ويحكم «مايلي» حتَّى الآن باستخدام أداة المراسيم الرئاسية ونفَّذ سلسلة من التخفيضات في الميزانية العامة والسياسات الاقتصادية بهدف استعادة مالية الدَّولة والحدِّ من التضخُّمِ. لكن مشروعي الإصلاح الأكثر هيكلية، القانون الجامع وقانون القواعد، لم يجدا الدَّعم في البرلمان. جرى سحب الأوَّل، أما الثَّاني فهو قيد المناقشة حاليًا في مجلس الشيوخ (سيتعيَّن بعد ذلك العودة إلى مجلس النوَّاب): إنَّ موافقتها موضع شَكٍّ ولن تحدثَ بأيِّ حالٍ من الأحوال في وقتٍ قصيرٍ.
وللرَدِّ على هذه الصعوبات في العلاقات مع البرلمان، استبدل «مايلي» الأسبوع الماضي كبير موظفيه «نيكولاس بوصِّي» (Nicolás Posse)، وهو مهندس من القطاع الخاص ليس لديه خبرة سياسية سابقة، بِـ «غييرمو فرانكوس» (Guillermo Francos)، البالغ من العمر 74 عاما، والذي لديه بدلا من ذلك مشوار سياسي طويل، والذي كان فعلا وزير الداخلية. إنَّه تغيير مُهمُُّ بشكل خاص في الاتِّجاه السياسي: لقد كان «بوصِّي» حاسمًا في حملته الانتخابية، ويبدو أن السلطات الأكبر الممنوحة لـ «فرانكوس» تشير إلى استعداد أكبر للتصالح مع الأحزاب التقليدية، التي وعدت «مايلي» خلال الحملة الانتخابية بـ « أرسل إلى المنزل».
«مايلي»، الذي يُعرِّف نفسَه بأنَّه رأسمالي لاسلطوي والذي انتُخب ببرنامج جِذري لتجديد الاقتصاد والمجتمع الأرجنتيني، أقام علاقة متضاربة للغاية مع البرلمانيين المنتخَبين في الأشهر الأخيرة: حتَّى أولئك الأكثر استعدادًا للتسوية تعرَّضوا للهجوم والإهانة من قبل الرئيس، الذي نفَّذ خطابًا شعبويًا عن الانفصال التَّام عن بقيَّة العالم السياسي الأرجنتيني، وهو نفس الخطاب الذي قاده إلى انتخابات غير متوقَّعة في ديسمبر 2023 ردًّا على الأزمة الاقتصادية التي استمرت لسنوات.
وعلى الرغم من الدعم الذي تحظى به حكومته من ائتلاف يمين الوسط "جميعًا من أجل التغيير" (الذي يضم أيضًا بعض الوزراء)، فقد تسبَّب هذا الصراع التَّام مع العالم السياسي في غياب كامل للنتائج على المستوى التشريعي. وانتُخب «ميلي» بنسبة 56 بالمئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لكن تم تخصيص مقاعد مجلسي النوَّاب والشيوخ بحسب نتائج الجولة الأولى ويُمثِّل حزبه 38 نائبا فقط من أصل 257 في مجلس النوَّاب و7 أعضاء في مجلس الشيوخ من أصل 72 في مجلس الشيوخ.
القانون الأول الذي قدَّمه «مايلي»، القانون الجامع، احتوى على أكثر من 660 مادَّة وجرى تقديمُه باعتباره السبيل الوحيد للتغلُّب على الأزمة الاقتصادية الخطيرة للغاية التي تعيشها الأرجنتين منذ عدة سنوات. لقد تصوَّر إصلاحات متنوِّعة ومتنازَع عليها للغاية، والتي لم تتعلَّق بالمجال الاقتصادي حصريًا: إصلاح انتخابي مُهِمُُّ، وخصخصة نحو أربعين شركة حكومية، وتشديد العقوبات على أولئك الذين يُنظِّمون مظاهرات غير مُرخَّصة، ونقل السلطات مؤقَّتًا من البرلمان إلى الرئيس لأسباب "الطوارئ العامة". لم يجد أبدًا أغلبية مستعدَّة لدعمه وجرى استبدالُه بنسخة مختصرة، لكنَّها لا تزال تتكوَّن من أكثر من 230 مادَّة، القانون الأساسي: كما أدَّى حجم وجذرية الإصلاحات المقترَحَة إلى تعقيد عملية الموافقة على هذا الإصلاح، الذي جرى إقرارُهُ حاليًا في مجلس النوَّاب، ولكن جرى تعديلُه وهو قيد المناقشة في مجلس الشيوخ.