لم ينجح الأمر، لأنَّه من خلال التصويت ضد «فون دير لاين» وضع حزب "افراتيلِّي دي إيطاليا" نفسه رمزيًا إلى جانب الأحزاب والقادة الأكثر تشكُّكًا في أوروبا، والذين لم يحدثْ أخذُها في الاعتبار أبدًا في المفاوضات الرئيسية في البرلمان وغيره من المؤسَّسات. وسيستفيدُ "الخُضر" (الأوروبيون) بشكل خاص من هذا، بحيث كانت أصواتُهم لصالح فون دير لاين حاسمةً على الأرجح في إعادة تأكيد تعيينها من جديد من منصبها القيادي للمفوضية الأوروبية.
وكان حزب "افْراتيلِّي دِ إيطاليا" قد حصل على نتيجة ممتازة في الانتخابات الأوروبية التي جرت يوم 9 يونيو الماضي، كما كان متوقَّعا: لقد كان الحزب الرائد في إيطاليا بنحو 29 بالمائة من الأصوات وتمكَّن من انتخاب 24 عضوًا في البرلمان الأوروبي، أي أربعة أضعاف الستَّة الذين جرى انتخابهم قبل خمس سنوات.
كانت «ميلوني» أيضًا الزعيم الوحيد للدول الأوروبية الرئيسية الذي خرج أقوى من التصويت: في ألمانيا، حصل الاشتراكيون التابعون للمستشار «أولاف شولتز» على نتيجة مُخيِّبة للآمال للغاية، وفي فرنسا كان أداء الرئيس «إيمانويل ماكرون» سيِّئًا للغاية لدرجة أنه قرَّر حل البرلمان والدَّعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة. وعلى المستوى الدولي، عزَّزت «ميلوني» أيضًا موقعَها داخل الائتلاف الحاكم، كونه الحزب الأكثر تصويتًا بفارق كبير.
ويتعزَّز بهذا الموقف، وبشكل عام، بالنتيجة الجيِّدة التي حصلت عليها أحزاب اليمين واليمين المتطرِّف في الانتخابات، بعد التصويت، وقد شاركت «ميلوني» في المفاوضات بين زعماء الدول الأعضاء على أمل أن تتمكَن من الحصول على منصبٍ مرموقٍ لأحد أعضاء مجموعتها "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، الذي يُعدُّ حزب "افْراتيلِّي دِ إيطاليا" الحزب الرئيسي فيه. باختصارٍ، بدا أن "افْراتيلِّي دِ إيطاليا" يجب أن يكون له تأثير كبير في المفاوضات، لكن الأمر لم يكن كذلك.
أثبتت المفاوضات على الفور أنَّها معقَّدة للغاية بالنسبة لِـ «ميلوني»: المشكلة الرئيسية هي أن "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" هم مجموعة يمينية متطرِّفة، حتى لو كانت قد شاركت في الفترة الأخيرة في بعض المواقف الأقرب إلى مواقف الأحزاب المحافظة التقليدية، التي منها، على سبيل مثال، دعم أوكرانيا بشأن الغزو الروسي. وتنتمي المجموعة إلى المجال السياسي نفسه الذي تنتمي إليه تشكيلات أخرى مثيرة للجدل للغاية، بما في ذلك المجموعتان الجديدتان "وطنيون من أجل أوروبا" (التي تضم، من بين أخرين، الرابطة والتجمُّع الوطني) و "أوروبا الدول ذات السيادة"، بقيادة الحزب الألماني اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا". إنَّ قادة الأحزاب التقليدية وأحزاب الأغلبية، أي "حزب الشعب الأوروبي" (يمين الوسط)، والاشتراكيين والديمقراطيين (الاشتراكيين والديمقراطيين، يسار الوسط) والليبراليين في "تجديد أوروبا" قالوا دائمًا إنهم يعارضون بشدَّة أي اتِّفاق أو تعاون مع الجماعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك "المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون".
ومع ذلك، بدا أن «فون دير لاين» تفكر بشكل مختلف: فقد فتحت بالفعل خلال "الحملة الانتخابية" لدور رئيس المفوضية إمكانية التعاون مع "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، من أجل محاولة تأمين أصواتهم أيضًا لصالحها. وخلال المفاوضات لاتخاذ قرار بشأن التعيينات، حاولت «ميلوني» أيضًا تقديم نفسها كشريك معتدل ونقطة اتصال بين العالم المحافظ واليمين المتطرِّف، ولكن من دون جدوى: جرى استبعاد "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" بشكل أساسي من المناقشات، وفي النهاية فشلت «ميلوني» في الحصول على أي منصب بارز. بعد أن أدركت أن فرصها في الاعتماد على شيء ما بدأت تتضاءل في المجلس الأوروبي (الهيئة التي تجمع رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء الـ 27) امتنعت «ميلوني» عن التصويت على ترشيح «فون دير لاين» رئيسة للمفوضية.
Fratelli d'Italia ha deciso di non votare per la riconferma di Ursula von der Leyen a Presidente della Commissione europea. Siamo rimasti coerenti con la posizione espressa al Consiglio europeo di non condivisione del metodo e del merito. pic.twitter.com/4Zs9k9V8iI
— Giorgia Meloni (@GiorgiaMeloni) July 18, 2024
ومع ذلك، يوم أمس الخميس، كان لا يزال بإمكان "افراتيلِّي دِ إيطاليا" التصويت لصالح «فون دير لاين» في البرلمان الأوروبي، من أجل تعزيز الصورة المعتدلة والبراغماتية التي حاولت بناءها خلال المفاوضات، لكنها قرَّرت بدلاً من ذلك البقاء في المعارضة. وفي مقطع فيديو قصير نُشر على تويتر، قالت «ميلوني» إن حزب "افراتيلِّي دِ إيطاليا" ظل "متَّسقًا" مع خياراته، مضيفة أنَّ القرار لن يؤثِّر "بأي شكل من الأشكال على الدور الذي سيتم الاعتراف به لإيطاليا" في المفوضية وفي المؤسَّسات أثناء انعقاد المجلس التشريعي.
من ناحية أخرى، أدَّى تصويت "إخوة إيطاليا" ضد «فون دير لاين» إلى خلق بعض الانقسام داخل الأغلبية الحاكمة في إيطاليا: في الواقع، من الممكن أن تكون «ميلوني» قررت الامتناع عن دعم «فون دير لاين» أيضًا حتَّى لا تترك لزعيم الرابطة «ماتيو سالفيني» (Matteo Salvini) إمكانية تقديم نفسه على أنَّه الوحيد الذي لم يصوِّت لها، وبالتَّالي الاستفادة من دعم الناخبين الأكثر مناهضةً لأوروبا. بشكل عام، عادة ما يكون البقاء في المعارضة أكثر ربحية لتجنُّب فقدان الإجماع: وبالتَّالي فإن ميلوني ستكون قادرة على تحدِّي أي اختيارات غير شعبية يتم اتخاذها في المؤسَّسات الأوروبية بسهولة أكبر. وبدلاً من ذلك صوت حزب "فورْتسا إيطاليا" لصالحها.
وأخيرًا، تواصل «ميلوني» في هذه الأثناء التفاوض للحصول على منصب مناسب بين المفوضين الأوروبيين، الذين لديهم مهام مماثلة لمهام الوزراء. وذكرت عدَّة صحف أنها ترغب في تعيين وزير الشؤون الأوروبية «رافَّايِيلي فيتُّو» (Raffaele Fitto) مفوِّضًا للميزانية، لكن ليس من المؤكَّد أنها ستنجح.