الإيطالية نيوز، الثلاثاء 18 يونيو 2024 - سعت «أورسولا فون دير لاين» إلى إبطاء تقرير رسمي للاتحاد الأوروبي ينتقد إيطاليا بسبب تآكل الحريات الإعلامية، وذلك طمعًا في الحصول على دعم روما لولاية ثانية كرئيسة للمفوضية الأوروبية.
ووفقًا لأربعة مسؤولين، حسب ما ذكره موقع "بوليتيكو" الأمريكي، فإنَّ تحقيق المفوضية يسلِّط الضَّوء على حملة قمع ضد وسائل الإعلام الحُرَّة في إيطاليا منذ أن تولَّت رئيسة الوزراء اليمينية المتطرِّفة «جورجا ميلوني» منصبها في عام 2022.
وبحسب "بوليتيكو"، قال مسؤولان إنَّ التقرير السنوي الذي يُقيِّم مَدى احترام دول الاتحاد الأوروبي لسيادة القانون كان من المتوقّع أن تَحدُثَ الموافقة عليه في الثالث من يوليو، لكن جرى تأجيله حتى يَحدُثَ تعيين رئيس جديد للمفوِّضية: التأخير في نشر التقرير يُعتبر غير عادي والمخاطَرة بالنسبة لـ «فون دير لاين» هي أنَّه يبدو أنَّ له دوافع سياسية: تسعى حاليًا للحصول على دعم زعماء الاتحاد الأوروبي مثل «ميلوني» في محاولتها تأمين فترة ولاية ثانية مُدَّتها خمس سنوات في إدارة السلطة التنفيذية للكتلة.
وحذَّرت النقابات الصحفية من أنَّ التدخُّل الحكومي في وسائل الإعلام والدعاوى القضائية التي تستهدف الصحفيين أصبح أكثر شيوعًا في العامين الماضيين. أضرب الصحفيون في هيئة الإذاعة الحكومية الإيطالية Rai في مايو احتجاجًا على محاولة "تحويل Rai إلى ناطق بلسان الحكومة" وليس بإسم "الشعب". وكانت المفوضية الأوروبية قد انتقدت إيطاليا بالفعل العام الماضي في تقريرها عن سيادة القانون بشأن كيفية استخدام قانون التشهير بشكل متزايد لملاحقة الصحفيين.
كما كثَّفت النقابات الصحفية تحذيراتها من أن التدخُّل الحكومي والدعاوى القضائية التي تستهدف الصحفيين أصبحت أكثر شيوعًا في العامين الماضيين. كما تراجعت إيطاليا خمس مراتب لتحتلَّ المركز 46 في أحدث مؤشر لحرية الصحافة العالمية الذي أعدَّته منظمة "مراسلون بلا حدود". وقالت كبيرة مسؤولي سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي، «فيرا جوروفا» (Věra Jourová)، هذا الشهر إنَّ المفوضية الأوروبية تتابع عن كثب "الاتجاهات السلبية" بشأن حرية الإعلام في إيطاليا إلى جانب دول أخرى مثل سلوفاكيا.
وقالت «جوروفا» للصحفيين في مؤتمر صحفي في "بروكسل"، ردًّا على سؤال من صحيفة "بوليتيكو" حول حرِّية الإعلام في إيطاليا: “أريدُ فقط أن أقول، على وجه التحديد حول هذا الوضع الإعلامي في إيطاليا، ولكن أيضًا في أماكن أخرى، في سلوفاكيا وبعض الدول الأخرى، إننا رصدنا اتجاهات سلبية مختلفة، ونأسفُ لكَوْنِ قانون حرِّية الإعلام لم يصبح [قابلاً للتنفيذ] بعد.”
وبحسب "بوليتيكو"، قال أحد مسؤولي المفوضية، الذي أشار، مثل ثلاثة مسؤولين أخرين، إلى جهود إعادة انتخاب فون دير لاين كسبب لتأخير تقرير سيادة القانون: “الآن، توجد رغبة واضحة في كبح جماح القضايا المتعلِّقة بإيطاليا وسيادة القانون.”
وأضاف إثنان من المسؤولين، كما نقلت "بوليتيكو"، أنَّ حكومة الرئيس طلبت من الأمانة العامة للسلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي تأجيل نشر التقرير. وبشكل منفصل، قال إثنان على الأقل من مسؤولي المفوِّضية، بخلاف أولئك الذين تحدَّثوا عن تقرير سيادة القانون، للصحفيين في الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، بعدم طرح أسئلة حول موقف المفوِّضية الأوروبية بشأن ما وُصف بـ "الوضع في إيطاليا"، في إشارة إلى الإجراءات التي تُهَدِّد حُرِّية الإعلام وإضرابات الصحفيين.
وجرى منح جميع المسؤولين عدم الكشف عن هويَّتهم لمناقشة المناقشات الداخلية في المفوضية الأوروبية. وقال ثلاثة من المسؤولين إنَّ تحرُّكات رئيسة المفوضية الأوروبية، «فون دير لاين»، لتجنُّب الانتقاد العلني لإيطاليا بشأن حُرِّية الإعلام أثارت غضب الموظفين داخل المفوضية. سيكون مثل هذا التدخُّل ضارًّا، إذْ ليسَ من المفترَض أن تتدخَّل «فون دير لاين»، في دورها كرئيسة للمفوِّضية، وكذلك جميع خدمات المفوضية، في عملية انتخابها لولاية ثانية.
وقال مسؤولان إنه كان من المقرَّر أن يناقش المفوِّضون التقريرَ ويوافقوا عليه في أوائل يوليو، ولكن من المتوقَّع الآن أن يُنشَر فقط بعد أن يمنح البرلمان الأوروبي دعمَهُ النهائي للرئيس الجديد للمفوِّضية الأوروبية الذي اقترحه زعماء الاتحاد الأوروبي. يمكن أن يحدث ذلك في منتصف يوليو على أقرب تقدير، ويمكن أن يحدث في وقت متأخر من سبتمبر.
ولا يزال التقريرُ مُدرَجًا على جدول أعمال 3 يوليو في أحدث وثيقة تخطيط لاجتماع هيئة اللجنة، بتاريخ 11 يونيو، لكن إثنين من المسؤولين قالا إنه من المتوقَّع تحديث التوقيت قريبًا. وقال «أولوف جيل» (Olof Gill)، المُتحدِّث باسم المفوضية: "إنَّ تقارير سيادة القانون قيد الإعداد حاليًا، ولم نكن بعد في وضع يسمح لنا بالتشاور مع الدول الأعضاء بشأن المُسْوَدّات، وهو أمر نفعله دائمًا". وأضاف: "سنتعاملُ مع التطوُّرات التي حدثت خلال العام الماضي لكل دولة في الاتحاد الأوروبي - بما في ذلك إيطاليا - بطريقة واقعية وموضوعية، كما فعلنا دائمًا".
صيد الأصوات الداعمة
أدارت رئيسة المفوضية الألمانية من يمين الوسط حملة كمُرشَّحة رئيسية لحزب الشعب الأوروبي في انتخابات الاتحاد الأوروبي التي جرت الأسبوع الماضي. ولتأمين فترة ولاية ثانية، تحتاج إلى إقناع قادة حكومة الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك «ميلوني»، بالترشُّح للمنصب الأعلى. وبعد ذلك، ستواجه تصويتًا في البرلمان الأوروبي، حيث تسعى للحصول على دعم مجموعات يمين الوسط والليبرالية ويمين الوسط، ولكنَّها تحتاج إلى دعم بعض الأحزاب الأخرى أيضًا للتأكُّد من فوزها.
أبقت «فون دير لاين» الباب مفتوحًا أمام حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المُتطرِّف الذي تتزعَّمه «ميلوني» ومجموعة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" (ECR) في برلمان الاتحاد الأوروبي عند مناقشة كيفية ضمان الدَّعم لترشيحها. حتى أنها وصفت «ميلوني» بأنها "مُؤيِّدة لسيادة القانون" في مناظرة انتخابية كبرى في مايو.
الجدير بالتذكير أن البرلمان الأوروبي حدَّد يوم 18 يوليو أن يكون اليوم الذي يمكن أن يصوت فيه المشرِّعون لانتخاب الرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية، لكنه قد ينتقل أيضًا إلى الجلسة العامة المقررة في سبتمبر إذا لزم الأمر.
سيادة القانون في إيطاليا نحو الانزلاق
تزيد الدول الغربية الأكثر دفاعا عن الحقوق المدنية ضغوطها على إيطاليا بسبب تدهور حرية وسائل الإعلام وكذلك وتقييد حرية المثليين جنسيا وهشاشة حقوق المرأة في ظل حكومة «ميلوني» اليمينية المتطرفة. وانتقد الاتحاد الأوروبي والشركاء الدوليون، بما في ذلك رئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو» في قمة مجموعة السبع العام الماضي، التحرُّكات التي اتَّخذتها الحكومة لتغيير قواعد الوصاية القانونية على الآباء المثليين. كما كشفت قمَّة مجموعة السبع هذا العام عن جدل جديد حول قيام حكومة «ميلوني» بإزالة الإشارة إلى عمليات الإجهاض "الآمنة والقانونية" من الإعلان النهائي.