الكاتب: حسن أمحاش
الإيطالية نيوز، الإثنين 21 أكتوبر 2024 - إنَّ الجدل الدَّائر حول إدارة مراكز المهاجرين في دولة ألبانيا يُسلِّط الضَّوء مرَّة أخرى على الرَّغبة التي لم تُوضَع جانبًا بالكامل من جانب حزب "افراتيلِّي دِ إيطاليا" (إخوة إيطاليا)، وهي الرغبة في التَّأكيد على أولوية القانون الإيطالي على قانون الاتِّحاد الأوروبي.
وإنَّ قضية المهاجرين الإثني عشر من مصر وبنغلاديش، الذين جرى احتجازهم مؤقَّتًا في المراكز الألبانية ثُمَّ عادوا إلى إيطاليا بعد قرار محكمة روما الطَّاعنةأيضًا في عملية النَّقل، أعادت قضية معالجة وضع المهاجرين غير النظامين خارج التراب الإيطالي إلى مركز الجدل السياسي. في الواقع، من خلال عدم التَّصديق على مرسوم احتجاز المهاجرين الإثني عشر، اِلْتزم قسم الحقوق الشخصية والهجرة في محكمة روما بالحُكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية، المحكمة الرئيسية في الاتِّحاد الأوروبِّي.
والسؤال حاسم فيما يتعلَّق بالمراكز الموجودة في ألبانيا. ووفقًا للبروتوكول المُبرَم بين إيطاليا وألبانيا والذي يُنظِّم عمل هذه الهياكل، يمكن للسلطات الإيطالية نقل المهاجرين إلى هناك باتِّباع إجراء سريع، ما يُسمَّى بإجراء الحدود أو الإعادة إلى الوطن، والذي يَنصُّ على فحص مبسَّط وسريع لطلبات اللجوء مباشرة عند وصول المهاجرين إلى إيطاليا.ل كن هذا الإجراء لا يمكن تطبيقه إلَّا على الأشخاص القادمين من "البلدان المصنَّفة آمنة"، وفقًا لافتراض عام مفاده أن أولئك الذين يهاجرون من منطقة لا يُحرَمون فيها من الحقوق الأساسية، وحيث لا توجد حروب أو ثورات أو اضطهادات عرقية وعنصرية (الاتحاد الأوروبي يصنِّف أنظمة الدول الأجنبية، هل يوجد فيها القمع أو لا، تبعًا المصالحه أو نسبة الطَّاعة)، ليس لديه أي سبب للاعتراف له بحق اللُّجوء.
ولهذا السبب أيضًا، وافق مجلس الوزراء في شهر مايو الماضي على مرسوم بقانون عدَّل مادة من المرسوم التشريعي لعام 2008، ووسَّع قائمة الدول الآمنة الواردة في ذلك النص. وبذلك انتقلت الدول التي اعتبرتها حكومة ميلوني "آمنة" من 16 دولة إلى 22، وبين الدول الستة التي أّضيفت في مايو توجد "بنغلاديش" و"مصر": وهما من البلدان التي كان تدفُّق المهاجرين منها إلى إيطاليا هو الأكبر في السنوات الأخيرة. لكن، محكمة روما اعتبرت أن مصر وبنغلاديش دولتان لم تمتثلا بالكامل لمتطلبات اللضرورية لكي تصبحا من "الدول الآمن" في نظر المحكمة الأوروبية، وبالتالي أنكرت صحة احتجاز المهاجرين المصريين والبنغلاديشيين الإثني عشر في ألبانيا.
واعترض العديد من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم قضاة رفيعو المنصب والمكانة، على قرار نقل المهاجرين النظاميين غير المرغوب فيهم على التراب الإيطالي إلى ألبانيا. ما جعل رئيسة الحكومة الإيطالية، «جورجا ميلوني» تصف معارضتهم بأنها "ضارَّة" واتَّهمت القضاة الذين اتخذوا أبطلوا الترحيل إلى ألبانيا بأنهم يتصرَّفون ضد مصالح البلاد. وتحدَّث وزير العدل «كارلو نورديو» (Carlo Nordio) عن "حُكم غير طبيعي". وبمبادرة من رئيسة الوزراء نفسها، أعلنت الحكومة على الفور عن نيَّتها الموافقة على مرسوم قانون جديد بشأن هذا الموضوع بسرعة: ومن المقرَّر أن تَحدُثَ الموافقة عليه بالفعل في مجلس الوزراء المقرَّر عقده اليوم الإثنين. والهدف من ذلك هو إعادة التأكيد على إمكانية احتجاز جميع المهاجرين من البلدان المُدرَجة في قائمة "البلدان الآمنة" في المراكز الألبانية وبالتالي إخضاعهم لإجراءات الحدود المعجَّلة.
أما فيما يتعلَّق بقائمة الدول الآمنة التي جرى تحديثها في شهر مايو الماضي من قبل مجلس الوزراء، فهي موجودة في مرسوم تشريعي، وهو قانون تنظيمي يَشْبه "مرسوم قانون" ولكن له وزن أقل. وبالتالي، فإنَّ تحويل هذه القائمة إلى "مرسوم تشريعي" من شأنه أن يجعل هذا النَّص أكثر اتِّساقًا. ومع ذلك، ليس من الواضح كيف تنوي الحكومة جعل "مرسوم قانون" مثل هذا أولوية على المعيار الأوروبي: أرى من الصَّعب في الوقت الحالي وضع أي فرضيات، نظراً لعدم توفُّر نص المرسوم. وعلى أيَّة حال، ليس من المؤكَّد أنَّ هذا الحل يكفي للتحايُل على حُكم محكمة العدل الأوروبية أو استبعاد تطبيقه في حالة مراكز اعتقال المهاجرين في ألبانيا.
وبعيدًا عن الحلول المحدَّدة التي ستُقرِّر الحكومة اعتمادها، فإنَّ هذه الفرضية المتمثِّلة في سنِّ قانون جديد للتحايُل على حُكم صادر عن محكمة العدل الأوروبية هي تعبير عن اتِّجاه مُتجذِّر في اليمين السيادي، وبالأخص في حزب "إخوة إيطاليا": على وجه التحديد التأكيد على سيادة القانون الوطني على قانون الاتحاد الأوروبي. إنه اقتراح أكثر إثارة مما قد يبدو: ذلك أن عمل الاتحاد الأوروبي برُمَّته يعتمد في واقع الأمر على أولوية القواعد الأوروبية على القواعد الوطنية، وذلك على وجه التحديد لضمان قدر كبير من التوحيد والتنسيق الفعَّال فيما يتَّصل بالموضوعات الرئيسية.
علاوة على ذلك، فإنَّ الدستور الإيطالي نفسُه يُراعي هذا المبدأ. تنصُّ المادَّة 11 على أن إيطاليا «توافق، على قدم المساواة مع الدول الأخرى، على القيود المفروضة على السيادة اللازمة لنظامٍ يَضمن السلام والعدالة بين الأمم»: لذلك فهو يقول إنَّ القانون الوطني يمكن أن يخضع لقانون الهيئات فوق الوطنية بشرط أن تتنازل الدول الأخرى التي تُشكِّل جزءًا من هذه الهيئات نفسها أيضًا عن جزء من سيادتها بالطريقة نفسها، وهو بالضَّبط المبدأ الذي يقوم عليه الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، تنصُّ المادة 117، المعدلة في عام 2001، على أن "السلطة التشريعية تمارسها الدولة والأقاليم وفقًا للدُّستور، فضلًا عن القيود النَّاجمة عن النِّظام المجتمعي والالتزامات الدولية": لذلك، باختصار، لا يُمكن للمؤسَّسات الوطنية أن تضع قوانين تتعارض مع قواعد ومؤشِّرات الاتِّحاد الأوروبي، سواء كانت مستمدَّة من قوانين أو أحكام تنظيمية، كما هو الحال بالضَّبط مع المهاجرين الذين نناقش وضعَهم القانوني والإنساني هذه الأيام.
إنَّ الجدل حول المهاجرين وحُكم محكمة العدل الأوروبية يُعيد المشكلة نفسها إلى «ميلوني». إنَّها، في رأيي، مسألة حسَّاسة، وليس من قبيل الصُّدفة أن تكون المناقشات بين المستشارين القانونيين لـ "بالاتسو كيدْجي" (مقر رئاسة الوزراء) أمام مجلس الوزراء متوتِّرة إلى حدٍّ ما، ويجب أن تأخذ في الاعتبار التوجُّهات المعروفة لرئيس الجمهورية بشأن الموضوع، وخطر اعتبار أي تجاوز تنظيمي متعارضًا مع الدُّستور من قبل رئيس الدولة.