وبعد سنوات من أسعار الفائدة الصفرية، بدأ المصرف المركزي الأوروبي في زيادتها في صيف عام 2022، لمواجهة الزيادة القوية للغاية في الأسعار الناجمة عن أزمة الطاقة بعد بدء الحرب في أوكرانيا وبعض العواقب الاقتصادية للوباء، عندما كان الاقتصاد ينمو بمعدل مرتفع للغاية مقارنة بالطاقة الإنتاجية: منذ ذلك الحين، زادت هذه المعدَّلات بمقدار 4 نقاط مئوية في وقت قصير للغاية، ومنذ سبتمبر، ظلَّت عند أعلى مستوياتها على الإطلاق.
اليوم في منطقة اليورو، يبدو أن مشكلة التضخُّم قد حُلَّت إلى حَدٍّ ما، وقد عاد النمو الاقتصادي إلى طبيعته وكان في الواقع متواضعًا للغاية منذ العام الماضي: باختصار، كان من المؤكَّد عمليًا لبعض الوقت أنَّ البنك المركزي الأوروبي سوف يتخذ قرارًا بشأن خفض واحد أو أكثر لأسعار الفائدة بحلول نهاية العام. لكنَّ الأمر الأقل تأكيدًا هو أنه رُبَّما كان سيفعل ذلك قبل 2نظام الاحتياطي الفيدرالي": كانت الولايات المتحدة قد بدأت عملية زيادة أسعار الفائدة في وقت مبكِّرٍ جدًّا، وحتَّى الصيف الماضي بدت وكأنَّها قطعت شوطًا طويلًا في حل مشكلة ارتفاع الأسعار، ولكن منذ ذلك الحين أصبح انخفاض التضخُّم غير متَّسقٍ. والذي، جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد الذي يعمل بشكل جيِّدٍ للغاية ويُحطِّم الأرقام القياسية تِلو الأُخرى، ظلَّ لعدَّة أشهر يدفع اللحظة التي ستتوفَّر فيها الظروف لإعلان "نظام الاحتياطي الفيدرالي" عن خفض سعر الفائدة بشكل أكبر وأكثر للأمام في الوقت المناسب.
وفي شهر أبريل في منطقة اليورو، ارتفعت الأسعار بنسبة 2.4 بالمائة مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي، وهو رقمُُ مستقرُُ مقارنة بالشهر السابق. وفي الولايات المتحدة، بلغ معدل التضخم %3،4، وهو ما يُمثِّل انخفاضًا طفيفًا مقارنة بالشهر السابق، لكنَّه ارتفع في حينه. وفي منطقة اليورو، يقترب التضخُّم من هدف البنك المركزي الأوروبي، الذي يحاول دائمًا، بموجب القانون، الحفاظ عليه عند مستوى %2 تقريبًا. ولدى الولايات المتَّحدة أيضًا الهدف نفسه، ولكنها تتَّبع أيضًا، جنبًا إلى جنب مع الاتِّجاه العام للأسعار، اتِّجاه البطالة. ومن الواضح أن منطقة اليورو أقرب إلى الهدف من الولايات المتَّحدة، وليس من المستبعَد أن يعلن البنك المركزي الأوروبي عن خفض أسعار الفائدة في وقت مُبكِّر من اجتماع يوم الخميس. ولطالما قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، «كريستين لاغَارد»، ومسؤولون أخرون في البنك المركزي الأوروبي إنَّه من المتوقَّع إجراء تخفيض واحد أو أكثر بحلول نهاية هذا العام.
تمامًا كما حدث عندما بدأت مشكلة ارتفاع الأسعار، عندما كان لدى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو نوعان مختلفان تمامًا من التضخُّم، أحدهما مدفوع باقتصاد كان أداءه جيدًا للغاية والأخر مدفوعًا بنمو أسعار الطاقة، وحتَّى اليوم تجد الاقتصادات المعنية نفسها في لحظات مختلفة تمامًا. في الولايات المتحدة، كان الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقيس مقدار الدخل الذي تنتجه الدولة، ينمو بوتيرة سريعة للغاية لبعض الوقت: في الربع الأول من هذا العام نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.4 في المائة مقارنة بالربع نفسه من العام السابق، وبلغت البطالة أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 3.9 في المائة.
يشير هذا إلى أن الاقتصاد في الولايات المتحدة لم يعد بعد إلى طبيعته بعد الوباء، وأنه لا تزال هناك احتمالات بأن كل تلك الديناميكيات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار لم يتم استنفادها: وببساطة، إذا نما الاقتصاد كثيرًا، فإن الشركات التوظيف، وزيادة الأجور، ويستفيد العُمَّال من ارتفاع الدَّخل، وزيادة الاستهلاك، وفي النهاية ترتفع الأسعار أيضًا.
بل على العكس من ذلك، فقد اقتربت منطقة اليورو من الركود في العام الماضي، كما فعلت ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي والتي كانت تُعرف ذات يوم بأنَّها "قاطرة أوروبا". ففي الربع الأول من العام، نما الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0.3 في المائة، بعد خمسة أرباع من الركود الكبير الذي انتقل فيه من مستوى أعلى بقليل إلى ما دون الصفر بقليل، كما تقلُّص قطاع التصنيع والصناعة.
ولذلك تأثَّر الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير من جرَّاء الزيادة في أسعار الفائدة، والتي أدَّت على سبيل المثال إلى تباطؤ مبيعات العقارات من خلال زيادة تكلفة الرَّهن العقاري، أو التي أوقفت الاستثمارات لأنَّ الاستدانة كانت أكثر تكلفة. ولكنها تأثَّرت أيضًا بالمناخ العام من عدم اليقين المرتبط بالحرب في أوكرانيا، والتي غيَّرت سوق الطاقة هيكليًا على أيَّة حال، ممَّا جعلها أكثر تكلفة مما كانت عليه من قبل، والحرب في قطاع غزة، التي أدَّت إلى تعقيد كافَّة العلاقات مع الشرق الأوسط بشكل كبير.
ويكمن خطر عدم خفض أسعار الفائدة في أن الأمور قد تسوء أكثر. ولكن حتَّى لو جرى الإعلان عن التخفيض، فإنَّ المعدلات ستظلُّ مرتفعة: الآن تتراوح المعدَّلات المرجعية الثلاثة بين %4 و4.5، ويتوقع أغلب المحلِّلين أنه من الناحية الواقعية سيتم تخفيضها بمقدار 0.5 نقطة مئوية فقط. ولذلك فإنها ستبقى عند مستوى لا يزال الاقتصاديون يعتبرونه "مقيدًا"، أي أنَّها لن تُمثِّل حافزًا لنمو الاقتصاد.