مريم الشكيلية: ثلاثة فصول على ورق - الإيطالية نيوز

مريم الشكيلية: ثلاثة فصول على ورق

 
👩
مريم الشكيلية/ سلطنة عمان

يالها من سِتِّين  دقيقة عِشتُها كأنَّها حُلمُُ، هل تُصدِّق لم أَتمكَّن من النَّوم ليلة البارحة؟! كُنتُ أعُيد في مخيِّلتي شريط تلك الدقائق بكل تفاصيلها التي عِشتُها، وأنا أَمشي مع دفء شمس الخريف في "شارع المتنبِّي"، أو بالأحرى أُسميه "شارع الورق الأبيض المتوسط،" أو "شارع العطور والعصور"، أو أي إسم ترغب في تسميته: أُعذرني، فأنا لستُ بارعةً في تسمية الأشياء كما تفعل أنت عندما تَنبُسُها وتُطلق فيها الحياة.


صِدقًا لم يغفُ لي جفنُُ حتَّى الساعات الأولى من الفَجر.. كنتُ منفعلةً، ومندهشةً، وفَرِحة جدًّا...كنتُ مرارًا وتكرارًا أستحضرُ تلك السَاعة من ذاكرتي، وكأنَّني أَكتُبها في ورقٍ كنتُ أمسكُ بها خِشيةَ أن يفلت منِّي تفصيل واحد عنها. أردتُ أن أُبقيها في ذاكرتي لثمانين سنة القادمة!


أعتقدُ إنَّني إذا ما غفوتُ قبل أن أُعيد تلك الدقائق وكأنَّني أعيشها ألاف مرَّة فإنَّني أَخشى حقًّا أن تكونَ بمثابة حُلم، وليست واقعًا ... أعلم إنَّك حين تَقرأُ هذه السطور سيُدهشك ما أكتبُ، وكيف أَسهُبُ في وصف ساعة أعتدتَ عليها أنت آلاف المَرَّات. ستقول لي: “إنت امرأة الأحلام والضوء.”


سيّدي، عليك أن تخلد إلى النَّوم؛ حتَّى تتماثل للشفاء تمامًا بعد الوعكة الصحِّية التي ترافقك، وأطاحت بقلمك حتَّى ما إذا وصلتك هذه السطور أن تكون التِرياق الذي يُعيدك إلى أوَّل السطر، ويعيد إليك الحياة برائحة حِبر.


عندما اختطفَك المرض في تلك الأيام الماضية كنتَ كمن أَطفأ قنديل ضوء ومحبرة عن هذا العالم.


هل تصدِّق كنتُ أكتبُ لكَ طوال تلك الفترة بغزارة قلم، ولكن ليس على الورق، وإنما على سراب ورق، ومخيِّلةً، وعلى تلك السحب الفارغة من المطر.


أعلمُ أنَّ هذا الفصل بنكهة الخريف الممتلئ بجيش من الفيروسات التي تتسلَّق أجسادنا، ورغم هذا كنت قد قلقتُ عليك كثيرًا. فها نحنُ جميعًا ننتظر فصل الشِّتاء، حين يأتي تبكي السَّماء، وتغسل غُبار هذه الطفيليات من على مَسامِّنا، وأيضًا هذه السطور.