ما معنى رحلة رئيسة الحكومة الإيطالية «جورجا ميلوني» إلى الصين - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

الأحد، 28 يوليو 2024

ما معنى رحلة رئيسة الحكومة الإيطالية «جورجا ميلوني» إلى الصين

 الإيطالية نيوز، الأحد 28 يوليو 2024 - من الأحد 28 إلى الأربعاء 31 يوليو، تشارك «جورجا ميلوني» في مهمة دبلوماسية في الصين. الجزء الأطول والأكثر أهمية من الزيارة سيكون في بكين، حيث ستلتقي رئيسة الوزراء، بين أخرين، بالرئيس الصيني «شي جين بينغ» ورئيس الوزراء «لي تشانغ» ورئيس مجلس الشعب (البرلمان) «تشاو لي جي»، بين أهم قادة للحزب الشيوعي الصيني. وستنتقل «ميلوني» بعد ذلك إلى "شنغهاي"، حيث ستجري محادثات مع «تشن جينينغ»، السكرتير الطموح للحزب الشيوعي في شنغهاي والمسؤول المقرَّب جدًا من «شي» نفسه.

وهذه هي الزيارة الأولى لرئيس حكومة إيطالية إلى الصين منذ أبريل 2019، عندما توجَّه «جوزيبي كونتي» إلى بكين للمشاركة في منتدى دولي حول ما يسمى "طريق الحرير"، وهو مشروع التوسُّع التجاري والسياسي الذي تسعى إليه حكومة «شي» منذ سنوات من خلال اتفاقيات مع مختلف دول العالم. وتساعد تطورات ذلك المشروع على فهم أسباب رحلة «ميلوني»: من ناحية، فقد عقدت العزم على الابتعاد عن الصين بشأن بعض القضايا المُهمَّة، ومن ناحية أخرى، فإنَّها لا تريد المخاطرة بالمساس بالعلاقات التجارية بين الصين وإيطاليا، والتي تعتبر أساسية للعديد من الشركات الإيطالية.

في مارس 2019، اتَّخذت حكومة «كونتي» الأولى، بدعم من الرابطة و"حركة 5 نجوم"، قرارًا مثيرًا بالانضمام إلى طريق الحرير، حيث وقَّعت مُذكِّرة تفاهم تجارية، والتي كانت لها أيضًا أهمِّية دبلوماسية كبيرة. وكانت إيطاليا الدولة الوحيدة في مجموعة السبع، فضلًا عن الدولة الوحيدة من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي ــ وفي ذلك الوقت الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية غير البرتغال ــ التي قامت بذلك. وقد واجه هذا الاختيار معارضة شديدة من جانب الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، الذين رأوا في هذا المشروع التجاري على ما يبدو محاولة صينية لتوسيع نفوذها السياسي في الغرب. ولم يُخفِ العديد من أعضاء الحركة اعتزامهم استخدام تلك المُذكِّرة لضمان شاطئ مالي وتجاري لإيطاليا في الصين، في وقت حيث كانت حكومة «كونتي» الشعبوية والسيادية معزولة إلى حد ما في أوروبا.

ومع مرور السنين، أثبت هذا الاتفاق حدوده بشكل متزايد. إنَّ أهداف زيادة الصادرات الإيطالية إلى الصين، والتي كانت أحد الأهداف التي أعلنتها الحكومة، ضاعت كثيرًا؛ بل على العكس من ذلك، زادت الصادرات الصينية إلى إيطاليا بشكل كبير. وإذا لم يكن ذلك مفيدًا من وجهة نظر تجارية، فقد أدَّى بدلًا من ذلك إلى جعل إيطاليا أقلَّ موثوقية على المستوى الدبلوماسي بالنسبة للحلفاء الغربيين. ولهذا السبب أيضًا، واستمرارًا للمسار الذي بدأه ماريو دراجي بالفعل، قرَّرت «ميلوني» في ديسمبر الماضي الخروج من الاتِّفاقية التي كانت سارية لمدَّة خمس سنوات، والتي كان من الممكن تجديدها تلقائيًا في مارس 2024 إذا لم تقرر إلغاءها.

مما لا شكَّ فيه أن قرار «ميلوني» كان بسبب الرغبة في مواءمة السياسة الخارجية الإيطالية مرة أخرى مع سياسات دول مجموعة السبع الأخرى، وخاصة الامتثال للضغوط التي تمارسها حكومة الولايات المتحدة، التي لا تزال تَعتبر الصين الخصم ُالأكثر خطورة في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي. لكن ترك "طريق الحرير"، وبالتالي استياء الحكومة الصينية، كان خطوة حسَّاسة بالأخص لأنَّه كانت يُخشى، ولا يزال يُخشى، من أنَّ «شي» قد يرغب في الرد بالانتقام التجاري: أي الحد من التجارة مع إيطاليا، وجعل الأمر صعبًا، أو منع، الشركات الإيطالية من العمل وممارسة الأعمال التجارية هناك.

لهذا السبب، قبل الإعلان عن قرار عدم تجديد مذكرة التفاهم، حرصت «ميلوني» على إعادة إطلاق "الشراكة الإستراتيجية العالمية"، وهي منتدى تجاري افتتحته حكومة «سيلفيو برلسكوني» في عام 2004 على وجه التحديد لتسهيل العلاقات التجارية بين إيطاليا والصين: لقد كانت وسيلة بالنسبة لِـ «ميلوني» لتأكيد رغبتها في عدم المساس بالعلاقات بين البلدين على الرَّغم من قرار مغادرة "طريق الحرير".

والغرض من رحلة رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، «جورجا ميلوني» إلى بكين يذهب في نفس الاتجاه: إعادة إطلاق العلاقات الثنائية في القطاعات التجارية ذات الاهتمام المشترك، مع احتمال التوقيع على اتفاقيات صناعية في قطاع السيارات. وبلغ حجم التجارة بين إيطاليا والصين في عام 2023، بحسب البيانات التي استشهدت بها الحكومة الإيطالية، 66.8 مليار يورو، مما يجعل الصين ثاني شريك تجاري غير أوروبي لإيطاليا بعد الولايات المتحدة علاوة على ذلك، تعمل أكثر من 1600 شركة إيطالية في الصين، معظمها في قطاعات النسيج والميكانيكا والأدوية والطاقة والصناعات الثقيلة. ويبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أي حجم حصص رأس مال الشركات الصينية المملوكة للكيانات الإيطالية، نحو 15 مليار يورو.

وستتحدث «ميلوني» مع «شي» ولي قبل كل شيء حول هذا الأمر، وتشارك في فعاليات رمزية وتسلط الضوء على المناسبات المناسبة، كما هو معتاد. وسوف تفتتح «ميلوني» برفقة رئيس الوزراء منتدى الأعمال الإيطالي الصيني، والذي سيكون وسيلة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بعد مرور عشرين عامًا على تأسيسها.  إذن، في ظروف مختلفة، سوف نتذكر المستكشف والتاجر الفينيسي «ماركو بولو» (Marco Polo)، الذي قام في نهاية القرن الثالث عشر برحلة طويلة شرقًا حتى وصل إلى الصين، التي تصادف الذكرى المئوية السابعة لوفاته. وستفتتح «ميلوني» معرضًا مُخصَّصًا لها في متحف الفن العالمي في بكين مع وزير الثقافة «سون يلي» (Sun Yeli).

وبالإضافة إلى القضايا التجارية الأكثر صرامة، يوجد موضوع أخر ستركِّز عليه المحادثات وهو الحرب في أوكرانيا. فمن خلال الحفاظ على موقف غامض ونوع من الحياد السطحي، وكونُها في واقع الأمر الحليف الرئيسي لروسيا، تلعب الصين دورًا حاسمًا. ولكن في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك بعض اللَّمحة عن رغبة نظام «شي» في تفضيل الحل: فقد استقبل وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» (Wang Yi نظيره الأوكراني «دميترو كوليبا» (Dmytro Kuleba) في "قوانغتشو"، وربَّما للمرة الأولى بدت الصين عازمة على حل المشكلة  وتعزيز الحوار بين الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» و«فلاديمير بوتين».  ومن المؤكَّد أن إيطاليا تتمتَّع بثقل أقل في المفاوضات. لكنَّ «ميلوني»، التي تتولَّى الرئاسة الدورية لمجموعة السبع هذا العام، أنفقت الكثير لصالح المقاومة الأوكرانية، وتودُّ أن تحاول فهم نوايا «شي» الحقيقية فيما يتعلَّق بالحرب.

 وكما يحدث دائمًا عندما يتم تنفيذ مهمَّات دبلوماسية في الصين، ستكون الزيارة حساسة للغاية. إن موقف المسؤولين الصينيين اتجاه الزعماء الغربيين يتَّسم دائما بالغموض وينطوي على تهديد غامض. للصين مصالح في الحفاظ على العلاقات مع الدول الأوروبية، لكنَّها في الوقت نفسه تعتبرها خصومًا لها كحلفاء للولايات المتحدة؛ وعلى نحو مماثل إلى حدٍّ ما، يعرف الأوروبيون أنَّ الفرص التي توفِّرها السوق الصينية لا غنى عنها، لكنَّهم أيضًا حذرون للغاية في علاقاتهم مع القادة الصينيين.