في بداية المحادثة، أعرب المستشار النمساوي السَّابق عن اعتقاده بأن أوروبا الوُسطى على وشْكِ أن تُصبح واحدةً من أهم المناطق في القارَّةِ في السنوات القادمة. وبسبب اهتمامه بهذه الفكرة، لجأ إلى رئيس وزراء المجر لقياس وجهة نظره فيما يتعلَّق بالعِقْدِ المُقبلِ. وأعرب «أوربان» عن ثقته الرَّاسخة في التطوُّر المستمرِّ في أوروبا الوُسطى، لكنَّهُ كان لديه شكوك بشأن مستقبل الرَّخاء للدول الغربية. وشدَّد على سؤال مِحوريٍ: هل من الممكن أن تظل القارَّةَ بأكملها ضمن حظيرة الاتحاد الأوروبي؟
وردَّ «أوربان»: “لا أَشُكُّ في التطوُّر الإيجابي الذي تشهده أوروبا الوُسطى، بما في ذلك النَّمسا. ولكن لدي المزيد من الشكوك فيما يتعلَّق بازدهار الجزء الغربي من أوروبا. والسؤال الكبير هو: هل نحن قادرون على إبقاء القارَّة بأكملها معًا في اتحاد واحد؟ لأنَّ الديناميكية والأداء في أوروبا الوُسطى يكونان أقوى كثيراً من نظيرتهما في الدول الغربية والجنوبية في الاتِّحاد الأوروبِّي. أولاً: لقد أصبح نموذج دولة الرَّفاهية قديمًا باليًا وتجاوزته الأحداثُ، بل صار متخلِّفًا. إذا كان الجزءُ الغربيُّ من القارَّة يُريد الحفاظ على مستوى عالٍ من الرفاهية من دون التأكُّد من أن النَّاسَ يعملون، فإن النِّظام قد انتهى. ولهذا السبب علينا توفير فرص العمل للجميع. يجب أن يحصل الناس على الرَّفاهية فقط من خلال العمل والإنجاز. والثاني هو الأَمْنُ. في المجتمعات الغربية، تُعتبر الحريَّةُ والأَمْنُ مفهومين متناقضين. ولذلك فإنَّ الأَمنَ العامَّ ضعيفُُ، بالأخص في المدن الكبرى. ومن الضروري التوصُّل إلى تسوية أفضل بين الحرِّية والأَمن في الشارع. النقطة الثالثة هي الهِجرةُ. إذا لم تكن الدول الغربية قوية بما يكفي للسيطرة على حدودها واستمرَّت الهجرة غير الشرعية بالوتيرة الحالية، فيكون لذلك الكثير من العواقب غير السارَّة، مثل هيمنة ظاهرة المجتمعات الموازية وتفاقم التأثير الثقافي.”
ثم انتقلت المحادثة لتُعالج موضوع أوكرانيا، الحرب وحلمها المتمثِّل في الانضمام إلى حلفي الاتحاد الأوروبي والناتو، فقال مستشار النمسا السابق، «فولفغانغ شوسيل»: “إن الأوكرانيين يموتون من أجل حلمهم الأوروبي. لا يمكننا أن نترك هذا الحلم يموت.”
فقال رئيس الوزراء المجري «فيكتور أوربان»: “لن يقبل الروس أبدا عضوا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي على عتبة بابهم مثل أوكرانيا". دعونا نتحدث عن الأمن أوَّلًا. فَمَع الحرب في أوكرانيا، والغزو الروسي، نواجه خطراً رهيباً في منطقتنا. ، لكن، مع ذلك، لا يوجد خطر من قيام روسيا بمهاجمة دولة عضو في الناتو.”
واقترح رئيس الوزراء المجري النَّظرَ إلى الخريطة السياسية، وأنه يكون من المثالي لأوكرانيا، باعتبارها جارة مباشرة لروسيا، إنشاء منطقة عازلة مع ضمانات أمنية، لأنَّه إذا لم يحدث ذلك، فقد يخسر الأوكرانيون بلادَهم. بادئ ذي بدء، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النَّار، لأنَّه لم يَعُدْ هناك أي نقاش معقول بين الروس والغرب. في لمقابل. الأوكرانيون لديهم الكثير ليخسروه.
وشدَّد على ضرورة أن تبدأ المفاوضات في أقرب وقت ممكن. ولكن الروس، حسب «أوربان»، لا يعتبرون الأوكرانيين مهتّمون بها. وفي الوقت نفسه، يعتقد أوربان أن مصالح أوروبا سوف تتعرض للتهديد إذا أجرت روسيا مثل هذه المحادثات مع الولايات المتحدة فقط، لأنها يجب أن تتعامل مع قضايا أوسع تتعلَّق بالبِنية الأَمنية الأوروبِّية المستقبلية. ولم يوافق «شوسيل» على ذلك، قائلا إن الغرب استخدم كل وسائله لتجنب المواجهة العسكرية. أما عن وقف إطلاق النار، قال «شوسيل»، الذي يتبى مواقفا معارضة لتلك لـ «أوربان»، بأن وقف إطلاق النار الفوري يكون بمثابة هزيمة أوكرانيا. وقال المستشار السَّابق إن الأوكرانيين قد يَخسرون المزيد، بما في ذلك الحرب، مُشدِّدا على أن كييف لن تخسر إلا إذا لم تُقدِّم أوروبا ما يكفي من الأسلحة. حاول المستشار السابق عقد مقارنة بين الصراع الحالي وثورة المجر عام 1956، مما يشير إلى أن أوكرانيا كانت تقاتل ليس فقط من أجل استقلالها ولكن أيضًا من أجل أوروبا. رد رئيس الوزراء «أوربان» وأكد أن كفاح أوكرانيا لا يعادل دفاع المجر عن أوروبا في عام 1956.
واتَّفق السياسيان على ضرورة قيام أوروبا بزيادة إنفاقها على الأمن. وقال رئيس الوزراء المجري «أوربان»: “المجر هي الدولة الوحيدة التي تدعو إلى نموذج بديل للاتحاد الأوروبي، وأنا أقفُ وحدي في دعم مثل هذه الرؤية". وأعرب عن أسفه للمركزية المتصاعِدة داخل الاتِّحاد الأوروبي وتَجاهُل سيادة الدول الأعضاء.” واقترح العودة إلى الاتحاد الاقتصادي.