الإيطالية نيوز، الأربعاء 24 أبريل 2024 - هذه هي اللَّحظة التي يأمل أغلب زعماء أوروبا ألَّا يرونها أبداً . التاريخ هو 7 نوفمبر 2024، أي بعد يومين من فوز «دونالد ترامب» على «جو بايدن» في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد أعلن الرئيس السابق بالفعل أنه سيجبر أوكرانيا على إبرام اتِّفاق سلام مع روسيا والتنازل عن أراضي الأوكرانية المتنازع عليها للكرملين، التي ادَّعى «ترامب» أنها تخص الروس.
اجتمع زعماء القارَّة في "بودابست" لحضور اجتماع للجماعة السياسية الأوروبية، وهم يحدقون في نهر الدانوب المهيب وهم يفكرون في أمر واحد فقط: كيف ينبغي لهم أن يتفاعلوا؟ هل يُمكنهم مضاعفة جهودهم في مواجهة معارضة «ترامب» وإعطاء كييف في النهاية كل ما يَلزَم؟ كما يتجادل مجموعة من القادة المتجمعين حول الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون». فهل يتعيَّن عليهم أن يتَّبعوا خطى رئيس الوزراء المجري «فيكْتُور أُورْبان» ويُرحِّبوا بمبادرة «ترامب» لإنهاء الحرب؟ أليس من الأفضل العمل مع واشنطن والمساعدة في صياغة الاتِّفاق، كما يقول الوفدان الألماني والإيطالي باستمرار؟ والأهم من ذلك، كيف يُمكن لقادة القارَّة أن يمنعوا التحوُّل الحاد في السياسة الخارجية الأميركية من التسبُّب في انفصال بلدانهم؟.
إنَّ عودة «ترامب» إلى البيت الأبيض ليست بالأمر المؤكَّد، ولكن الاحتمال يُرغم زعماء أوروبا على التفكير في مثل هذه السيناريوهات، والتعامُل مع الأسئلة التي تنطوي عليها. ومع ارتفاع وتيرة الدورة الانتخابية الأمريكية، أصبح المسؤولون في جميع أنحاء القارة صريحين بشكل متزايد بشأن الآثار المترتِّبة على رئاسة «ترامب» الثانية المحتمَلة.
إنّ عودة نجم تلفزيون الواقع السابق إلى السلطة لن تكون فقط الاختبار الأكبر للعلاقات عبر الأطلسي في تاريخ ما بعد الحرب؛ يمكن أن تُشكِّل خطرًا وجوديًا على الوحدة الأوروبية، حيث أنَّ التوتُّرات حول كيفية العمل مع أقوى دولة في العالم تُفرِّق القارة حول قضايا تتراوح من السياسة التجارية إلى مكافحة تغيُّر المناخ إلى الدفاع عن الأراضي الأوروبية.
في هذا الصدد، قال أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، الذي فضّّل عدم الكشف عن هويته، مثل الأخرين في هذه القصة، لمناقشة نتيجة الانتخابات في دولة خارج الاتحاد الأوروبي: "الناس في بروكسل يستعدُّون بالفعل لما يُمكن أن يحدث".
لقد نجت أوروبا من رئاسة «ترامب» الأولى بالطبع، ولكن توجد كلُّ الدلائل على أنَّ الأمور هذه المرة ستكون أصعب، حيث تعمل حربان قريبتان وأزمة الطاقة المستمرَّة على زيادة الضغوط على القارَّة. فبعد عودته إلى منصبه بعد عزله مرَّتين ومجموعة من الملاحقات القضائية المدنية والجنائية، من غير المرجَّح أن يشعر «ترامب» بالحاجة إلى تهدئة دوافعه أو إحاطة نفسه بمسؤولين يحثُّون على الاعتدال بشكل حاسم، في حين كان من الممكن رفض ولاية «ترامب» الأولى باعتبارها انحرافا ــ عاصفة جيوسياسية يمكن النجاة منها ــ فإنَّ عودته من شأنها أن تعزِّز التحوُّل في السياسة الخارجية الأميركية باعتبارها حقيقة لم يعد من الممكن تجاهلها. وهذا يتطلب من أوروبا ء والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ء أن تفعل شيئا أثبتت تاريخيا أنها غير مؤهَّلة للقيام به: اتِّخاذ قرار بشأن استجابة مشترَكَة والالتزام بها. وقد يؤدي الفشل في الاتفاق إلى تمزيق الكُتلة الأوروبية.
وقال «نيكولاي فون أوندرزا» (Nicolai von Ondarza)، الخبير في سياسة الاتِّحاد الأوروبِّي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو مركز أبحاث في مجال السياسة الخارجية يُقدِّم المشورة للحكومة الألمانية: “لا توجد قاعدة تلقائية مفادها أنَّ الأزمة ستؤدِّي إلى التكامل الأوروبي.” وأضاف: “توجد عقباتُُ كبيرةُُ يجب التغلُّب عليها لتحويل رئاسة «ترامب» الثانية إلى لحظة من الوحدة الأوروبية.”
نوايا ترامب اتجاه "الناتو"
قال شخصان مُطّلِعان على تفكير الرئيس السابق إن خُطَّة «ترامب» لأوكرانيا بدأت تتشكَّل بالفعل. وسيدفع «زيلينسكي» للتنازُل عن شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس لإقناع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بإنهاء الحرب، وهي خُطَّة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" لأول مرة.
والأمر الأَقلُّ وضوحًا هو نواياه اتجاه حلف شمال الأطلسي، التحالف الذي يضمن الأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقال الشخصان المُطَّلِعان على تفكير «ترامب» إنَّه وضع نَصْبَ عينيه تقليل المشاركة الأمريكية، ربَّما من خلال رفض حضور مؤتمرات القمَّة أو السماح للجيش الأمريكي بالمشاركة في التدريبات المشتركة.
ودفعت المخاوف بشأن ما قد يفعله «ترامب» الكونغرس الأمريكي إلى كتابة قانون يشترط موافقة المُشرِّعين على أي انسحاب أمريكي رسمي من التحالف. لكن هذا سيشكِّل عزاءً باردًا للأوروبيين الذين يعتمدون على متابعة «ترامب» فعليًاً لالتزامات واشنطن بموجب التحالف.
وقال «براد بومان» (Brad Bowman) من مؤسَّسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسَّسة بحثية مقرها واشنطن: "حقيقةُُ أنَّ الكونغرس شعر بالحاجة إلى القيام بذلك وأن الرئيس بايدن«» كان على استعداد للتَّوقيع عليه، تخبرك بوجود مخاوف حقيقية في واشنطن، وتخبرك بأنَّ الإطار الدستوري غير واضح عندما يتعلَّق الأمر بسلطته للقيام بذلك".
لن يحتاج «ترامب» إلى الانسحاب من التحالف لإنهائه بشكل فعَّال. وفي فبراير، شكَّك في التزام واشنطن بالمادة الخامسة من نصِّ الدِّفاع المشترَك لحلف شمال الأطلسي، والتي تتطلَّب من الحلفاء حشد الدعم إذا تعرَّض أحد أعضائها لهجوم، مُعلناً أنه "سيُشجِّع" روسيا على مهاجمة أعضاء "الناتو" الذين لم ينفقوا ما يكفي على "الدفاع".
على أية حال، لا تتطلَّب المادة الخامسة الدعم العسكري، بل تشترط فقط على عضو الناتو "اتِّخاذ الإجراءت التي يراها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرّض للهجوم". قال «بومان» إنَّ «ترامب» ببساطة قد "يرى أنه من الضروري إثارة المخاوف في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا كلُّ شيء، أو يُصدِرُ بيانًا أو يقول: يا «بوتين»، هذا ليس جيدًا. ينبغي عليك أن تخمد نار الحرب!."
إنَّ نضال الاتِّحاد الأوروبي من أجل صياغة استجابة مشترَكة لرئاسة «ترامب» واضح من رد فعله على غزو «بوتين» الواسع النطاق لأوكرانيا.
وبينما كانت القوات الروسية تتقدَّم نحو الغرب، اصطفَّ ساسة الاتحاد الأوروبي للمطالبة بإعادة التفكير بشكل عاجل في الأمن الأوروبي. مع إعلان ألمانيا ء العملاق العسكري الخامل في الكتلة ء حقبة جديدة في السياسة الدفاعية، تعهد القادة من جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي بتعزيز جيوشهم وتعزيز التعاون.