بعد هجوم 7 أكتوبر، وعد العديد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بتعقُّب وقتل جميع قادة حماس الذين تعتبرهم مسؤولين عن المذبحة التي ارتكبت بحق مستوطنين لإسرائيليين. كانت الأهداف (التي لم يحدث تحديدها صراحةً، ولكن تم توضيحها تمامًا من خلال التقارير الصحفية المختلفة) هي هدفان: أولاً وقبل كل شيء اغتيال قادة حماس العسكريين الموجودين في قطاع غزة والذين جرى تحميلهم المسؤولية المباشرة عن أحداث 7 أكتوبر، وقادة أخرون، بينهم أيضا من يقيم في الخارج. وفي نوفمبر الماضي، قال وزير الدفاع «يوآف غالانت»، متحدِّثًا عن قادة حماس: “أيامهم معدودة حيثما كانوا في العالم: كلهم قتلى.”
وكانت نية اغتيال قادة حماس مصحوبةً بعمليات قتل استهدفت القادة العسكريين لجماعة حزب الله اللبنانية المُتطرِّفة (آخرها حدث ليلة الثلاثاء)، وقادة الحرس الثوري، القوَّة العسكرية الرئيسية لإيران، حليف حماس وحزب الله.
ولكي نحاول أن نجد طريقنا بين كل عمليات القتل هذه، علينا أن نأخذ في الاعتبار ثلاثة أشياء: الأهداف العسكرية الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر؛ والردود على الهجمات والاستفزازات الخارجية خلال أشهر الحرب هذه، مثل تلك التي يقوم بها حزب الله وإيران؛ والفُرَص العملية لقتل قائد مُعيَّن عندما تسنح الفرصة. ويجب أيضًا مراعاة عنصر أخر: لطالما استخدمت إسرائيل عمليات الاغتيالات لاستهداف الدول والجماعات التي تعتبرها أعداء. على مدى عقود، قتل الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات قادة حماس وضُبَّاط حزب الله وعلماء ومسؤولين إيرانيين. لكن أحداث السابع من أكتوبر والحرب التي تلتها عزَّزت هذه الديناميكيات.
منذ الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر، كان هدف إسرائيل الصريح هو "تدمير حماس". وبهذا الدافع قام الجيش الإسرائيلي بقصف قطاع غزة واجتياحه، حيث قُتل أكثر من 39 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ودُمرت مدن. ومن بين الأهداف المباشرة للعملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع، بالإضافة إلى تدمير القدرة العسكرية والبنية التحتية للجماعة المتطرفة، كان هناك أيضًا قتل القادة المحليين لحماس، وهم الذين على الأرجح هم الذين ينفذون عملياتيًا نظم الهجوم في 7 أكتوبر.
في الأشهر الأولى من الحرب ركزت الصحف بشكل رئيسي على ثلاثة أسماء: «يحيى السنوار»، رئيس حركة حماس في قطاع غزة؛ و«محمد ضيف»، قائد كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس؛ و«مروان عيسى» نائب «الضيف».
وبين هؤلاء الثلاثة، جرى التأكُّد فقط من وفاة «مروان عيسى»، الذي اغتيل في قصف إسرائيلي في شهر مارس. وحاولت إسرائيل أيضاً قتل «الضيف»، حيث شنَّت قصفًا عنيفًا قبل أسبوعين على المنطقة الريفية "المواصي"، وهي منطقة وصفها الجيش بأنها آمنة للمدنيين. لكن حماس قالت إنَّ «الضَّيف» نجا بينما قتل 90 مدنيا في القصف. ولا توجد تقارير علنية عن محاولات اغتيال للهدف الثالث، «يحيى السنوار».
وكما ذكرنا، بالإضافة إلى هذه الأهداف الثلاثة المباشرة الأُخرى في قطاع غزة، أصدرت الحكومة الإسرائيلية الأمر بقتل جميع قادة حماس المتورطين بأي شكل من الأشكال في 7 أحداث كتوبر، حتَّى أولئك الذين كانوا في الخارج. وقد وصفت العديد من الصحف حملة القتل هذه وأكدها من بين أمور أخرى «رونين بار»، رئيس "الشاباك"، أي المخابرات الداخلية الإسرائيلية: “لقد أعطتنا حكومة الحرب هدفًا، وهو القضاء على حماس. هذه هي "ميونيخ" لدينا.سنفعل ذلك في كل مكان، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، في قطر. سيستغرق الأمر بضع سنوات لكننا سنفعله.”
وبالتَّالي فإنَّ الخُطَّة عبارة عن عملية منسَّقة طويلة الأمد لقتل قادة حماس أينما كانوا، على أن يتم تنفيذها على مدار عدة سنوات. الإشارة إلى ""ميونيخ" هي على وجه التحديد: بدأً من عام 1972، عندما قتلت مجموعة فلسطينية 11 إسرائيليًا خلال دورة الألعاب الأولمبية في "ميونيخ"، نفَّذت الأجهزة الإسرائيلية عملية انتقامية طويلة ومتعمَّدة وعمليات قتل مستهدَفة، حيث قتلت على مدار 20 عاماً تقريبًا العشرات من المتورِّطين المزعومين في الهجوم.
ولكن حتَّى في هذا السياق، من الصَّعب أن نفهم مقتل «إسماعيل هنية». وكان «هنية» زعيمًا سياسيًا لحركة "حماس" وكان يعيش في قطر. بل توجد بعض الشكوك حول ما إذا كان متورِّطًا بالفعل في أحداث 7 أكتوبر. كما لعب دورًا رئيسيًا في مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية في قطاع غزة، والتي أصبحت الآن مُعرَّضة لخطر الفشل أو التأخير على المدى الطويل.
وفي حالات أخرى، أخذت إسرائيل زمام المبادرة في مهاجمة القادة العسكريين الذين اعتبرتهم خطرين أو متورِّطين في أنشطة يمكن أن تضرَّ بأمنها. وهذه هي حالة «محمد رضا زاهدي»، على سبيل المثال، الجنرال في الحرس الثوري الذي قُتل في إبريل الماضي في تفجير في سوريا. وللرد على ذلك الهجوم، أطلقت إيران مئات الطائرات من دون طيَّار والصواريخ ضد إسرائيل، لكن جرى اعتراضها تقريبا جميعًا بمساعدة من الطيران الحربي الأردني والسعودي.
تظهر هذه الأمثلة، من بين أمور أخرى، كيف أن الاستراتيجية الإسرائيلية الإجرامية المتمثِّلة في قتل قادة المقاومة حتَّى في الخارج هي محفوفة بالمخاطر للغاية، خاصة إذا كان هؤلاء القادة، كما في حالة «هنية»، معروفين وواضحين بشكل خاص. لقد أظهرت إسرائيل، بقتلها «هنية»، أنها على استعداد لتعريض المفاوضات بشأن غزة للخطر، وزيادة التوتُّر في المنطقة بشكل كبير، والمجازَفة حتَّى بالانتقام الخطير من جانب البلدان المتضررة.