وكان الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أعلن عن ضمِّ منطقة "دونييتسك" بأكملها إلى الاتحاد الرُّوسي من جانب واحد في عام 2022، لكن قوَّاته فشلت حتى الآن في طرد الأوكرانيين بالكامل. إن الاستيلاء على "تشاسيف يار" وموقعها الاستراتيجي يمكن أن يُغيِّر هذا الوضع.
وقبل أيام قليلة، قال الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» إنَّ «بوتين» سيأمر جنرالاته باحتلالها بحلول التاسع من مايو، ذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية. وتقول القيادة الأوكرانية في المنطقة إنَّ الرُّوس حشدوا أكثر من 20 ألف جندي لمحاولة احتلالها. ويقول رئيس الاستخبارات العسكرية، «كيريلو بودانوف»، إنَّه اعتبارًا من منتصف مايو فصاعدًا، سيُصبح الوضع صعبًا للغاية هنالعدة أسباب: من ناحية، بسبب النقص في الرجال الناجم عن وفاة الكثير منهم أثناء القتال، والنقص في الكفاءة بسبب التدريب غير الكامل للمجندين الجدد الملتحقين بالجبهة، ومن ناحية أخرى، بسبب انشغال العالم الغربي بالحرب الدائرة في الشرق الأوسط، ما سمح للروس بالتقدم السريع واحتلال المزيد من أراضي وبسط نفوذهم عليها، ثم بسبب الطائرات المسيَّرة الانتحارية التي لا تنفذ. علاوة على ذلك، معظم مقاتلينا يعانون من عدة أمراض بدءًا من "دوالي الأوردة" وحتى مشاكل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والإدمان على الكحول. وفي الخطوط الأمامية، نادراً ما يحصل الجنود المصابون بأمراض مزمنة على أدويتهم. عندما يصلون إلى هنا، علينا أن نُفكّر في إصاباتهم، وفي بقية أمراضهم".
حاولت القوات المسلحة الأوكرانية معالجة هذه المشكلة عن طريق إرسال الأفراد الأكثر لياقة بدنية إلى الجبهة فقط والإبقاء على الأكبر سناً والأكثر مرضًا في الخطوط الثانية - تشير التقديرات إلى أن ثلث العدد الإجمالي للأوكرانيين المسلَّحين موجودون على الخطوط الأمامية فقط، وهي نسبة طبيعية في الجيش الحديث. ولكن بعد فشل الهجوم المضاد في صيف العام الماضي، أصبح وضع القوات المسلحة الأوكرانية صعبًا بشكل متزايد، واليوم يخاطر أي شخص بأن ينتهي به الأمر على خط المواجهة.
من جهتها، حاولت الحكومة الأوكرانية منذ فترة طويلة حماية الشباب من آثار الحرب، وحاولت قدر الإمكان إبقائهم في وحدات بعيدة عن الخطوط الأمامية. جيل الأشخاص الذين يبلغون من العمر 20 عامًا هو أصغر فئة عمرية بين جميع السكان الأوكرانيين. ويخشى الخبراء من أن خسارة عدد كبير منهم سيعني كارثة ديمغرافية للبلاد التي فقدت منذ الاستقلال 15 مليون نسمة بسبب الهجرة وتراجع معدلات المواليد.
ولم يوافق «زيلينسكي» على خفض السن التي يمكن فيها تعبئة الفرد من 27 إلى 25 عاما إلا في مواجهة وضع متزايد الخطورة على الأرض. وعلى الرغم من قوانين التجنيد الجديدة، التي جرت الموافقة عليها في أوائل أبريل، إلَّا أنَّ غالبية المجنَّدين الجدد لا يزالون في الوقت الحالي أكبر من 40 عامًا، وأحيانًا أكثر من 50 عامًا. هذا هو متوسِّط عمر المجموعات المكوَّنة من نحو عشرين جنديًا يتناوبون في ميدان "شاسيف يار". وجوه العديد منهم تدلُّ على الخيبة وعدم الرضى، ويبدو أن الرقيب المسؤول عن التدريب يجب أن يشرح لهم أساسيات كيفية حمل بنادق الخاصة بهم.
ويتطلب القانون الأوكراني منح المجنَّدين الجدد تدريبًا لمدة تزيد عن شهر قبل الذهاب إلى الخطوط الأمامية، ولكن مع متطلبات الحرب، ليس من الممكن دائمًا منحهم أكثر من بضعة أسابيع من الإعداد. ووفقاً لرقيب، يجب تخفيض سن التعبئة إلى 21 عاماً إذا كانت البلاد تريد مواصلة القتال. وهي فكرة لا تحظى بشعبية كبيرة في أوكرانيا، ولكنَّها فكرة تكتسب المزيد من الأرض بين بعض شرائح الرأي العام.
في تعليقه على هذا الاقتراح، قال «تاراس شموت»، الناشط ورئيس مؤسسة كومي باچك إليڢي"، المؤسسة الرئيسية التي تتعامل مع التبرُّعات للقوات المسلَّحة، قبل أيام قليلة إنه إذا تم تخفيض سن التجنيد إلى 20 عامًا وتبنَّت القوات المسلَّحة الأوكرانية استراتيجية دفاعية إجمالية، فإن يمكن أن تستمر البلاد في القتال لمدة "2-5 سنوات" على الأقل.
وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بالمقابلة، كتب «شموت»: “نحن بحاجة إلى البدء في النظر في الواقع – الواقع المحزن والمؤسف – بأننا لا ننتصر في هذه الحرب”. وقد أثار تقييم «شموت» المتشائم العديد من المناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام الأوكرانية، طغت عليها جزئياً موجة التفاؤل المؤقَّت التي جلبتها موافقة "الكونغرس" على المساعدات الأمريكية الجديدة يوم السبت الماضي. وبعد الحماس الأولي، تحوَّل الحديث إلى الخوف من عدم وصول هذه المساعدات الجديدة في الوقت المناسب لإنقاذ الجبهة من كارثة جديدة.