الهدف من هذا الإجراء هو في الأساس خفض الدين العام من خلال الأرباح الناتجة عن بيع أسهم لبريد الإيطالي التي تملكها الدولة. وهي جزء من خطَّة خَصخصة أوسع لبعض الشركات العامَّة التي يعتزم وزير الاقتصاد «جانكارلو جورجيتّي» (Giancarlo Giorgetti) ورئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» (Giorgia Meloni) الحصول على إجمالي نحو 20 مليار يورو بحلول عام 2026. رغم أنَّ الموافقة على مرسوم رئيس مجلس الوزراء بشأن البريد الإيطالي وصلت الآن إلى مرحلة مُتقدِّمة نوعا ما، إلَّا أنَّ، مع ذلك، الحكومة أظهرت في الأيَّام الأخيرة أنَّه ليس من الواضح بعد حجم خططها للربح من العملية، كما رفضت إعطاء مؤشِّرات دقيقة حول توقُّعات خفض الدَّيْن العام والفوائد المرتبطة به، التي يجب على وزارة الاقتصاد دفعها كل عام.
"البريد الإيطالي" هي شركة عامة تسيطر عليها الدولة بنسبة 64 في المائة من رأسمالها. وتمتلك وزارة الاقتصاد حاليا حصة مباشرة تبلغ 29،26 في المائة وحصة غير مباشرة تبلغ 35 في المائة من خلال شركة "صندوق الإيداع والقروض"، وهي الشركة العامة التي تدير المدَّخرات البريدية للإيطاليين والتي تُسيطر عليها الوزارة نفسها. حتى سنوات قليلة مضت، كانت وزارة الاقتصاد تحتفظ بأسهم أعلى بكثير في البريد الإيطالي. وفي عام 2015، كانت لا تزال تسيطر عليها بالكامل، لكن حكومة «ماتِّيو رينسي» (Matteo Renzi) قرَّرت بيع نحو 35 في المائة، وحصلت على ما يزيد قليلاً عن 3 مليارات يورو مما ساهم في خفض الدِّين العام (الدولة مُلزمَة بموجب القانون باستخدام الأموال من عمليات الخصخصة لتخفيف عبء الدُّيون). ثم، في عام 2016، قرَّرت الحكومة نفسها تحويل 35 بالمائة أخرى من رأس مال الشركة إلى "صندوق الإيداع والقروض": نظرًا لأنها تخضع لسيطرة الوزارة، فإن "صندوق الإيداع والقروض" مُلزَمة بموجب القانون باتِّباع توجيهاتها في إدارة أسهمها في الشركات الأخرى، كما هو الحال مع "البريد".
الآن ينصُّ مرسوم حكومة «ميلوني» على بيع المزيد من الأسهم، ولكن مع بند ينصُّ على أن مشاركة الدولة في رأس مال "البريد الإيطالي" يجب ألا تقلَّ عن 35 في المائة بشكل عام، بما في ذلك الأسهم المملوكة مباشرة من قبل وزارة الاقتصاد وتلك المملوكة بشكل غير مباشر من خلال شركة "صندوق الإيداع والقروض". من الناحية النظرية، يمكن لوزارة الاقتصاد بيع جميع أسهمها مع الاستمرار في ضمان سيطرة عامة كبيرة على "البريد الإيطالي" من خلال مشاركة "صندوق الإيداع والقروض".
في 27 مارس الماضي، تجنَّب الوزير «جورجيتّي»، أثناء شَرْح مُحتوى المَرسوم للجان "الميزانية" بمجلسي النواب والشيوخ، الإشارة بالضَّبط إلى توقُّعات الحكومة بشأن الإيرادات المتأتِّية من العملية. وأوضح «جورجيتّي» أنَّ الموارد "تعتمد على مقدار الحِصَّة التي تُطرح في السُّوق"، أي عدد الأسهم التي تُقرِّر الدَّولة خَصْخصَتَها: في الوقت الحالي، ليس من المعروف مقدار هذا المبلغ. وقال «جورجيتّي» إنَّه إذا حَدثَ بيع كامل الحصة المملوكة مباشرة لوزارة الاقتصاد، أي 29،6 في المائة، فإنَّ العائدات المحسوبة "على أساس أحدث بيانات السُّوق المتاحة يمكن أن تصل إلى نحو 4،4 مليار دولار". لكنها فرضية بعيدة إلى حد ما: يشير مسؤولو الوزارة إلى أنه سيتم طرح حصة أصغر في السوق.
ومع ذلك، لا يزال من الصعب تقدير النسبة الدقيقة التي توضح مدى الملاءمة المباشرة للعملية. تستفيد الدولة لأن وزارة الاقتصاد والمالية تكون قادرة على إصدار عدد أقلَّ من السَّندات الحكومية، أي أنَّها تقترض أقل لتمويل النَّفقات اللَّازمة لعمل الإدارات العامة، وبهذه الطريقة تُوفِّر من حيث نفقات الفائدة. في الواقع، تُحصِّل إيطاليا كل عام مئات المليارات من اليورو من الدُّيون لتشغيل الإدارة العامة: في عام 2024، تماشيًا مع ما حدَثَ بالفعل في عام 2023، تبلغ قيمة إصدارات السَّندات الحكومية نحو 360 مليار يورو، تُضاف إلى الدِّين العام الهائل المتراكِم بالفعل (2863 مليارًا في نهاية عام 2023، وفقًا لبنك إيطاليا). لسداد هذه النفقات الزائدة تنفق الدولة نحو 80 مليار يورو سنويًا على الفوائد: وهو رقم مرتفع جداً، ومن المتوقع بحسب توقعات وزارة الاقتصاد أن يرتفع أكثر من الآن وحتى عام 2026.
وبالتالي فإنَّ وجود ديون أقل يعني الاضطرار إلى دفع فوائد أقل. ووفقًا للحسابات التي قدَّمها الوزير «جورجيتِّي» في 27 مارس، فإنَّ هذا التوفير يكون "نحو 200 مليون سنويا". ومع ذلك، فإنَّ حساب مدى ملاءمة العملية المخطَّط لها مع "البريد الإيطالي" لا ينتهي عند هذا الحد. في الواقع، تقوم وزارة الاقتصاد كل عام بجمع أرباح من "البريد الإيطالي"، أي حِصَّة الأرباح التي تُوزِّعها الشركة على مساهميها بطريقة تتناسب مع مشاركتهم في رأس المال: باختصار، هي ما يجمعه المساهمون في نهاية العام، باعتبار أنهم يملكون جُزءًا من الشركة، من خلال أسهمهم. ومن خلال بيع جزء كبير من أسهمها في "البريد الإيطالي"، تحصل وزارة الاقتصاد على أرباح أقل.