لماذا يُعتبُر الدِّفاعُ عن إسرائيل مُهمًا جدًا بالنسبة لألمانيا "مصلحة وطنية"؟ - الإيطالية نيوز

لماذا يُعتبُر الدِّفاعُ عن إسرائيل مُهمًا جدًا بالنسبة لألمانيا "مصلحة وطنية"؟

الإيطالية نيوز، الأربعاء 10 أبريل 2024 - بدأت الإجراءات يوم الإثنين، 8 أبريل، في محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة في الأمم المتحدة، التي رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا، المُتَّهمة بمساعدة إسرائيل على تنفيذ إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال بيع الأسلحة والمعدات العسكرية.


في اليوم التالي، أي يوم الثلاثاء، قدَّمت ألمانيا حُججَها الدفاعية، التي حاولت من ناحية دَفع الاتهامات من حيث الموضوع، ولكن من ناحية أخرى قدَّمت أيضًا الدعم الألماني لإسرائيل باعتباره كَـ "مُهمَّة" تتجاوز السياسة: قالت «تانيا فون أوسلار-غليشن» (Tania von Uslar-Gleichen)، إحدى المحاميات المدافعات عن البلاد أمام المحكمة: "تاريخُنا هو السبب وراء وضع أمن إسرائيل في قلب السياسة الخارجية الألمانية".


وَتُعَدُّ ألمانيا ثاني أكبر مُوَرِّد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. ووفقًا لبيانات من "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" (SIPRI)، فقد زوَّدت ألمانيا في العقد الماضي (2013-2023) %29.7 من الأسلحة التي اشترتها إسرائيل. المُورِّد الأول (%65.6) هو الولايات المتَّحدة؛ والثالثة هي إيطاليا بنسبة %4.7 من المبيعات.


ووفقاً لهذا الاتهام، فإنَّ ألمانيا "تُسهِّل الإبادة الجماعية" من خلال إرسال مُعِدَّات عسكرية وتعليق التمويل للأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (ألمانيا، في الواقع، بعد التعليق الكامل، استأنفت مساعداتها للأونروا، ولكن فقط للمناطق الواقعة خارج حدود قطاع غزة، بعد اتِّهام عدد قليل من موظَّفي الأونروا بأنَّهم جزءُُ من حماس).


واتَّهمت نيكاراغوا - التي طالما دعمت القضية الفلسطينية بسبب الروابط التاريخية بين الجماعات الساندينية التي تتولَّى الحكم حاليا في البلاد وفصائل الكفاح المسلح الفلسطينية - ألمانيا بانتهاك كل من ما يُسمَّى باتفاقية الإبادة الجماعية، وهي معاهدة دولية أقرَّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، واتفاقيات جنيف، أي المعاهدات الدولية التي يرتكز عليها القانون الدولي الإنساني.  وطلب الادِّعاء من المحكمة فرض إجراء ات طارئة ضد ألمانيا لمنعها من مواصلة تزويد إسرائيل بالأسلحة. ومن المقرَّر أن يصل القرار بشأن إجراءات الطوارئ (التي تختلف عن الحكم النهائي) في غضون أسابيع قليلة.


يعتمد الدفاع الألماني على عنصرين رئيسيين: الأول كان محاولة ردِّ اتهامات نيكاراغوا على الفور، بحجة أن مبيعات الأسلحة لإسرائيل، منذ بداية الحرب، كانت تتعلَّق بشكل شبه حصري بالمعدات العسكرية والأسلحة الدفاعية غير الفتَّاكة. وقال «كريستيان تامس» (Christian Tams)، وهو محامٍ ألماني أخر، إن %98 من صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023 تضمنَّت مُعدَّات عامة مثل السُتُرات والخوذات والمناظير. جرى تصدير الأسلحة في أربع حالات فقط، لكن في ثلاث منها كانت أسلحة غير قابلة للاستخدام في القتال ومُخصَّصة للتدريبات.


علاوة على ذلك، مرًّة أُخرى وفقًا للدِّفاع، كانت ألمانيا في عام 2024 واحدة من الجهات المانحة الرئيسية للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، على الرغم من انقطاع التمويل للأونروا جزئيًا.


أمَّا العنصر الثاني في الدِّفاع الألماني فيتعلَّقُ بحقيقة أنَّ ألمانيا ترى أنَّه من واجبها التاريخي، بعد المِحرقة، دعم دولة إسرائيل، مع البقاء ملتزِمة بالقانون الدولي. بالنسبة لألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح دعم إسرائيل بمثابة "Staatsräson"، وهي كلمة يمكن ترجمتها إلى "مصلحة وطنية".


يُعدُّ هذا الدعم أحد العناصر الأساسية للسياسة الخارجية، وفي بعض النواحي أيضًا للهويَّة الألمانية الحديثة. في حين أنَّ القضية الإسرائيلية الفلسطينية غالبًا ما تأخذ في الغرب دلالات سياسية، حيث يميل اليسار إلى التماهى أكثر مع مواقف القضية الفلسطينية، فإن الدَّعم لإسرائيل في ألمانيا يكون عرضيًا: إن إعادة صياغة الذنب الألماني الجماعي في إبادة اليهود تعني أن اليسار الألماني اليوم، على المستوى المؤسسي والسياسي، ولكن ليس فقط، متحالف بشكل أكثر وضوحًا في الدفاع عن إسرائيل مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.


فقط في الأشهر الأخيرة، ارتفع عدد القتلى برصاص الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة (أكثر من 33 ألفاً)، (بحسب وزارة الصحة في القطاع) ومع ارتفاع مستوى المعاناة التي يتعرَّض لها الفلسطينيون، بدأ الرأي العام يتبنَّى وجهات نظر أكثر شدَّة اتجاه إسرائيل: في استطلاع للرأي أجري في شهر مارس، قال نحو %70 من السكَّان إن العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع غير مبررة.


وقضية نيكاراغوا ضد ألمانيا هي القضية الثالثة التي ترفع ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية منذ بداية العام. ومنذ يناير، تنظر المحكمة في شكوى مقدمة من جنوب أفريقيا مفادها أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وفي فبراير بدأت الاستماع إلى قضية أخرى تتعلَّق بالعواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية. ولا يزال من المتوقَّع صدور الأحكام خلال أشهر، إن لم يكن سنوات.