"إل بوست" الإيطالية: "تأكيد ولاية ثانية للرئيس «تَبُّون» الذي يحكم الجزائر بطريقة استبدادية متوقَّعة" - الإيطالية نيوز

"إل بوست" الإيطالية: "تأكيد ولاية ثانية للرئيس «تَبُّون» الذي يحكم الجزائر بطريقة استبدادية متوقَّعة"

الإيطالية نيوز، الأحد 8 سبتمبر 2024 - يترقُّب المواطنون الجزائريون نتائج الانتخابات الرئاسية اليوم الأحد نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم السبت، حتَّى لو كانت متوقَّعة بطريقة لا لبس فيها، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.


وبين وسائل الإعلام المكتوبة التي تطرَّقت إلى هذه الانتخابات، نجد موقع "إل بوست" الموقع الإيطالي  المهتم بالأخبار الدولية، الذي يرى تأكيد ولاية أخرى للرئيس الحالي «عبد المجيد تَبُّون» ـ الذي جرى انتخابه لأوَّل مرَّة في عام 2019 ـ لا جدال فيها.


وعزى "إل بوست" إبقاء «تبُّون» على عرش الحكم لفترة رئاسية أخرى إلى طريقته "الاستبدادية" في حكم البلاد بدعم من الجيش.  لهذا السبب، قبل التصويت مباشرة، كانت الأحزاب مهتمة بعدد الأشخاص الذين سيذهبون للتصويت أكثر من اهتمامها بالنتيجة: في الساعة الخامسة مساءً، لم يفعل ذلك سوى %26.45 ممن يحق لهم القيام بذلك، ولكن عندما أغلقت صناديق الاقتراع (التي جرى تأجيلها لمدة ساعة، من الساعة 7 مساءً إلى الساعة 8 مساءً) ارتفعت النسبة إلى %48.03. وبالتالي كانت نسبة المشاركة أعلى ممَّا كانت عليه في الانتخابات الأخيرة عام 2019، حيث توقَّفت عند 39.8 بالمئة، وهي الأدنى في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجزائر. وفي السنوات الأخيرة، انخفضت المشاركة في استفتاء دستوري مهم وفي الانتخابات الإدارية والتشريعية بشكل أكبر، حيث وصلت إلى مستوى تاريخي منخفض بنسبة 23 في المائة.


وقال الموقع الإيطالي إن عدم اهتمام السكان بالعملية الانتخابية حتى الآن قد أبطل اعتقاد «تبُّون» بأنَّه رئيس يتمتَّع بدعمٍ شعبي قوي، وأنه الرجل الأنسب الأكثر استحقاقا للدفاع عن الأمة. وتابع الموقع الإيطالي قائلا بأن "خيبة الأمل التي يشعر بها الشعب الجزائري في السنوات الأخيرة تنبع مباشرة من انتخاب «تبُّون»."


وفي عام 2019، كان الأمل في حدوث تغيير واضح في سياسة البلاد قويًا للغاية. وأجبرت سلسلة من الاحتجاجات التي شارك فيها ملايين المواطنين ضد سياسات الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة»، الذي كان يحكم البلاد بشكل مستمر منذ عام 1999، على استقالة هذا الأخير، على الرغم من بلوغه من العمر عتيًا ولم يعد قادرًا على التحرك أو التحدث، كان يتنفس بمشقة، إلى درجة لقَّبه البعض بـ "الرئيس المومياء": خانت أيام حكمه الأخيرة مهزلة بكل المقاييس، تماما كما حدث مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن».


وحدَثَ، عقب الاستغناء عن «بوتفليقة»، أن دعت حركة الحراك المؤيِّدة للديمقراطية، والتي ظهرت خلال الاحتجاجات، إلى تغييرات هيكلية في النظام السياسي الجزائري وإجراء انتخابات حُرَّة.  لكن هذه الطلبات جرى تجاهُلَها: بدعمٍ من الجيش، نظَّمت السُّلُطات في أربعة أشهر انتخابات جديدة جرى فيها قبول خمسة مرشَّحين فقط، وكُلُّهم مرتبطون بطريقة أو بأخرى بالنظام القديم الذي تطوَّر خلال عشرين عاما من حكم بوتفليقة «الاستبدادي».  وخلال شهر الحملة الانتخابية، نُظمت عدة احتجاجات، لكن الجيش قَمَعها بعنف.  ولهذا السبب طلبت أحزاب المعارضة من المواطنين مقاطعة الانتخابات التي لم يشارك فيها سوى عدد قليل جداً.


في النهاية، جرى انتخاب عبد المجيد تبون بنسبة %58 من الأصوات: خلال حملته الانتخابية أشاد باحتجاجات "الحراك"، ووعد بالتغيير، وبعد انتخابه أطلق سراح بعض النشطاء والصحفيين الذين سجنهم الجيش في الأشهر السّابقة، وهذه طقوس تتمسك بها رموز الأنظمة الاستبدادية لإظهار حسن النوايا والرغبة في رفع الظلم وترسيخ الإنصاف والمساواة على قدر الحقوق والواجبات.


يقول «تبُّون»، في أكثر من مناسبة، إنَه حسَّنَ الوضع الاقتصادي للجزائر في ولايته الأولى. ووفقًا للبيانات الحكومية، يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4،2 بالمئة، لكن بعض النشطاء والسياسيين المعارضين، على غرار الصحفي «هشام عبود» و«أنور مالك» - كلاهما يقيمون خارج الجزائر - يُشكِّكون في موثوقية البيانات.  ومن ناحية أخرى، أكد أيضًا مخاوف الناشطين المؤيِّدين للديمقراطية، الذين يحكمون بطريقة استبدادية متزايدة ويعتمدون أكثر فأكثر على دعم الجيش:  في عام 2020، على سبيل المثال، ومن خلال استفتاء لم يحضره سوى عدد قليل من الناس، قام بتعديل الدستور، مما عزَّز سُلُطاته وسُلُطات الجيش.


وقد اتَّسمت هذه السنوات بزيادة مستمرَّة في القمع ضد الناشطين والصحفيين. منذ يونيو 2021، وبسبب تعديل قانون العقوبات، يمكن تصنيف أي عمل يهدف إلى "الوصول إلى السلطة أو [...] تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية" على أنَّه "إرهابي". جرى تضمين العديد من الإجراءات التي قام بها النشطاء المؤيِّدين للديمقراطية المرتبطين بـ "الحِراك" في هذا التعريف، والذين يدعون منذ عام 2019، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء جمعية تأسيسية للانتقال الديمقراطي السلمي.


وفي أعقاب استفتاء 2020، أُلقي القبض على مئات الأشخاص بسبب ما يُسمِّيه معارضو «تبُّون» "جرائم رأي". وقد ظهر القمع أيضًا في عملية اختيار المرشَّحين لهذه الانتخابات الرئاسية: لكي يترشَّح الشخص، كان عليه أن يجمع 600 توقيع من الممثِّلين المنتخَبين و50 ألف توقيع من المواطنين. ولم ينجح إلَّا الزعيم الإسلامي  «حسَّاني شريف عبد العالي» و«يوسف أوشيش»: انقسم الأخرون بين أولئك الذين فشلوا في جمع التوقيعات، وأولئك الذين انسحبوا حتى قبل استكمال عملية الجمع احتجاجًا، وأولئك الذين أبطلت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات توقيعاتهم، بسبب مخالفات مزعومة.


وجرى القبض على عشرات الأشخاص الشهر الماضي بتهمة التزوير الانتخابي، وجرى وضع ثلاثة مرشحين محتملين تحت مراقبة المحكمة أو الإقامة الجبرية بتهمة التشويش خلال فترة الانتخابات، أبرز هؤلاء «علي بلحاج»، وهو ناشط إسلامي ومعارض إسلامي جزائري وواعظ وأحد مؤسِّسي حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". اتُهمت الهيئة الوطنية للانتخابات بالتظاهر بوجود مخالفات لتقليل المنافسة ضد «تبون».

ولذلك طلبت العديد من أحزاب وحركات المعارضة، سواء داخل البلاد أو خارجها،  مرة أخرى من الناخبين مقاطعة التصويت. لكن ليس من بينها "جبهة القوى الاشتراكية" التي غيَّرت توجُّهاتها مقارنة مع السنوات الأخيرة: اختارت في هذه الجولة ترشيح «يوسف أوشيش»، مما أثار بعض الانتقادات لأن هناك خطرًا من أن يؤدِّي ترشيحه، الذي لديه فرصة ضئيلة جدًا للفوز، إلى زيادة إقبال الناخبين وينتهي في النهاية بالنفع على الرئيس الحالي، مما يعطي المزيد من الشرعية للنتيجة.


وقال «أوشيش»، في مقابلة مع صحيفة "لوموند" في نهاية مايو، إنَّه مرشَّح لأنَّ «الجزائريين تخلُّوا اليوم عن العمل السياسي. لقد انتقلنا من التحدِّي إلى الاستقالة، وهذا خطر". وهو بالتَّالي مقتنعُُ بأنه «على الرَّغم من الظروف المشكوك فيها التي ستجري فيها، فإن الانتخابات المقبلة […] توفر الفرصة لاستعادة الفضاء السياسي الديمقراطي» وأنَّ حزبَه يمكن أن يحاول «إعادة تأهيل حُرِّية التعبير والرأي». لكن حملته الانتخابية فشلت في الأشهر الأخيرة في الحصول على الكثير من الدَّعم، وذلك أيضًا بسبب الاعتقاد السائد بأنَّ «تبُّون» سيفوز في أي حال.