وأرادت فرنسا وألمانيا أيضًا استغلال الفرصة لإثبات أنَّهما تغلَّبتا على الخلافات التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة بسبب النهج الجديد الذي اعتمده ماكرون، الذي أعرب عن مواقف أكثر تطرُّفًا نحو تأجيج نار الحرب، بالأخص فيما يتعلَّق بضرورة مساعدة أوكرانيا بكل الطُرق الممكنة: على سبيل المثال، اقترح «ماكرون» مؤخرا فكرة إرسال جنود غربيين إلى أوكرانيا، ورَوَّج لاتِّفاقية أمنية ثُنائية مُدَّتها عشر سنوات مع أوكرانيا (وافق عليها البرلمان الفرنسي لاحقًا)، وأظهر في خطابه للأمة موقفا عدونيًا مناهض لروسيا.
ومع تغيُّر كبير في النهج مقارنة بالمراحل الأولى من الحرب، التي بدأت في 24 فبراير 2022، يبدو أن «ماكرون» يُقدِّم نفسَه اليوم على أنَّه الحليف الدولي الأقوى للنظام الأوكراني بقيادة «فولوديمير زيلينسكي». خلقت نقطة التحوُّل هذه بعض الارتباك بين حلفاء فرنسا الرئيسيين: على سبيل المثال، سُرعان ما جرى نفي التصريحات بشأن إرسال جنود من قبل العديد من الدول الأوروبية وأعضاء الناتو إلى الأراضي الأوكرانية للقتال ضد الروس. لكن في فرنسا، تَتَّهم المعارضة «ماكرون» باختيار نهج أكثر تَصلُّبا في التعامل مع روسيا لأسباب سياسية بحتة، في ضوء الانتخابات الأوروبية في يونيو المقبل.
ولكن في الأشهر الأخيرة فقط أصبحت مواقف «ماكرون» بشأن الحاجة إلى دعم أوكرانيا عسكريًا أكثر وُضوحًا وإلْحَاحًا. ووافق البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء على خُطَّة تعاون أمني مدتها عشر سنوات مع أوكرانيا، والتي يرغب فيها «ماكرون» والتي تلزم فرنسا بإرسال المزيد من الأسلحة وتدريب الجنود وتخصيص 3 مليارات يورو كمساعدات عسكرية لأوكرانيا في عام 2024.
وناقش «ماكرون»، الخميس، موقفه بشأن أوكرانيا وتغيير المنظور في مقابلة بثَّتها شبكة "فرانس 2" التلفزيونية. ودافع عن رفضه استبعاد إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا، في محاولة لخلق ما يُسمَّى "الغموض الاستراتيجي"، أي الممارسة التي بموجبها تظَلُّ دولة ما غامضة بشأن إجراء مُعيَّن من أجل تخويف خصومها وإثناءهم عن اتخاذ إجراءات محفوفَةٍ بالمخاطر. وفي إشارة واضحة إلى بوتين، قال «ماكرون» إنه “عندما نواجه شخصًا ليس له حدود، لا يمكننا أن نكون ساذجين إلى حدِّ القول إنَّنا لن نتجاوز حدًا معينًا: بهذه الطريقة لا نختار السلام، بل نختار الهزيمة.”
وقال «ماكرون» أيضًا إنَّ روسيا نقلت الحرب "إلى مستوى جديد"، إذ حوَّلت اقتصادها بشكل دائم إلى اقتصاد حرب، وزادت من قمع المعارضة الداخلية ونفَّذت هجمات إلكترونية بما في ذلك ضد فرنسا. وأضاف: “إذا فازت روسيا في هذه الحرب، تنخفض مصداقية أوروبا إلى الصفر وتكون بولندا وليتوانيا وإستونيا ورومانيا وبلغاريا في خطر.”
ووفقًا للبعض، فإن تغيير نهج «ماكرون» يرجع أيضا إلى الوضع الدولي الجديد، مع الجمود في الكونغرس الأمريكي بشأن القانون الذي ينصُّ على مخصَّصات جديدة للمساعدات العسكرية واحتمال ولاية رئاسية ثانية محتملة لـ «دونالد ترامب». وكثيراً ما أظهر ترامب، زعيم الحزب الجمهوري، عدم اقتناعه بالحاجة إلى دعم الجيش الأوكراني، الذي قد يجد نفسه بالتالي غير مسلَّح بما يكفي لمواصلة الدفاع عن نفسه من الهجوم الروسي.
لكنَّ في فرنسا، يُعتبرُ نهجُ ماكرون الجديد أيضًا بمثابة حساباتٍ انتخابيةٍ في نظر العديد من خصومه السياسيين. وقبل الانتخابات الأوروبية المقرر إجراؤها في يونيو، يتمتَّع حزب التجمُّع الوطني اليميني بزعامة «مارين لوبان» (Marine Le Pen) بتفضيل واسع النطاق في استطلاعات الرأي. لذا، يحاول «ماكرون» أن يضعها في مشكلة مع موضوع أظهرت فيه لوبان العديد من التناقضات، ويرجع ذلك أيضًا إلى العلاقات القوية بين «لوبان» نفسها وحزب «بوتين»، روسيا الموحدة.
وبعد وصوله إلى ولايته الثانية والأخيرة كرئيس، يكون «ماكرون» مُهتْمًا شخصيًا بالحصول على دور أكثر أهمية وحسمًا في السياسة الأوروبية وفي الصراع. وفي مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية يوم الإثنين، قال «زيلينسكي» إن “ماكرون فهم أنَّ بوتين خدَعهُ شخصيًا. لقد استغرق الأمر بعض الوقت، لكنَّ النتيجة الآن هي هذه.”