بفضل الضغوط التي مارسها «سموتريتش» وغيره من المُتطرِّفين اليهود، زادت حكومة «بنيامين نتنياهو» الإسرائيلية بشكل كبير من تشريع وموافَقَة وبناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية، بهدف واضح هو جعل إنشاء دولة فلسطينية واحدة مستحيلًا.
«سموتريش» هو زعيم الحزب الصهيوني الدِّيني، وهو حزب راديكالي صغير لديه سبعة مقاعد فقط في البرلمان الإسرائيلي ولكنَّه ضروري للحفاظ على حكومة «نتنياهو» الهشَّة. يستخدم «سموتريش» بمهارة القوانين والإجراءت البيروقراطية القائمة لزيادة السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير القانونية وتنفيذ ما وصفه هو نفسه بـ "الانتصار من خلال المستوطنات"، أي الضَّم الفعلي للضفة الغربية إلى إسرائيل والذي لا يمرُّ عبر القنوات الدبلوماسية ولكن من خلال سيطرة واسعة النطاق على الأراضي.
الضفة الغربية أرض تُعتبر في نظر المجتمع الدولي ملكًا للفلسطينيين، وينبغي لها أن تُشكِّل مع قطاع غزَّة الأساس للدولة الفلسطينية المستقبلية. وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ الضفة الغربية تخضع إلى حد كبير لسيطرة إسرائيل وتخضع لنظام تشريعي منفصل عن إسرائيل. والمستعمرات هي مستوطنات سكنية بناها الإسرائيليون على مدى عقود بهدف الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية. لقد شجَّعت إسرائيل ووافقت جُزئيًا على بناء المستوطنات، على الرَّغم من أنَّها تميَّز بين المستوطنات القانونية، التي بُنيت بموافقة الدولة، والمستعمرات غير القانونية، أي التي بُنيت بمبادرة من الجماعات الإسرائيلية المتطرِّفة في كثير من الأحيان.
بالنسبة للغالبية العظمى من المجتمع الدولي، فإنَّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية. وعلى الرَّغم من أنَّ المصطلح قد يجعل المرء يفكِّر في المستوطنات المؤقَّتة، إلَّا أنَّ المستعمرات هي في الواقع مُدن صغيرة، بها مباني من الطوب وبنية تحتية وحدائق. وحتَّى تلك غير القانونية غالبًا ما تكون مجهزة بجميع البنية التحتية، مثل المياه الجارية والكهرباء، والتي يتم توفيرها من دون اعتراضات كبيرة من قبل الدولة الإسرائيلية.
وكان «بنيامين نتنياهو»، الذي حكم إسرائيل في مراحل مختلفة منذ عام 1996 لمدة 16 عاما، يؤيِّد دائما المستوطنات وتوسيعها، وهو ما ساهم فيه بنشاط. لكن في أواخر عام 2023، أصبح «نتنياهو» رئيسًا لوزراء الحكومة الأكثر يمينية متطرفة في تاريخ البلاد، والتي تعتمد أغلبيتها على دعم الأحزاب الأرثوذكسية المتطرِّفة والقومية والمتطرِّفة. وقد حصل بعض السياسيين المتطرِّفين المعروفين على مناصب مرموقة وسُلطة في الحكومة، وبدأوا في استخدامها لتغيير السياسات الإسرائيلية من الداخل. «سموتريش» هو وزير المالية وفي الوقت نفسه وكيل وزارة الدفاع، والجَمْعُ بين هذين المنصبين يمنحه صلاحيات هائلة على إدارة المستعمرات.
حقَّق «سموتريش» نجاحه الأخير هذا الأسبوع، عندما تمكن من الحصول على موافقة الحكومة على بناء مستوطنة إسرائيلية جديدة كبيرة في الضفة الغربية، والتي سيجري بناؤها بالكامل على أراضٍ مُدرَجة على قائمة "اليونسكو". واحتفالاً بالموافقة على الاستيطان الجديد، كتب «سموتريش» في "إكس" للتواصل الاجتماعي: “سنواصل محاربة الفكرة الخطيرة المتمثِّلة في الدولة الفلسطينية وخلق الحقائق على الأرض.” وهو يقصد بـ«الحقائق على الأرض» فكرة خلق الظروف في الضفة الغربية التي من شأنها أن تجعل إنشاء دولة فلسطينية مستحيلًا. وأضاف «سموتريش»: “هذا هو هدفي في الحياة.”
منذ أن تولَّى «سموتريتش» الحكومة، وافقت السلطات الإسرائيلية على بناء 12 ألف منزل استيطاني جديد خلال 18 شهرا، مقارنة بـ 8 آلاف منزل جرت الموافقة عليها في العامين السابقين. كما زادت الحكومة من مصادرتها للأراضي الفلسطينية وإضفاء الشرعية على المستوطنات التي كانت تُعتبر في السابق غير قانونية.
لكن نجاحه الأهم، حقَّقه «سموتريش» في يونيو، عندما تمكَّن من نقل المسؤوليات الرئيسية لإدارة الضفة الغربية من السلطة العسكرية (التي كانت تدير المنطقة تحت الاحتلال) إلى سلطة مدنية داخل وزارة الدفاع، والتي كانت وُضِعت تحت سيطرة حليفه المقرَّب والمستوطن السابق «هيليل روث» (Hillel Roth). إنَّ نقل إدارة السلطات الكبرى في الضفة الغربية إلى سلطة مدنية (وخاصة إذا كانت يديرها متطرِّفون يهود) يجعل من الممكن جعل الموافقة على بناء المستوطنات والبنية التحتية والحواجز الجديدة على الأراضي الفلسطينية أسهل وأسرع.
بفضل الإجراءات البيروقراطية مثل هذه، تمكن «سموتريتش» من إحداث تغيير عميق في إدارة المستعمرات، بطريقة مخطَّطة ومتعمَّدة: خلال مؤتمر عُقد في يونيو، والذي قيل أنه كان خلف أبواب مغلقة ولكن حصلت منظمة غير حكومية إسرائيلية على تسجيل صوتي له، قال «سموتريتش» إن هدفه هو إحداث "تغييرات هيكلية تُعَدِّل أصل النظام الترابي في المنطقة لسنوات عديدة"، ومن أجل القيام بذلك، من الضروري "إدراج [الإجراءات] في السياق القانوني والسياسي، حتى لا يمكن القول إننا نقوم بضم" الضفة الغربية.
احتلت إسرائيل الضفة الغربية عسكريًا في عام 1967، خلال حرب الأيام الستة، وظلَّت تحت الاحتلال العسكري لما يقرب من ثلاثين عامًا. بين عامي 1993 و1995، أدَّت اتفاقيات أوسلو الخطيرة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: "منطقة A" (18 بالمائة من الأراضي) خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، و"منطقة B" (22 بالمائة من الأراضي) تحت السيطرة الفلسطينية الإسرائيلية المشترَكة و"منطقة C" (60 بالمائة من الأراضي) تحت سيطرة إسرائيل الجيش الإسرائيلي. ونصَّ الاتفاق على أن تتنازل إسرائيل "تدريجيًا" عن كل الأراضي للفلسطينيين، لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس: اليوم تمارس إسرائيل سلطة شبه كاملة على المنطقة، ويخضع المواطنون الفلسطينيون للقانون العسكري الإسرائيلي في جميع أنحاء الضفة الغربية تقريبًا.
كما استخدمت إسرائيل الاحتلال العسكري للتوسع غير القانوني في الضفة الغربية، وعززته أيضا بالأدوات البيروقراطية: منذ عام 1967، أنشأت إسرائيل متنزهات طبيعية في المناطق التي يسكنها الفلسطينيون لمنع توسيع مستوطناتهم، وأعلنت أجزاء كبيرة من الأراضي مناطق عسكرية، وبنت حواجز وأقامت نقاط تفتيش للحد من حرية الحركة، وقبل كل شيء سمحت ببناء مئات المستعمرات.
وغالبًا ما يحتل المستوطنون أراضي الضفة الغربية بالعنف، على سبيل المثال من خلال احتكار إدارة مصادر المياه، أو من خلال محاصرة حقول ومنازل الفلسطينيين بمستوطناتهم، وعزلهم وإجبارهم على الرحيل. في كثير من الأحيان يتم دعمهم والدفاع عنهم من قبل الجيش. ويوجد اليوم نحو 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية، بالإضافة إلى 200 ألف أخرين في القدس الشرقية.
وبعد بدء الحرب في غزة، تزايدت أيضًا الاشتباكات المسلَّحة في الضفة الغربية، والتي نفَّذ الكثير منها مستوطنون هاجموا المستوطنات الفلسطينية. ومنذ بداية الحرب، قُتل ما لا يقل عن 600 فلسطيني و18 إسرائيليًا في الضفة الغربية.