الجامعات الأمريكية تتحوّل إلى سجون "حرية التعبير" وقمع الطلاب عندما تُنتَقَد السياسة الصهيونية - الإيطالية نيوز

الجامعات الأمريكية تتحوّل إلى سجون "حرية التعبير" وقمع الطلاب عندما تُنتَقَد السياسة الصهيونية

 الإيطالية نيوز، الخميس 2 مايو 2024 - رُبَّما تكون الاحتجاجاتُ ضدَّ الحرب في غَزَّة، والتي اندلعت في العديد من الجامعات الأمريكية لأسابيع، هي الأكثر انتشارًا وأهميَّةً منذ احتجاجات عام 1968 ضدَّ الحرب في فيتنام، وتُخلِّف عواقب وخيمة على الأوساط الأكاديمية والسياسة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي مواجهة انتشار الاحتجاجات، التي نمت بأشكال مُختلفة في العشرات من الجامعات، تبنَّت إدارات الجامعات أساليب مختلفة للغاية: بعضها أكثر قَسوةً والبعض الأخر أكثر تَساهلًُا، ولكنها غير ناجحة في كثير من الأحيان.


تُظهِر المشاكلُ في إدارة الاحتجاجات الصعوباتِ التي تواجهها المؤسَّسات الكبيرة مثل الجامعات الأمريكية، التي يجب أن تُحافظَ على حقوقِ الطُلَّاب (الحق في التعبير عن أنفسهم والتظاهر بحُرِّية، ولكن أيضًا الحق في الدراسة من دون التعرُّض للمضايقات والعوائق والتهديدات بالفصل، وبالتالي تدمير المستقبل) ولكن يجب عليها أيضًا ضمانُ مصالح مختلف أصحاب المصلحة، وليس جَميعُهم مرتبطين بالعالم الأكاديمي، ولكن بالعالم الاقتصادي، "الاقتصادُ القذِر".


وقد اتَّخذت بعض إدارات الجامعات نهجًا أكثرَ تساهُلاً. هذا هو حال "جامعة كاليفورنيا" في لوس أنجلوس التي قرَّرت حتَّى بضعة أيَّام، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، عدم التدخُّل في الاحتجاجات التي بدأت في حرمها الجامعي. وكانت الإدارة مُقتنعةً بأنَّ اتِّباع نهج متسامح من شأنه أن يسهم في الحوار والحفاظ على الأنشطة الطلَّابية سلميةً وهادئةً. لكن في ليلة الثلاثاء والأربعاء، بدأت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين المؤيِّدين لفلسطين وأخرين مُستفزين مؤيِّدين لإسرائيل في حرم جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والتي شارك فيها العديد من الأَشخاص الذين ليسوا جزءًا من الهيئة الطلَّابية. واستدعت الإدارة الشرطة وعطَّلت الفصول الدراسية، وأصبحت موضعَ جدلٍ كبيرٍ حول طريقة تعاملها مع الوضع.


وقد حَدَثَ استخدام أساليب مختلفة في جامعة كولومبيا في نيويورك، وهي إحدى الجامعات الأمريكية العظيمة الأخرى، حيث طلبت رئيسة الجامعة ء «نعمت شفيق»، وهي مسلمة من أصول مصرية موالية للحركة الصهيونية - في أكثر من مناسبة - تدخُّل الشرطة لإخلاء معسكرات المتظاهرين، الذين اعتُقلوا بالعشرات. حدثت عملية الإخلاء الأخيرة، وهي عملية إخلاء كبيرة بشكل خاص، بعد أن احتل بعض الطلاب مبنى جامعيًا. لكن في كل مرة كان المتظاهرون يعودون.


وقد تبنَّت جامعات مختلفة هذا النهج المتمثل في عمليات الإخلاء المتكرِّرة: في الآونة الأخيرة، في "كلية مدينة نيويورك"، و"جامعة تولين" في "نيو أورليانز"، و"جامعة ويسكونسن"، و"جامعة يوتا"، وما إلى ذلك. ووفقًا لتقديرات صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد أُلقي القبض على نحو 1600 شخص في احتجاجات في الجامعات منذ منتصف إبريل (مع إطلاق سراح جميعهم تقريباً بعد ذلك بوقت قصير).


على أية حال، لم تنجح عمليات الإخلاء في قمع الاحتجاجات، بل إنَّها في كثير من الأحيان ألحقت الضرر بالإدارات من ناحية، وعززت الإرادة في تأكيد حق من حقوق الإنسان على أرض الواقع كما يضمنه الدستور، بالأخص في الأماكن التي يُدرَّس فيها حقوق الإنسان وتنطلق منها الدعوات بشأن احترامها.


على سبيل المثال، تعرضت «نعمت شفيق»، رئيسة جامعة كولومبيا، والتي تُعَدُّ إلى حد بعيد أكثر قادة الجامعات تَعرُّضًا للخطر في هذه الفترة، لانتقادات من اليسار، لأنَّها اتصلت بالشرطة ضِدَّ الطُلَّاب الذين كانوا يَحتجُّون بطريقة سلمية. وعلى نقيض اليسار، ادَّعى اليمين المظاهرات خرجت عن مسارها الأصلي باتَّخاذ المتظاهرين، الذين يُعرِّفونهم بـ "مجموعة أقلية من الطلاب"، في بعض الحالات لهجة معادية للسامية، ما سبَّب مشاكلا للجميع: حرم جامعة كولومبيا مغلقُُ حاليًا أمام الجميع باستثناء الطُلَّاب الذين يعيشون هناك. بالإضافة إلى ذلك، أوقفت جامعات أخرى مختلفة الدراسة مؤقَّتًا، أو غيَّرت تقويماتها الأكاديمية، أو أغلقت المكتبات والمباني الإدارية الأخرى في أعقاب الاحتجاجات.


كل هذه الإجراءات التقييدية، ذات الخلفية القمعية، تُوضِّح هذا مدى صعوبة التنقُّل بين حقَّين مختلفين من حقوق الطُلَّاب: من ناحية الاحتجاج والتظاهر والتعبير بحرية عن أفكارك؛ ومن ناحية أخرى، رغبة الجسم الطلابي بأكمله في أن يتمكَّن من الالتحاق بالجامعة من دون انقطاع أو مشاكل.


والجامعات التي تمكَّنت من إيجاد توليفة هي تلك التي تفاوضت مع مُمثِّلي المتظاهرين، بل وقدَّمت تنازلات في بعض الحالات: وهذا هو حال "جامعة براون"، في ولاية "رود آيلاند"، حيث قام المتظاهرون بتسريح معسكرهم وذلك بعد الاتِّفاق مع الإدارة التي وافقت على مناقشة طلباتهم.


لكن الأمر ليس سهلاً دائمًا. إن كل إدارات الجامعات تقريباً تتحدث وتتفاوض مع المحتجين: ففي "جامعة كولومبيا"، استمرَّت المفاوضات لمدة عشرة أيام تقريباً، ولكن حتى الآن كان من المستحيل التوصل إلى اتفاق، بالأخص عندما يتعلق الموضوع بقطع العلاقات مع إسرئيل بشأن تطوير أسلحتها في المختبرات التابعة للجامعة ومنع جميع استثماراتها الهادفة للربح في إسرائيل، فضلاً عن التبادلات الأكاديمية مع جامعة تل أبيب.


بالنسبة لإدارة الجامعة، فإنَّ العديد من هذه الطلبات غير مقبولة، لأسباب مبدئية (أعلنت الإدارة أنها غير مستعدة لقطع العلاقات مع جامعة أخرى لمجرَّد أنَّها إسرائيلية) ولأسباب اقتصادية: إن الجامعات الأمريكية هي في الواقع شركات كبيرة وثرية، تدير استراتيجيات استثمارية مالية مُعقَّدة، وبالنسبة للكثيرين، فإنَّ منع الاستثمارات في إسرائيل سيكون أمرًا مُعقَّدًا ومشكوكًا فيه من الناحية الأخلاقية.


ولهذا السبب أيضًا، تؤدِّي القضية الاقتصادية إلى زيادة تعقيد إدارة الاحتجاجات: يجب على الجامعات ليس فقط الاستجابة للطلَّاب والأساتذة، ولكن أيضًا للمستثمرين والمستشارين الماليين والجهات المانِحة. كما أنَّهم يعانون من ضغوط سياسية كبيرة، كما رأينا في الأشهر الأخيرة عندما اضطرت عميدة جامعة هارفارد إلى الاستقالة لأنَّها اتُهمت في البداية بعدم مكافحة معاداة السامية بالقدر الكافي في حرمها الجامعي.