الإيطالية نيوز، الإثنين 19 أغسطس 2024 - في "كَالْتانيسيتَّا"، بإقليم صقلية (جنوب إيطاليا)، طلب عمدة المدينة من أولئك الذين لديهم بئر أن يتقاسموا المياه مع السكان الأخرين. ولأكثر من شهر، في بعض الأماكن في محافظة "اكييتي"، في "أبروتسو"، يصطفُّ السكان كل يوم حاملين "الجراكن" و"الدِّلاء" لتزويدهم بالمياه من الصهاريج التي تمرُّ لتزويدهم بالمياه. وفي إقليم "سَرْدينيا"، قامت العديد من الفنادق في أشهر منتجعات "كوسْتا زْميرالدا" السياحية بتجهيز نفسها بصهاريج خاصة حتَّى لا يُترَك السائحون من دون ماء.
توجد العديد من المناطق الإيطالية، بالأخص في الوسط والجنوب، التي تجد نفسها في الأسابيع الأخيرة تواجه عواقب أزمة مياه خطيرة، بين الأسوأ في السنوات الأخيرة: هذا الجفاف هو نتيجة لانخفاض هطول الأمطار إلى جانب عدم الكفاءة الهيكلية التاريخية في بعض المناطق، سواء في إدارة احتياطيات المياه أو في توزيعها في شبكة قديمة ومتهالكة.
وكانت العواقب خطيرة بشكل خاص في أقاليم "صقلية" و"أبروتسو" و"سردينيا" و"بوليا"، التي تدير حالة الطوارئ بشكل مستقل، وبتنسيق جزئي فقط من قبل الحكومة: يتعامل المفوِّض الاستثنائي لإدارة ظاهرة الجفاف، نيكولا دال أكوا (Nicola Dall’Acqua)، الذي تم تعيينه في مايو من العام الماضي، بشكل رئيسي مع المشاريع طويلة الأجل.
وفي تحليل طويل نُشر في صحيفة "إلْ_فولْيو" يوم الإثنين، أدرج جوليو بوكاليتِّي (Giulio Boccaletti)، الخبير في سلامة الموارد الطبيعية، بعض الأسباب التي تساهم في أزمة المياه في إيطاليا: إن ندرة هطول الأمطار ليست سوى أحد العوامل المختلفة، ويجب على نظام إدارة المياه بدلاً من ذلك أن يضمن إمدادات ثابتة حتى عندما تقلُّ الأمطار، وذلك بفضل نظام فعال للاحتياطيات وأحواض المياه. ويحدث هذا جزئيًا فقط في إيطاليا، وسوف يتطلَّب الأمر استثمارات ضخمة لإصلاح البنية الأساسية القديمة وغير الكافية، والتي يجب أن تتكيَّف مع مناخ من شأنه أن يفرض المزيد والمزيد من المشاكل من هذا النوع.
تُعتبر التسربات على طول الشبكة قضية بالغة الأهمِّية: حتَّى لو لم تكن السبب الرئيسي لندرة المياه، فإنَّ حقيقة فقدان كمية كبيرة من المياه كل يوم من شبكة التوزيع تساهم في جعل كل أزمة مياه أكثر خطورة، وكذلك الأسباب خسائر اقتصادية كبيرة.
شبكة التوزيع قديمة وتتعرض لأعطال متكررة وتسريبات مستمرة: وفقًا لأحدث بيانات "إستات"، يتم فقدان نحو 40 بالمائة من المياه في المتوسِّط في إيطاليا يوميًا أثناء الإمداد، مع عدم تجانس كبير بين المناطق. أما الأقاليم ذات الشبكة الأضعف فهي "بازيليكاتا" و"أبروتسو" و"موليزي"، حيث يحدثُ فقدان نحو 60 بالمائة من المياه الموزعة؛ أما تلك التي تتمتع بشبكة أفضل فهي محافظة "بولزانو" وإقليمي "إيميليا رومانيا" و"فالِّي داوستا" المتمتِّعة بالحكم الذاتي، حيث تقتصر الخسائر على 25 في المائة.
وبسبب أزمة المياه المستمرَّة، تُعدُّ صقلية الإقليم الأسوأ حالا، حيث استمر نقص المياه لمدة عام ونصف تقريبا. إنَّها منطقة معتادة على التعامل مع فترات الجفاف، لكن هذه الفترة أصبحت طويلة جدًا بحيث لا يمكن تحملها. بصرف النظر عن بعض الأمطار غير المهمَّة، لم تكن هناك أمطار منتظمة في صقلية لبعض الوقت، وكانت عواقب نقص المياه واضحة: فالبحيرات الاصطناعية فارغة، والعديد من الأنهار جافة، والمزارعون غير قادرين على ري حقولهم.
في شهر مارس، أعلنت إدارة إقليم صقلية حالة الطوارئ حتى 31 ديسمبر من هذا العام (وهو شرط خاص يسمح لك بتخطي الإجراءات البيروقراطية المختلفة وبالتَّالي الحصول على الأموال واستخدامها بسرعة أكبر)؛ وقد بدأ تقنين مياه الشرب منذ شهر يناير، ممَّا أثَّر في الأسابيع الأخيرة على إثنين من سكَّان المنطقة البالغ عددهم 5 ملايين نسمة.
الوضع صعب بشكل خاص في غرب وجنوب جزيرة صقلية: في "أَغريجنتو"، كما هو الحال في العديد من البلديات الأخرى، يتم توزيع المياه بالصهاريج كل 15 يومًا. ومع ذلك، فإنَّ هذا الحل يسبِّب بعض المشاكل وفقًا للعديد من الجمعيات المحلية، لذلك يتكهَّن الموزِّعون بحالة الطوارئ بتعريفات غير متناسبة. ولمحاولة تصحيح الوضع في المحافظة على وجه التحديد، طلب الإقليم في بداية الشهر من البحرية ناقلة لتزويد الإقليم بها: ومع ذلك، ثَبُت أنَّ الخدمة باهظة الثمن وقرَّر أخيرًا تعليقها.
وفي "كالتانيسيتَّا"، حيث انقطعت المياه في بعض المناطق لمدة شهرين تقريبًا، طلب رئيس البلدية والتر تيساورو (Walter Tesauro) من الأشخاص الذين لديهم بئر أن يجعلوها متاحة للأخرين. يقوم رؤساء البلديات في مختلف البلديات بترتيب عمليات حفر مرتجلة للبحث عن آبار جديدة، وبالتالي مصادر جديدة للمياه.
الطرق المعتادة لإدارة الجفاف غير فعَّالة: عادة ما يحدثُ تقديم مساهمة كبيرة عن طريق الخَزَّانات الاصطناعية، أي أحواض المياه التي يتم إنشاؤها من بين أشياء أخرى لتكون احتياطيًا في حالة النُدرة. لكن قلة الأمطار والحرارة تسبَّبتا في انخفاض منسوب المياه: في الوقت الحالي، لم تعد هناك مياه صالحة للاستخدام في ستة من أصل 29 حوضًا. ويقوم الإقليم أيضًا بتقييم ما إذا كان من المناسب نقل الحيوانات السمكية الموجودة في الخَزَّانات ذات المستويات المنخفضة إلى مكان أخر وحيث يوجد خطر حقيقي لنفوق الأسماك، الأمر الذي قد يجعل المياه غير صالحة للاستخدام لأغراض الشُرب.
ومن بين الحلول طويلة الأمد، يفكر الإقليم الصقلي في إعادة تفعيل محطات تحلية المياه، وهي محطات تأخذ المياه المالحة من البحر وتصفيها وتحصل على المياه العذبة التي تغذي شبكة المياه، لكن إدارتها مكلفة للغاية.
يتفاقم غياب المطر لفترة طويلة في صقلية بسبب مشاكل البنية التحتية التاريخية: يفقد أكثر من 50 بالمائة من المياه التي يتم إدخالها إلى شبكات المياه في المنطقة بسبب سوء الصيانة. كما غطَّت الصحافة الدولية الجفاف في صقلية، ولا سيما صحيفة "نيويورك تايمز"، التي تحدَّثت في مقال بتاريخ 24 يوليو عن الخوف من أنه بالإضافة إلى التسبب في خسائر زراعية فادحة، فإنَّ نقص المياه سيُضرُّ أيضًا بإيرادات قطاع السياحة.
توجد أيضًا مشاكل كبيرة في "أبروتسو"، الذي يواجه عواقب أخطر أزمة مياه خلال العشرين عامًا الماضية. المشاكل هنا هيكلية بشكل رئيسي: فالأحواض غير فعَّالة، والشبكة الآن متهالكة. ويعدُّ إقليم "أَبروتسو" المنطقة الثانية في إيطاليا التي تعاني من خسائر في التوزيع، وفي بعض البلديات تتجاوز الخسائر 70 بالمائة من إمدادات المياه. وفي الشهر الماضي، أصبح الوضع حرجًا أيضًا بسبب الظروف المناخية وقلة هطول الأمطار، ولكن الانقطاعات متكرِّرة حتَّى في الفترات العادية التي لا تشهد جفافًا. وطالب المجلس الإقليمي الحكومة بتفعيل حالة الطوارئ.
وتزداد الأزمة خطورة بشكل خاص في محافظتي "اكييتي" و"بيسكارا"، حيث تتفاقم المضايقات أيضًا بسبب الموسم السياحي الذي يزيد الحاجة إلى المياه. ووفقًا لشركة "سازي"، الشركة التي تدير شبكة المياه في محافظة "اكييتي"، فإنَّ معدَّل تدفُّق المصدر المحلي أقل بنسبة 30 في المائة من المتوسِّط الموسمي وأقل بنحو 40 في المائة من المتطلَّبات. والتوقعات للأسابيع القليلة المقبلة أسوأ من ذلك، مع هطول أمطار قليلة ودرجات حرارة أعلى من المعتاد.
على مدى أسابيع، خضع سكان عشرات البلديات إلى تقنين المياه الجارية: حيث تكون جيدة، فهي متاحة فقط خلال النهار، وحيثما تكون سيئة فقط في الصباح، حتى الساعة الواحدة بعد الظهر. في بعض البلديات مثل "سان ابوُنو" و"جيسّي" و"مونتودوريزيو"، حول مدينة "ڤاسْتو" الساحلية، في محافظة "اكييتي"، يصطف السكان حاملين الدِّلاء والأحواض لجمع المياه ونقلها إلى منازلهم. حتَّى أنَّ بعض البلديات قامت بتوفير خَزَّانات تحتوي على مياه غير صالحة للشرب، والتي يمكن سحبها فقط لأغراض النظافة الشخصية والتنظيف.
علاوة على ذلك، توجد أيضًا مشاكل في إقليم "أومبريا"، حيث جرى منع استخدام مياه الشرب في مختلف البلديات للأنشطة غير الأساسية، مثل تنظيف الشوارع والأزقة أو سقي الحدائق.
إقليم "سردينيا" هو الأخر حيث توجد مشاكل كبيرة في إمدادات المياه. وهذا على الرغم من حقيقة أنه كان لديه منذ سنوات نموذج يعتبر من بين أفضل النماذج في إدارة المياه، والذي ترغب العديد من المناطق الأخرى في تقليده: يعتمد ثلثا الإمدادات على كفاءة الخزانات الاصطناعية، تحت سيطرة سلطة واحدة لها قرارات مركزية في الإدارة والصيانة والاستثمار.
والمشكلة هي أن نقص الأمطار أدى أيضًا إلى وضع نموذج "سردينيا" في أزمة: فقد أصبحت الخَزَّانات أقل امتلاءً كثيراً مقارنة بالسنوات السابقة، كما بدأ تقنين الإمدادات في العديد من المناطق منذ شهر مايو. المناطق الأكثر تضرُّرًا هي المناطق الشرقية، من المناطق النائية إلى الساحل، حيث يكون الطلب مرتفعًا جداً أيضًا بسبب التدفُّق المعتاد للسُيَّاح في هذه الفترة من العام. وفي نهاية يوليو، أعلنت المنطقة حالة الطوارئ.
كان لأزمة المياه في إقليم "بوليا" تأثيرات خاصة على القطاع الزراعي، في حين أن إمدادات مياه الشرب للسكان والمرافق السياحية لم تكن محدودة. وقد تطلَّب انخفاض هطول الأمطار استخدامًا أكثر تكرارًا لري الحقول والمحاصيل، وطلب الإقليم الحد من استهلاك المياه، خاصة بسبب انخفاض مستوى الخزَّانات والسدود التي يستخدمها المزارعون المحليون. وجرى إغلاق سد "أوكيتو"، الواقع على الحدود بين إقليمي "بوليا" و"بازيليكاتا" ونقطة إمدادات المياه الرئيسية للمزارع المحيطة في "فودجا"، لضمان توفير المياه المتبقية للاستخدام للشرب. طلبت إدارة الإقليم من الحكومة مبلغ 307 ملايين يورو من صناديق التماسك الأوروبي لتنفيذ تدخلات في قطاع المياه.
وفي الجنوب، توجد أيضًا مشاكل كبيرة في إقليم "كالابريا"، حيث وصل ضغط المياه في بعض البلديات إلى أدنى مستوياته، وانقطعت الإمدادات في بعض الحالات. وقد طلبت إدارة هذا الإقليم تفعيل حالة الطوارئ.