وبين تلك الاختبارات الـ 969، حدث إجراء 456 منها في موقع "سيميبالاتينسك" للتجارب النووية، مما أدَّى إلى تعريض ما يقدر بنحو 500 ألف إلى 1.5 مليون شخص للإشعاع. على مر العقود، تسبَّبت هذه الأمراض في أمراض وتشوهات ووفيات، ولم تتم دراستها قط حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي الواقع كانت في الغالب مخفية وغير معترَف بها. واليوم ينتمي الموقع الذرِّي إلى كازاخستان، والمساحة التي تزيد مساحتها عن 18 ألف كيلومتر مربَّع، ومُعظمها من السهوب، ليست مسيَّجة ولا يزال الوصول إليها متاحًا. لكنها أيضًا شديدة الإشعاع، بعد أكثر من ثلاثين عامًا من الاختبار الأخير.
بدأ البرنامج النووي السوفييتي رسميًا في عام 1941، وعهد به إلى عالم الفيزياء النووية إيغور فاسيليفيتش كورشاتوف (Igor Vasilyevich Kurchatov)، وأشرف عليه على المستوى السياسي، منذ عام 1942، لافرينتي بافلوفيتش بيريا (Lavrentij Pavlovic Beria)، أحد أقرب المتعاونين مع جوزيب استالين (Josip Stalin). لم يحدث تمويل البرنامج بشكل خاص حتى عام 1945: في ذلك العام، في أعقاب إسقاط القنبلتين الذريتين الأمريكيتين على "هيروشيما" و"ناغازاكي"، فرضَ استالين تسريعًا حاسمًا من أجل الحصول على "السلاح الخارق" في أسرع وقت ممكن. لقد اعتمد على تعاون العلماء الألمان الذين خدموا سابقًا في خدمة النظام النازي واستخدم التجسُّس على نطاق واسع، وحصل على معلومات من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة.
لسنوات عديدة كانت المشكلة الرئيسية هي العثور على اليورانيوم الخام، لدرجة أنَّ أوَّل مُفاعل بحثي يعمل باليورانيوم القادم من الاحتياطيات في ألمانيا ودول أوروبا الشرقية. وعندما اقتربت القنبلة أخيرًا من التصنيع، جرى تحديد الموقع في كازاخستان، على بعد نحو 150 كيلومترًا غرب "سيميبالاتينسك"، تُسمَّى اليوم "سيماي" (Semej)، على أنه مناسب للاختبار. وكانت منطقة من السهوب، وصفها النظام السوفييتي بأنَّها "غير مأهولة"، على الرَّغم من أنَّ عشرات الآلاف من الناس يعيشون في المدن والبلدات الصغيرة المجاورة. جرى إسناد أعمال بناء المعامل والسكك الحديدية التي تربطها بالموقع المحدَّد للاختبار إلى السجناء في الغالب.
منذ بداية شهر أغسطس، بدأت التدريبات العامة للتأكُّد من أنَّ الجميع يَعرفون ما يجب عليهم فعله: ولهذا ولبعض الاختبارات اللَّاحقة، جرى بناء منازل وجسر ومحطة مترو وهمية في المنطقة المحيطة بالانفجار، وذلك لتقييم آثار القنبلة: كما تمركزت الدبَّابات وقذائف الهاون والطائرات الحربية على مسافات مختلفة. ووفقًا لموقع "بارالِّيلو تْزيرو"، جرى استخدام الحيوانات أيضًا لتقييم التأثيرات على الكائنات الحية.
وقَعَ نَقْلُ القنبلة المسماة "RDS-1" أو "Pervaya Molniya"، إلى الموقع المحدَّد في الساعة 2 صباحًا يوم 29 أغسطس وجرى تفجيرها بعد بضع ساعات: لقد كانت قنبلة انشطارية من "البلوتونيوم" وكانت قادرة على إطلاق طاقة قدرها 20 كيلو طن (أي تلك التي تم إطلاقها بواسطة 20 ألف طن من مادة "تي إن تي" (ثلاثي نترو التولوين)). كان «كورشاتوف» و«بيريا» حاضرين، واعتُبرت التجربة ناجحةً وكانت التأثيرات أكبر من توقُّعات العلماء، لدرجة أنَّه لم يَحدثْ إخلاء جميع المدن في المنطقة المحيطة بالطريقة المناسبة: في الواقع، جرى أخذ الضرر المحلِّي النَّاجم عن الانفجار في الاعتبار أكثر من الضرر الناجم عن الإشعاع حتَّى على مسافات بعيدة.
ظلَّت العملية سرِّية، لكن الولايات المتحدة كانت تراقب أي تَقدُّم سوفياتي في البرنامج الذرِّي لسنوات، واستخدمت طائرات، تُستخدم رسميًا لدراسات الأرصاد الجوية، مجهَّزة للتعرُّف على الزيادة في الإشعاع. في 3 سبتمبر، اكتشفت طائرة الرَّصد، التي كانت مسافرة من اليابان إلى "ألاسكا"، زيادة في النشاط الإشعاعي بما يتّوافق مع الاختبار. وبعد مزيد من التحقيقات، أعلن الرئيس الأمريكي «هارّي تْرومان» (Harry Truman) رسميًا، في 23 سبتمبر، أن لديه "أدلَّة" على حدوث انفجار ذَرِّي في مناطق يسيطر عليها الاتحاد السوفيتي: أطلق الأمريكيون على القنبلة إسم "Joe-1"، في إشارة إلى «جوزيب ستالين».
دفع التقدُّم السوفييتي الولايات المتحدة إلى تطوير "القنبلة الهيدروجينية" بسرعة أكبر، وهي جهاز اندماج نووي. ومع ذلك، مرَّ عامان قبل أن يدعم الاتحاد السوفييتي إجراء اختبار جديد، مرَّة أخرى في "سيميبالاتينسك" وهذه المرة بقُنبلة انشطارية من اليورانيوم. منذ ذلك الحين، جرى بناء مدينة "سميت كورشاتوف" تكريمًا للفيزيائي، وأربعة مناطق اختبار رئيسية ومفاعلين للأبحاث في المنطقة.
وحتَّى عام 1963 وقعَ إجراء 116 تجربة جوية، أي بتفجير القنابل في الهواء الطلق. وبعد توقيع معاهدة مع الولايات المتحدة للحد من التجارب، أُجرِيَت بدلاً من ذلك تحت الأرض، في الأنفاق والآبار. وفي "سيميبالاتينسك"، اختُبر الاتحاد السوفييتي أيضًا الاستخدام "السلمي" للتفجيرات النووية: كانت الفكرة هي استخدامها لإنشاء بُحيرات صناعية أو لحفر المناجم أو في بناء البِنى التحتية الكبيرة.
واستمرَّت التجارب حتَّى عام 1989. وبعد تَفكُّك الاتحاد السوفييتي عام 1991، هجر الروس المختبَرات والمنطقة، وأخذوا الوثائق والمشاريع ولم يتركوا سوى القليل من المعلومات حتَّى عن المواد المشعة التي لا تزال موجودة في الأنفاق والممرات. وفي العام نفسه، أغلقت كازاخستان الموقعَ، لكنَّها لم تفعل الكثير لعَزْلِه أو تنظيفه: بدلاً من ذلك، بدأت دراسات التأثيرات على السكَّان المحلِّيين، والتي كشفت على الفور عن معدل إصابة بالأورام أعلى بكثير من متوسِّط البلاد، والذي يستمرُّ حتَّى بعد مرور ثلاثين عامًا.
واستغلَّت الحكومة الكازاخية، بَدْءًا من نهاية التسعينيات وحتى عام 2012، تعاون الولايات المتحدة لإغلاق أكثر من 180 نَفَقًا و13 بِئْرًا تستخدم للاختبار واستعادة وتأمين كمية كبيرة من "البلوتونيوم" الذي لا يزال موجودًا في الموقع.