وتنقسم الجمعية الوطنية الجديدة التي جرى تشكيلها بعد الانتخابات التشريعية - التي جرت الدَّعوة إليها مُسبَّقًا في أعقاب النتائج الجَيِّدة التي حقَّقتها الانتخابات الأوروبية لحزب التجمُّع الوطني (حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة «مارين لوبان» و«جوردان بارديلَّا») - إلى ثلاثة كتل سياسية كبيرة متعارضة خلقت وضعًا غير مسبوقٍ لفرنسا.
وهناك الجبهة الشعبية الجديدة، اليسارية، بـ 182 نائبًا؛ ائتلاف «ماكرون» الوسطي، مع 168 نائبًا؛ واليمين المُتطرِّف لِـ "حزب التجمع الوطني" (RN) وحلفائه 143 نائبًا. وتفتقر كل كتلة إلى ما لا يقل عن مائة مقعد للوصول إلى الأغلبية، وتحكم فرنسا الآن حكومة مستقيلة مُكلَّفة بمتابعة ما يُسمَّى بـ «شؤون الساعة» برئاسة الماكروني «غابرييل أتال» (Gabriel Attal).
«ماكرون» وحده هو من يملك سلطة تعيين رئيس الوزراء، لكنَّه ليس مُلزِما باختيار شخص من المجموعة التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية ــ الائتلاف اليساري في هذه الحالة ــ ولا حدٍ زمَنيٍّ.
وكتبت صحيفة "لوموند" أن هناك من بين المعسكر الرئاسي من يأمل في صدور إعلان سريع من الرئيس حتى تتمكن السلطة التنفيذية الجديدة من التعامل مع الميزانية، التي سيتعيَّن تقديمها للموافقة على الجمعية الوطنية في موعدٍ أقصاه أوائل أكتوبر. علاوة على ذلك، بحلول يوم الجمعة 20 سبتمبر، سيتعيَّن على فرنسا، التي خضعت لإجراءات العجز المُفرِط من قبل المفوضية الأوروبية، أن تقدِّم خطَّتها المتوسِّطة الأجل موضِّحة التدابير التصحيحية التي تنوي اعتمادها للامتثال لقواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي وتجنُّب المالية. العقوبات. وعلى الرَّغم من هذه المواعيد النهائية المهمَّة، يعتقد أخرون أنَّ الزَّمن السياسيَ مختلف وأنَّ «ماكرون» بشكل عام ليس في عجلة من أمره للتوصُّل إلى حلٍّ.
وقبل كلَّ شيء، لا يبدو أن «ماكرون» مستعدُُّ لترشيح الشَّخص الذي اختاره الائتلاف الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية بطريقة موحَّدة، أي الجبهة الشعبية الجديدة، التي اقترحت في 16 يوليو الماضي «لوسي كاستيه» (Lucie Castets)، مسؤولة بلدية باريس. أَرسلت «كاستيت» يوم الإثنين رسالة إلى النوَّاب وأعضاء مجلس الشيوخ من "المجموعات السياسية الجمهورية" حدَّدت فيها أولوياتها الخمس: القُوَّة الشرائية (وبالتالي زيادة الحد الأدنى للأجور وإلغاء إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل الذي يريده «ماكرون»)، والبيئة والتعليم والرعاية الصحِّية وفرض ضرائب أكثر عدالة.
وبينما يُطالِبون بالحقِّ في تشكيل حكومة جديدة، تعترف «كاستيه» وقادة اليسار الذين وقَّعوا على الرسالة بأنَّ الجمعية الوطنية الجديدة مُجزَّأَة ومن دون أغلبية، ولذلك قالوا إنَّهم على استعداد للعمل بطريقة مُنظَّمة ومُشتَرَكة مع الحُكُومة مُختلف المجموعات البرلمانية، ولكن أيضًا مع النَّقابات العُمَّالية والمسؤولين المنتخَبين المحلِّيين والمُجتمع المَدني.
لكنَّ الخوف في المعسكر الرئاسي هو أن تُقرِّر «مارين لوبان» عدم تشويه سُمعة حكومة يسارية على الفور، ممَّا يمنحها فعلًا الوقت لتنفيذ جزء على الأقل من البرنامج الذي جرى التصويت عليه.
في 10 يوليو، حثَّ «ماكرون»، في رسالته إلى الفرنسيين، مختلف الأطراف على التوصُّل إلى اتِّفاق، وحدَّد أيضًا الخطوط العريضة للائتلاف الذي يودُّ رؤيتُه: وهو ائتلاف من شأنه، في رؤيته، أن يستبعد كلاً من حزب "فرنسا الأبيَّة" (LFI)، وهو الحزب الأكثر يساريةً في ائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة، و"حزب التجمع الوطني". ويبدو أنَّ «ماكرون» يُريد كرئيس وزراء مستقبلي شخصية معترَف بها، تتمتَّع بخبرة واسعة في شؤون الدولة، وتحظى باحترام القوى الجمهورية، وقادرة على التواصل مع الجميع. وهو شخصية، قبل كل شيء، تسمح لِـ «ماكرون» نفسه بالتعايش بسهولة أكبر (التعايش يتطلب أن يكون رئيس البلاد والحكومة جُزءًا من فصائل سياسية مختلفة).
وبعد 15 أغسطس، ينبغي على «إيمانويل ماكرون» أن يستأنف المفاوضات من خلال استقبال زعماء الكتل البرلمانية وربما أيضاً زعماء الأحزاب المختلفة.