّ إسبانيا، مثل كل أوروبا، “يجب أن تختار" بين خيارين محتمَلين: "أن تكون دولة منفتحة ومزدهرة أو دولة مُنغلِقة وفقيرة". واستخدم سلسلة من البيانات لإثبات أن الحُجج المختلفة ضد المهاجرين التي انتشرت على نطاق واسع في أوروبا لا أساس لها من الصحة، وتحدَّث على سبيل المثال عن عدد الأشخاص الذين يعملون بانتظام في إسبانيا وبالتالي يساهمون في نظام الضرائب والضمان الاجتماعي. الهجرة ليست مجرد مسألة إنسانية، وهذا يكفي. إنها ضرورية لاقتصادنا وازدهارنا”.
🇪🇸Sánchez en el Congreso: "Somos hijos de la migración, no vamos a ser padres de la xenofobia"
— Sepa Más (@Sepa_mass) October 9, 2024
El presidente del Gobierno de España, Pedro Sánchez, defendió este miércoles que la acogida de migrantes es una "cuestión de humanidad" y que también es necesaria para la supervivencia… pic.twitter.com/GYRFzgLPLV
وخلال كلمته، أشار رئيس الوزراء أيضًا إلى الحاجة إلى التعايش الجيد بين الثقافات وتوقَّع إطلاق خطة لتحسينه على المستوى الوطني: “من الواضح أنَّ المهاجرين لديهم حقوق، ولكن عليهم واجبات أيضًا. أحدها احترام القيم الدستورية وعاداتنا: حُرِّية التعبير واحترام عمل المؤسَّسات العلمانية وحُرِّية المرأة”. ومرة أخرى: “الأجانب ليسوا أسوأ منا ولا أفضل منا: إنهم نفس الشيء.”
إنَّ الموقف الذي أعرب عنه «سانشيز» بعيد كل البعد عن موقف العديد من الزعماء الأوروبيين الآخرين، بما في ذلك رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجا ميلوني»، التي تقترح بدلا من ذلك الحد من تدفُّقات الهجرة وتبنِّي الكثير من دعايتها على هذا الموضوع. وقد نوقش هذا النهج كثيراً في الأشهر الأخيرة أيضًا فيما يتعلَّق بنمو التوافق بين أحزاب اليمين واليمين المتطرِّف في الاتحاد الأوروبي، وهو ما أكَّدته نتائج الانتخابات الأوروبية في 9 يونيو الماضي ونتائج الانتخابات الأخرى على المستوى الوطني والمحلي.
ويُعدُّ «سانشيز» واحدًا من أكثر قادة الحكومة اليسارية شهرة وتأثيرًا في الاتحاد الأوروبي، ولكن حتى في إسبانيا تواجه أحزاب يسار الوسط صعوبات. ووفقًا لاستطلاع رأي حول نوايا التصويت تم نشره قبل بضعة أيام، فقد نأى حزب الشعب بنفسه عن الاشتراكيين بنحو خمس نقاط مئوية. وفي انتخابات 23 يوليو 2023، كانت المسافة أصغر بكثير: 1.4 نقطة لصالح "حزب الشعب". وبالنظر إلى الكتل، يبدو أن حزبي "حزب الشعب" و"ڤوكس" و"Se Acabó La Fiesta" ("انتهى الحفل"، وهو حزب يميني شعبوي متطرف وعد "بترحيل جماعي" للمهاجرين غير النظاميين في الأراضي الإسبانية) حصلوا على 50 في المائة من الأصوات، في حين أن "حزب العمال الاشتراكي"، و"سومار"، و"بوديموس"، من اليسار ويسار الوسط، توقف عند 38.5 في المائة.
وقد سلَّطت العديد من الصحف الإسبانية الضوء على مدى شجاعة «سانشيز»، لأنَّه لم يكن يريد الموافقة على ما أظهرته بعض استطلاعات الرأي الأخيرة والتي بموجبها أصبحت الهجرة الشغل الشاغل للمواطنين الإسبان.
وفي منتصف سبتمبر، عندما طُرح سؤال على عدد من المواطنين الإسبان: "ما هي، في رأيك، المشكلة الرئيسية الموجودة حاليًا في إسبانيا؟" فأجاب ما يقرب من واحد من كل ثلاثة إسبان (30.4 في المائة) مُحدِّدًا المشكلة في الهجرة، بينما كان الموضوع قبل ثلاثة أشهر فقط مسألة الهجرة المركز التاسع. ومع ذلك، عندما سُئل الأشخاص الذين تمت مقابلتهم عن المشكلات التي تهمهم شخصيًا وليس إسبانيا بشكل عام، تراجعت مشكلة الهجرة إلى المركز الخامس.