والآن يواجه الائتلاف الحاكم خطر السقوط بسبب الخلاف حول كيفية سد فجوة قدرها 40 مليار يورو في تغطية الإجراء ات التي أرادت الحكومة تنفيذها العام المقبل. باختصار، سوف يكون لِزامًا على الأحزاب الحاكمة أن تُقرِّر ما الذي يتعيَّن عليها خفضه من أجل خفض الإنفاق بمقدار 40 مليار دولار، ولكنَّها لم تنجح بعد: كتب موقع "بوليتيكو" الأمريكية: "إذا تمكَّن المرء من تحديد ثمن بقاء الائتلاف الحاكم الألماني، فإنه سيصل إلى نحو 40 مليار يورو".
وفي نوفمبر 2023، أعلنت المحكمة الدستورية الألمانية، ردًّا على دعوى قضائية رفعتها معارضة يمين الوسط، أن موازنة 2023 و2024 تنتهك القاعدة الدستورية المعروفة باسم "كبح الديون"، والتي تفرض صرامة شديدة على الإنفاق العام والاقتراض الحكومي. ويعود تاريخ القانون إلى عام 2009، ويشترط عدم ارتفاع الدين العام أكثر من %0.35 من الناتج المحلي الإجمالي كل عام، إلَّا في حالات استثنائية، مثل الوباء أو الركود.
وأشار الحكم إلى تحرُّكات معيَّنة في الموازنة الاتحادية لعام 2021. في ذلك العام، خصَّصت حكومة «أولاف شولز» 60 مليار يورو مُقترضَة للتعامل مع نفقات الطوارئ المتعلِّقة بجائحة فيروس كورونا، ولأنَّها أموال طارئة، لم يَحدُثْ احتسابها ضمن الدَّيْن العام للدولة. لكن بعد تخصيصها، لَم تَقُمْ الحكومة بإنفاقها، وقرَّرت تخصيصها لتمويل صندوق التحوُّل الطاقي، مع الاستمرار في عدم احتسابها ضمن الدِّين العام.
وقد قرَّرت المحكمة أنَّه نظرا لاختلاف الاستخدام، لم تَعُدْ هذه الأموال تعتبر مرتبطة بحالة الطوارئ، وبالتالي كان ينبغي اعتبارها تقع ضمن الحدود العادية للمديونية السنوية. وكانت النتيجة فتح فجوة في الميزانية بقيمة 45 مليار يورو لعام 2023 و17 مليار يورو لعام 2024، الأمر الذي خلق مشاكل هائلة داخل الحكومة التي تجد نفسها الآن، مرة أخرى، مضطرَّةً للتعامل مع تداعيات هذا الحكم.
وسيتعيّن على الحكومة خفض 40 مليار دولار من الإنفاق الفيدرالي لعام 2025 وتقديم مشروع الميزانية بحلول بداية شهر يوليو، قبل العطلة الصيفية للبرلمان الألماني (البوندستاغ). لكن الأحزاب الثلاثة التي تُشكِّل الائتلاف الداعم للحكومة لها أولويات مختلفة، تتعارض مع بعضها البعض، والتي تفاقمت بعد نتائج الانتخابات الأوروبية.
على سبيل المثال، يعارض "حزب الخضر والديمقراطيون الاشتراكيون" بشدَّة التخفيضات التي تؤثِّر على البرامج الاجتماعية: قال «لارس كلينجبيل» (Lars Klingbeil)، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إنَّ الحزب يجب أن يمنح ناخبيه أكثر مما يتوقَّعون: إيجارات ميسورة التكلفة، وأجور أعلى، ومساعدة اجتماعية جيدة. رفض «كيفن كونرت» (Kevin Kühnert)، الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أي فرضية لخفض الإنفاق الاجتماعي، قائلًا إن المدخَّرات "لا يمكن أن تكون على حساب التماسك الاجتماعي في البلاد".
ويؤيِّد "حزب الخضر والديمقراطيون الاشتراكيون" أيضًا تخفيف القواعد الصارمة بشأن الإنفاق، واقترحوا اعتبار عام 2025 عامًا طارئًا، وبالتالي جعل استخدام أموال الطوارئ قانونيًا. ومن ناحية أخرى، فإنَّ الليبراليين محافظون بشأن هذه القضية ويريدون احترام قاعدة "كبح الديون".
وتتعلَّق إحدى قضايا الخلاف الرئيسية بكيفية الوفاء بالوعود التي قطعها «شولتز» في مجال الدفاع: إصلاح الجيش الألماني والوصول إلى هدف زيادة الإنفاق إلى %2 من الناتج المحلي الإجمالي، الذي حدده حلف شمال الأطلسي. وقال وزير الدفاع «بوريس بيستوريوس» (Boris Pistorius)، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إنَّ هناك حاجة إلى نحو 6.5 مليار يورو من الإنفاق العسكري الإضافي في عام 2025 للوفاء بالتزامات الحكومة.
وتعتقد وزيرة الخارجية «أنّالينا بيربوك» (Annalena Baerbock)، من حزب الخُضر، أيضاً أنَّ غزو روسيا لأوكرانيا يشكل حالة طوارئ، وبالتالي يُبرِّر تعليق سقف الدين لتمويل الإنفاق العسكري ودعم كييف. وقالت في مقابلة مع صحيفة "سودُيْتش تسايتونع" الألمانية: “أي حالة طوارئ أعظم من هذه الحرب في قلب أوروبا؟.” وأضافت: “سيكون أمرًا قاتلًا أن نضطرَّ إلى القول، في غضون سنوات قليلة، بأنَّنا حافظنا على الحد الأقصى للديون، لكننا خسرنا أوكرانيا.”
ومع ذلك، رفض وزير المالية الليبرالي «كريستيان ليندنر» (Christian Lindner) هذه الفرضية، ومثل أعضاء حزبه، اتخذ موقفًا حازمًا للغاية ضدَّ محاولات التحايل على "كبح الديون" أو إصلاحه. وقالت «كلوديا رافلهوشن» (Claudia Raffelhüschen)، الليبرالية، وهي عضو في لجنة الميزانية والمالية، لصحيفة "بوليتيكو": “إن إلغاءه سيتطلب، من بين أمور أخرى، أغلبية الثلثين في البرلمان، وهو ما لن يحدث.” وإذا ظلَّ الاتِّفاق مفقودًا لفترة أطول، فإنَّ استقرار الحكومة الألمانية سيكون في خطر حقيقي. وعدم الوصول إليه بشكل كامل يعني سقوطها، وهو احتمال ليس في مصلحة أي من الحلفاء الثلاثة.
وعلى الرغم من الصراع الواضح، إلَّا أنَّ أعضاء الأغلبية ما زالوا يحاولون التقليل من حِدَّة الصراعات الداخلية، مُدركينَ أنَهم قد يُغَذُّون المطالبة بالذَّهاب إلى انتخابات مُبكِّرة: قالت «أنّالينا بيربوك»، في إشارة إلى فرنسا: "إن أعظم معروف يمكن أن نقدِّمه لأعداء الديمقراطية هنا وفي الخارج هو أن تتَّجه ديمقراطية أوروبية أخرى إلى انتخابات مُبكِّرة".