الإيطالية نيوز، الأحد 11 أغسطس 2024 - يواصل الجيش الأوكراني التوغُّل في منطقة "كورسك" الروسية في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد على الحدود مع أوكرانيا، منذ الثلاثاء الماضي. وعلى الرَّغم من أنَّ المعلومات حول القتال لا تزال مُجزَّأة، فمن الواضح أن العملية الجارية هي أكبر عملية برِّية يُنفِّذها الجيش الأوكراني على الأراضي الروسية منذ بداية الحرب في فبراير 2022.
ومن غير الواضح إلى أي مدى توغَّلت القوات الأوكرانية في الأراضي الروسية، ولم تقدِّم أوكرانيا معلومات دقيقة. وتأتي المعلومات بشكل رئيسي من ما يُسمَّى بـ "ميل بلوغر" الروس، أي الخبراء والمحلِّلين العسكريين القوميين الذين يعلِّقون ويصفون العمليات الحربية على منصة الرسائل "تلغرام". بعض هؤلاء "المدوِّنين" هم صحفيون مرتجلون، والبعض الأخر جنود أو متحمِّسون عسكريون يذهبون لرؤية ما يحدث في مناطق القتال، ولا يزال أخرون يتبعون الجيش الروسي رسميًا.
ووفقًا لمعلوماتهم، التي يتم تحليلها يوميًا من قبل خُبراء غربيين، فقد توغَّل الجيش الأوكراني حتى 30 كيلومترا داخل الأراضي الروسية. وتُظهر المعلومات الواردة من "ميل بلوغر" وصور الأقمار الصناعية التي عالجها المحلِّلون أنه ابتداءً من يوم السبت، بدأت وتيرة التقدُّم في التباطؤ، وذلك بفضل التعزيزات التي أرسلتها روسيا.
وتتركَّز العمليات بشكل رئيسي حول "سودجا" (Sudzha)، وهي عاصمة إقليمية صغيرة توجد بالقرب منها محطة للطاقة النووية ومركز كبير لخطوط أنابيب الغاز. جرت مشاركة مقطع فيديو على قناة "تلغرام" مؤيِّدة لأوكرانيا، حيث رفع بعض الجنود العلم في "جيفو" (Guevo)، وهو موقع على بعد بضعة كيلومترات من "سودجا"، والذي كان من بين أول المواقع التي جرى الوصول إليها أثناء التوغُّل؛ وتظهر بعض صور الأقمار الصناعية مباني متضرِّرة في وسط المدينة، بينما يظهر مقطع فيديو تحقَّقت منه "بي بي سي" قافلة من الدبَّابات الرُّوسية المتضرِّرة في منطقة "كورسك". وقالت وزارة الدفاع الروسية إنَّ القوات اشتبكت أيضًا بالقرب من مدينتي "تولبينو" و"أوبشي كولوديز"، وكلاهما على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود.
في البداية، أُخذ الجيش الروسي على حين غرَّة، لكن ابتداءً من يوم الجمعة، بدأت الدبَّابات والتعزيزات تصل إلى منطقة "كورسك" لمحاولة وقف التقدُّم الأوكراني. وقالت وزارة الدِّفاع إنَّها استخدمت أيضًا صاروخًا حراريًا، وهو سلاح قوي بشكل خاص وله آثار أكثر تدميرًا من التأثيرات العادية.
كما فرضت هيئة حكومية روسية، الجمعة، نوعًا من حالة الطوارئ تسمح للسلطات المحلية في ثلاث مناطق متاخمة لأوكرانيا ("كورسك" و"بيلغورود" و"بريانسك") باتِّخاذ "إجراء ات لمكافحة الإرهاب" بما في ذلك الحد من تنقُّل الأشخاص، والأمر بنقلهم، ودخول المنازل الخاصة، واعتراض المكالمات الهاتفية. وجرى إجلاء أكثر من 75 ألف شخص من منطقة "كورسك"، بالأخص من المناطق المتاخمة لأوكرانيا، بحسب وكالة الأنباء الروسية، "تاس".
ورغم أنه كان من الواضح أن العمليات في روسيا ينفِّذها الجيش الأوكراني، إلَّا أنَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكَّد ذلك مساء السبت فقط. وقال زيليسنكي في مقطع فيديو إن تصرُّفات الجيش "تجلب الحرب إلى أراضي المعتدي"، أي روسيا، وأنَّ "أوكرانيا تثبت قدرتها على تحقيق العدالة وممارسة النوع الصحيح من الضَّغط على المعتدي".
ولم يُعرَف بعد الغرض من العملية، لكن مسؤولًا في الجيش الأوكراني نقلت "وكالة فرانس برس" قوله إنَّ الهدف هو "زعزعة استقرار" روسيا وإضعاف دفاعاتها "حتى تصبح قادرة على حماية حدودها". وأضاف المسؤول، الذي لم يكشف عن إسمه، أن العملية يشارك فيها آلاف الجنود، وبالتالي أكثر بكثير من تلك التي أبلغ عنها حرس الحدود الروسي في البداية.
باختصار، من الممكن أن ترغب أوكرانيا في إجبار روسيا على نقل بعض القوات المنخرطة حاليًا على جبهة "دونباس" إلى منطقة "كورسك"، حيث تواجه صعوبة كبيرة منذ أشهر. ومع ذلك، ليس من المؤكَّد أنَّ روسيا تنوي بالفعل تحويل قوَّاتها، وعلى أي حال ستكون هذه عملية تستغرق وقتًا. ويعتقد العديد من المحلِّلين أنَّ هذه الخطوة لن تكون ذات فائدة تُذكَر على المدى الطويل بالنسبة لأوكرانيا، لأنَّها تتطلَّب توظيف وربَّما التضحية بقوات جديدة (مئات الجنود الذين دخلوا منطقة "كورسك") لمجرد الحصول على راحة مؤقَّتة في الجبهة.
فرضية أخرى هي أنَّ أوكرانيا حدَّدت بالفعل بعض الأهداف العسكرية التي يجب تحقيقها في هذا التوغُّل. تُعتبر منطقة "كورسك" مهمة للغاية بالنسبة للخدمات اللوجستية العسكرية الروسية، وكما ذكرنا، تستضيف مدينة "سودزا" مركزًا مهمًا لخطوط أنابيب الغاز التي لا تزال تغذي جزءًا من احتياجات أوروبا الوسطى من الطاقة. ومرة أخرى، لا يبدو أن أيًّا من هذه الأهداف يضمن فوائد طويلة الأمد لأوكرانيا.