العائلة الكاثوليكية هي أكثر من "مليار وثلاثمائة وخمسون مليون"، حيث يتشكّل الجسم الكاثوليكي من "اللاتين"، وهي تُمثِّل أكبر الطوائف الكاثوليكية، ويبلغ عددهم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون، أما الباقون، فهم بحدود خمسون مليوناً، ويتألَّفون من مسيحيي الشرق، لذا نُسمِّي كنائسهم بالكنائس الشرقية. الثلث منهم تقريبًا "بحدود 15 – 20" من الموارنة، وهي أكبر طائفة "كاثوليكية شرقية".
ينتسب الموارنة إلى "مارون الناسك"، ويُشتَقُّ إسم "الموارنة"، من إسم "دير مار مارون"، الذي أُنشىءَ في منتصف القرن الخامس الميلادي، بالقرب من مدينة "أفاميا" (قلعة المضيق)، عاصمة ما كان يُعرف في ذلك الحين بـ "سورية الثانية". ويُعتبر هذا الدِّير، مهد الكنيسة المارونية، وكان أوَّل بطريرك لهم عام "685"، هو القديس يوحَنَّا مارون. دَرَجَت القوانين لديهم بأن يتَّخذ كل بطريرك إسم الرَّسول "بُطرس"، فأصبح إسم البطريرك الحالي «مار بشارة بطرس الراعي»، أمَّا كلمة "مار"، فهي سريانية، تعني "السيِّد". انتقل "المارونيون" إلى لبنان فِرارًا من التضييق عليهم، فاستقرَّوا في المناطق الجبلية وفي المرتفعات، حيث بنوا العديد الأدْيِرة، التي كان أهمُّها "دير قنوبين".
ويذكر التاريخ، أن السلطان المملوكي «الظاهر برقوق» وُجد يومًا مُتَدروِشًا ومتخفّيًا، فاستقبله رهبان "دير قنوبين" من المارونيين وأحسنوا إليه، فأُعجب بسيرة الرهبان الطيِّبين، ومَنحه الدير براءة على صفيحة من نحاس، يُعفيه، بموجبها، من دفع الأموال الأميرية، ويُعطيه التقدُّم على ما يُحيط به من أديرة.
وتعاقبت الأيَّام حتَّى الفترة العثمانية، حيث عانَت مُجمل الشعوب غير التركية، من الكثير من التهميش والتضييق وإنكار الحقوق. على سبيل المثال، كان يتوجَّب على كل رئيس طائفة مسيحية الحصول على "فرمان" تنصيبه، إلا المارونيين، فهم وحدهم بين جميع الطوائف لم يلتمسوا "فرمان تنصيبهم من الدولة العثمانية. علاوة على ذلك، رفضوا الاعتراف بالسيادة العثمانية.
منذ العام 1774، وعلى أثر معاهدة "كوجوك قينارجة"، راحت موسكو تُعلن نفسَها حاميةُُ لكل المسيحيين الأرثوذكس في الامبراطورية العثمانية. بينما فرنسا، واستنادا الى "امتيازات" العام 1740، ذهبت أيضاً لتطالب بأن تكون حاميةً ليس فقط للكاثوليك "اللاتين"، بل أيضاً للكاثوليك الشرقيين. وأصبح هؤلاء وسطاء أساسيين بين الشرق والغرب، لا سيّما في يتعلّق بالقطاع التجاري.
وحاول الأتراك أن يضعوا اليد على لبنان، ثم قَسّموه إلى قائمقاميتين واحدة "مارونية" وأخرى "دُرْزِية"، وزرعوا الفتنة بين الفئتين، فكانت الإضطرابات العنيفة عامي 1841 و 1845، وصولًا إلى مذابح عام 1860، التي ذهب ضحيتها الآلاف من المارونيين والروم الكاثوليك في لبنان، وحتَّى في دمشق. فظهرت فرنسا بقوة، واستحصلت لِلُبنان على نظام 6 أيلول 1864 "المتصرفية"، الذي حافظ على وحدة لبنان، تحت إدارة حاكم مسيحي غير لبناني، له صلاحيات واسعة، يعينه الباب العالي.
وقَّع لبنان بعد الحرب العالمية الأولى وِفق تقسيم "سايكس - بيكو"، تحت سيطرة فرنسا، التي كانت ترى أن المارونيين وحدهم، بين أهالي المناطق الخاضعة لانتدابهم، هم الفريق الذي يعرف تمامًا ما يريد. ولذا أبدى الفرنسيون الاستعداد الكامل للتجاوب مع مطالبهم، وليس مع مطالب غيرهم. فكانت الحماية الفرنسية للبنان من خلال السيطرة عليها عسكريًا، هو تتمة لحمايتهم في أواخر الفترة العثمانية.
بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي اختتم أعماله عام 1965، ظهرت ضرورة تعامل الفاتيكان مع الكنائس الشرقية الكاثوليكية من خلال منظَّمات ومجالس، فكان مجلس بطاركة وأساقفة الشرق الكاثوليك، ويرأسه دائمًا بطريرك ماروني، لعدة اعتبارات منها: لأن المارونيين يشكّلون ثلث المسيحيين الكاثوليك الشرقين، إلى درجه أن قداسة البابا قام بمنحهم لقب "الكاردينال" لكل بطريرك منهم بعد المجمع الفاتيكاني الثاني" ليصبح رئيسهم ناخبًا، أي يحقُّ له أن ينتخب البابا في حال شغور الكرسي، وهو أمر لا يستطيعه غير "الكرادلة"، كما أنه لم يتم منحه، إلا لقلَّة من البطاركة الكاثوليك الشرقيين، ولكن ليس بشكلٍ مستمرٍّ.
كان الفاتيكان يُصرّ على أن للمسيحيين دور– أسماه رسالة – في المحيط العربي، ولما كان للمارونيين التفوُّق العددي على كل الطوائف الكاثوليكية الشرقية، كان مهمًّا للرأس أن يكون وفق توجُّهات الكنيسة الجامعة وليس العكس، فكان للفاتيكان رأيًا واضحًا هو أنه لا مُستقبَل للمسيحيين – الكاثوليك على الأقل – ولا للمارونيين خارج الدولة، ولا مُتنفَّس لهم إذا أداروا الظهر للمحيط العربي الذي ينتمون إليه. لكي تتعامل مع المسيحيين الكاثوليك الشرقيين في المنطقة العربية بطريقة سليمة، يلزم أن تكون لديك علاقات صادقة ومتينة مع المجمتع الماورني.