الأوكرانيون الذين لا يريدون الذهاب إلى الحرب بالتهرُّب من التجنيد - الإيطالية نيوز

الأوكرانيون الذين لا يريدون الذهاب إلى الحرب بالتهرُّب من التجنيد

 الإيطالية نيوز، الأربعاء 20 مارس 2024 - خلال الأسبوع، لا يغادر «بافيل» المنزل خوفًا من مقابلة مُجنِّدي الجيش. يُعدُّ "السوبر ماركت" من أخطر الأماكن التي يمكن يتعرض فيها المواطنين الأوكرانيين الذكور للاعتقال من أجل نقلهم إلى جبهات القتال من دون حصولهم على التدريب العسكري بما يكفي. النساءُ فقط هُنَّ من يذهبن للتسوُّق هنا." «بافيل»، إسمُُ وهميُُ حفاظاً على هويَّته، يبلغ من العمر 37 عاماً، ويعيش في مدينة سياحية غربي أوكرانيا، بعيداً عن جبهة الحرب، ولكن في وسط المنطقة التي يُجنِّد فيها الجيش الأوكراني جزءًا كبيرًا من المواطنين الذكور.


وتَشهدُ أوكرانيا حاجة متزايدة ومُلِحَّة لقوات جديدة، نحو 500 ألف وفقًا للقائد الأعلى السابق للقوّات المسلَّحة «فاليري زالوزني» (Valery Zaluzhny). لكن العثور على جنود جدد أصبح أكثرُ صعوبةً، لدرجة أن إمكانية إقرار قانون جديد للتعبئة كانت مطروحة منذ فترة، لكنَّها تأجَّلت لأشهر. وهذا يخلق مشاكل أكبر من أي وقت مضى: يحاول العديد من الناس الهروب من التجنيد، في حين يستخدم القائمون على التجنيد العسكري أساليب جِذرية على نحو متزايد لإقناع الناس، وفي كثير من الحالات إجبارهم على الانضمام.



في أوكرانيا، وفقًا للقانون، يُطلب من أي ذكر يتراوح عمره بين 27 و59 عامًا التسجيل في مكاتب خاصة ويمكن استدعاؤه للخدمة في أي وقت. لكنَّ نظام التجنيد يُعتبر فاسدًا وغيرُ فعَّالٍ، وقانونُ التعبئة يُعتبر غير كافٍ. في جوهر الأمر، لا توجد عقوبات للملايين من الأوكرانيين الذين تجنَّبوا إجراء ات التسجيل، وبالتالي لم يظهروا استعدادهم للالتحاق بالجنود الذين يذودون عن الوطن في جبهات القتال.


ولسدِّ النقص في الأدوات ومقاومة جزء من السكان، غالبًا ما يَستخدم الجيش المسؤول عن التجنيد أساليب وَحشية، إذ يُجبر الأشخاص الذين لم يُسجلوا أنفسَهم على التجنيد. تظهر مقاطع الفيديو القادمة بشكل عام من غرب أوكرانيا والمنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي، أن الجيش يحاصر المُشتبَه بهم جسديًا في محطات الحافلات، وعلى طول الطرق، وفي الأماكن العامة. يحدثُ نقل أي شخص يتم إيقافه بهذه الطريقة على الفور إلى فحص طبي عسكري، وإذا اعتُبر لائقًا للخدمة، يكون لديه أقل من 24 ساعة لتسوية شؤونه قبل أن يضطرَّ إلى إبلاغ الثكنة.


ويُوضِّح مسؤولُُ مهمُُّ في وزارة الدفاع أن هذه الممارسات لا تتعلَّق إلَّا بأولئك الذين لم يُسجِّلوا أنفسّهم في المكاتب المُختَصَّة، والذين ارتكبوا بالفعل عَملَاً غير قانوني. ويَدَّعي أنَّها أكثر تواتراً في غرب أوكرانيا، لأنَّه يوجد في هذه المنطقة عدد كبير من النازحين من الجزء الشرقي من البلاد الذين لم يُبلغوا عن تنقُّلهم بشكل صحيح.


ويقول العديد من سكان المنطقة، وهي الأفقر والأكثر ريفية في أوكرانيا، إنهم مُستَهدَفون عَمدًا. وجرى إفراغ قرى بأكملها من الذكور في سن التجنيد، على عكس المدن الكبيرة. وهُم يتَّهمون القائمين على التوظيف بالتعامل بيُسر عندما يتعلق الأمر بتلبية حصَّة المجنَّدين المعينين في مكاتبهم، وأن العثور على الشخص بعيدًا عن المنزل من دون المستندات الصحيحة يمكن أن يَؤَدِّي إلى التجنيد القسري.


ولِتجنُّب هذه المخاطر، يحاول «بافيل» مغادرة المنزل فقط في عطلات نهاية الأسبوع، عندما تكون مقابلة مسؤولي التوظيف أقلَّ احتمالًا، كما يقول. تخَرَّج في التاريخ من الجامعة المحلية، وهو يقضي أيامه بالقرب من مكتب السياحة، حيث ينتظر الزوار ليُقدِّم نفسَه كمرشد إلى المركز التاريخي والمتنزَّهات الطبيعية المحيطة بالمدينة.


ويقول «بافيل» مشيراً إلى طريق مليء بالحُفَر: "إنَّ الحكومةَ فاسدةُُ ولم تفعل شيئًا لنا". الآن يَطلبون منِّي أن أُقتَل من أجلهم؟ إنَّها ليست على حق"، مشيرا إلى الحكومة. ولِنُقارن الوضع في أوكرانيا اليوم بتلك الموصوفة في رواية "الحرس الأبيض" للكاتب «ميخائيل بولجاكوف»، والتي تروي الأيام الفوضوية التي عاشتها الثورة الأوكرانية في عام 1918.  ولا يقتصر الأمرُ على أن أماكن المعارك تذكِّره بالصراع الحالي، والأسماء التي أصبحت معروفة في جميع أنحاء العالم مثل "إيربين" و"بوتشا" و"بوروديانكا"، لكنَّه يقول إن هناك اليوم المناخ نفسه للقومية الغاضبة التي، حسب قوله، لا يُؤَدِّي إلى شيء. "ربما لست وطنياً بما فيه الكفاية، لكنِّي لا أريدُ أن أموت بطريقة يختارها لي شخص يخشى الموت."


وتشيرُ استطلاعات الرأي إلى أن 70 بالمائة من الأوكرانيين يُعارضون التعبئة القسرية ويقول 48 بالمائة منهم إنَّهم غير مستعدين للقتال. يوجد بين الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس إلى محاولة تجنُّب التعبئة هو نقص المُعدَّات، بحيث يضطرُّ الجنود في كثير من الأحيان إلى شراء مُعدّاتهم الخاصة على نفقتهم الخاصة؛ قصص جنود أُرسلوا إلى جبهات الحرب الساخنة من دون تدريب؛ وتصوُّر البيروقراطية المفرِطة للقوات المسلَّحة؛ وعدم كفاءة بعض الضُباط.


إنَّ خفض الرواتب العسكرية الذي تقرَّر في الصيف الماضي، مع الحفاظ على أعلى الرواتب فقط لقوات الخطوط الأمامية، هو عامل أخر يثني الكثيرين عن التجنيد. ويستمرُّ العسكريون العاملون في الخطوط الأمامية في الحصول على مكافأة تزيد عن ألفي يورو بالإضافة إلى رواتبهم الشهرية التي تبدأ بنحو 450 يورو. لكن المكافأة التي تبلغ نحو 700 يورو والتي كانت تُمنح لجميع العسكريين قُلِّصَتْ، والآن لا يستطيع العديد من الجنود الذين يعملون في الصف الثاني الاعتماد إلا على الراتب الأساسي.


«إيرينا»، إسم وهمي أخر، مدنية من كييف تتدرَّب مع فرق المتطوِّعين في عطلات نهاية الأسبوع. وتقول إنَّها مُتردِّدة حاليًا في الانضمام لأن الوحَدة التي عرضت عليها وظيفة مُسيِّرة طيارة من دون طيار تقضي الكثير من الوقت في التخطيط للعمليات الخاصة على الخط الثاني، ثم تقضي بضعة أيام فقط في المُقدِّمة. التجنيد يعني رؤية راتبك ينخفض ​​بشكل كبير.


وفي مواجهة مقاومة عدد متزايد من الأوكرانيين للتعبئة القسرية، تتحرَّك الحكومة والبرلمان بحذرٍ في الوقت الحالي. القانون الجديد الذي ينصُّ على خفض سن التعبئة إلى 25 عامًا (الآن يجب أن يكون عمرك 27 عامًا على الأقل) وتشديد العقوبات على المختبئين، كان قيد المناقشة منذ ديسمبر الماضي.


وفي تعليقٍ على هذا الموضوع، يقول «فولوديمير فيسينكو» (Volodymyr Fesenko)، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز "بنتا" للدراسات في كييف: "رافَقَ قانون التعبئة نقاشُُ حادُُ وجرى التعبير عن العديد من الانتقادات". وفي يناير، رفض البرلمان المُسْوَدَّة الأولى للقانون التي صاغها مجلس الوزراء. وحصلت النسخة الثانية على تصويت إيجابي مبدئي في منتصف فبراير، ومن المتوقَّع الآن أن يحدُثَ التصويت النهائي في نهاية مارس.


وقدَّم البرلمانيون أكثر من 4 آلاف تعديل على النَّص، في إشارة إلى أنَّ الموضوع لا يزال مثيرا للجدل. ويقول «فيسينكو» إن الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» تبنَّى موقفًا "مَرِنًا" اتجاه القانون. وأضاف أن زيلينسكي لا يريد ممارسة ضغوط مباشِرة على النُوَّاب ويحاول الحفاظ على مجال للمناورة السياسية حول هذا القانون.


ولم يكن الرئيسُ متحمِّسًا أبدًا للقانون، وفي الأشهر الأخيرة انتقد علنًا أعداد الجنود الذين كان ينبغي تجنيدهم على يد القائد السابق «زالوزني».  وقال وزير الدفاع «رستم عمروف» (Rustem Umerov) أيضًا إنَّه من المُحتمَل ألا يَقعَ الوصول إلى تقدير 500 ألف جندي.


وبينما يسير قانون التعبئة ببطء ومع آلاف الاحترازات، يزداد قلق عائلات الجنود الذين يقاتلون على الجبهة. وفي "الميدان"، ساحة كييف التي كانت مركزاً لاحتجاجات عام 2014، يتظاهر أفراد عائلات الجنود، الذين ظل العديد منهم في الجبهة لمدة عامين، كل أسبوع تقريباً للمطالبة بمنح أحِبَّائهم التغيير أو أخذ فترة من الرَّاحة.


يوجد نحو 300 ألف جندي أوكراني منخرطين على الخطوط الأمامية، في حين أن القُوّات المسلَّحة لديها في المجمل 800 ألف جندي تحت تصرُّفها، نحو 40 ألف منهم من النساء المجنَّدات طَوْعًا. جرى تجنيد العديد من المتطوِعين، الذين يُطلَق عليهم في المصطلحات "الجنود المتعاقِدون"، في مارس 2022 وقاتلوا من دون توقف تقريبًا لمدة عامين، وغالبًا ما حصلوا على إجازة لبضعة أسابيع فقط.


لكن تعب الجنود على الخطوط الأمامية ليس وحده ما يجعل من الضروري تجنيد قوات جديدة. بعد خسارة نحو مائتي ألف جندي ـ اعترف «زيلينسكي» بقتل 31 ألف جندي، لكن التقديرات الرئيسية من المُحلِّلين والحلفاء تتحدث عن ضعف عدد القتلى على الأقل، من دون احتساب الجرحى ـ تعاني القوات المسلحة الأوكرانية من نقصٍ حادٍ في الأفراد في أفراد الصفوف الأمامية.


وفقاً لـ «مايكل كوفمان» (Michael Kofman)، المُحلِّل العسكري الذي عاد لتوه من الجبهة الأوكرانية، في الوحدات المنخرِطة في القتال على طول ما يسمى "خط الصفر"، من الشائع أن تجد كتائب مُشاة تضم 60 جندياً جاهزين للقتال بين أكثر من 300 جندي الموجودة على الورق. وبحسب «كوفمان»، فإن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الوضع هو الجمود بشأن قانون التعبئة.


إن منع الولايات المتحدة من تسليم المساعدات العسكرية، التي ظلَّت رهينة الصدام السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين لعدة أشهر، يتسبَّبُ في مشاكل خطيرة لأوكرانيا، ولكنَّه ليس المشكلة الوحيدة وربَّما ليست المشكلة الأكبر التي تواجه قوَّاتها المسلَّحة، لأنَّ من دون قوَّات قادِرة على استخدامها، فحتى الأسلحة الأوروبية والأميركية لن تكون ذات فائدة تُذكَر. وبحسب «كوفمان»، فإنه في بقيَّة عام 2024 " يكون تعزيز القوَّات بمجنَّدين جدد أحد العوامل الرئيسية" في السماح لأوكرانيا بمواصلة الحرب.