وقال كاتب المقال، الصحفي «مارْيو ريتشاردي»، إنَّ الديمقراطية تُجازف بأنْ تصبح إسماً للنوايا الطيِّبة التي يريد الحُكَّام منا أن نُصدِّق أنهم يَمتلكونها. في نظره، يرى تعبير أورسولا فون دير لاين المسرور وهي مُحاطة بالرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، راضيا كما لو أنَّه فاز باليانصيب، وهويتذكَّر هذا التحذير، الذي قرأه في كتاب لـ «جون دُنْ» (John Dunn) من أوائل التسعينيات، عندما بدا أن الجميع مُقدَّرُُ لهم، عاجلاً أم آجلاً، أن يعيشوا في بلد يمكن أن يُسمَّى شَكْلُ حكومتِه ديمقراطياً.
وأضاف كاتب المقال في سرده مهاجما بعثة رئيسة المفوضية الأوروبية، «فون دير لاين» ورئيس الاتحاد الأوروبي، البلجيكي «دي كرو»: من المؤكَّد أن استحضار الديمقراطية لأعداء الإنسانية والتغاضي عن استبداد الأصدقاء ليس بالأمر الجديد." ووصف الرئيس المصري الحالي بأنه "ليس سوى الأحدث في سلسلة طويلة من الحكام المستبدِّين الذين يُجسِّدون ما وصفه رئيس أمريكي يتمتَّع بموهبة التوليف بـ "إبن عاهرة". يُزعم أن الرئيس «فرانكلين روزفلت» قال في عام 1939: “«سوموزا» إبن عاهرة، لكنه إبن عاهرة يخدمنا.” وكان يشير إلى الدكتاتور الوحشي في نيكاراغوا «أناستاسيو سوموزا»، حليف ما كان آنذاك أكبر دولة في العالم. أكبر ديمقراطية إذن. كان «فرانكلين روزفلت» ديمقراطياً، وليس جمهورياً، ولكنه كان يفكر كرئيس دولة لقوة إمبراطورية. أصبحت كلمات «روزفلت» سياسة مرشدة لمعظم الرؤساء الديمقراطيين وبعض الرؤساء الجمهوريين طوال الفترة المتبقية من القرن العشرين وما بعده.
وتابع كاتب المقال بصحيفة "إل مانيفيستو" قائلا بأن موقف «فون دير لاين» لم يكن مختلفاً عن موقف العديد من رؤساء الدول الأوروبية الذين حاولوا قبلها خلق التوازن الأخلاقي لنظام ديمقراطي يدافع عن موقع الهيمنة أو وبسط النفوذ على المستوى الدولي. ومن المُلْفت للنظر اليوم أن المسؤولة في الاتحاد الأوروبي، الكيان السياسي الذي أَسَّس شرعيتَه على فكرة أنَّ القيم الديمقراطية هي إنجاز حضاري، لديها الموقف نفسه. وهي الفكرة التي استند إليها الوعد بقارة تتخلّى بشكل نهائي عن الإمبريالية وسياسات القوة التي أدَّت إلى حربين دمويتين للغاية وإلى إبادة اليهود بإسم "النقاء العنصري".
وبشأن زيارة الوفد الأوروبي لمصر ومنحه المال للرئيس السيسي مقابل إحكام القبضة على قوارب المهاجرين غير النظاميين، قال الصحفي «مارْيو ريتشاردي»: “جرى يوم الأحد في القاهرة خيانة هذا الوعد، وليس للمرة الأولى، بإسم الدفاع عن حدود "الحديقة" الأوروبية. وأنا أدرك أن هذا الحكم يبدو ساذجاً في نظر العديد من الواقعيين الذين يعملون اليوم بكل جد للدفاع عن فرضية مفادها أن أوروبا الموحدة هي في الواقع قوة لا تستطيع الهروب من منطق الصراع القاسي الناشئ عن مصالح غير متوافقة. ويتعين على أوروبا، كما يقول لنا هؤلاء الواقعيون، أن تُسلِّح نفسها، وأن تَستعدَّ للحرب، إذا لزم الأمر، لحماية أمنها من قوى أخرى مثل روسيا، أو الصين غداً، التي لديها أهداف توسعية. إن هذه الضرورة الاستراتيجية تتطلَّب مِنَّا ألا ننظرَ إلى الأمور بحذرٍ شديدٍ، لأنَّنا نعلم أيضًا أنه لم يعدْ بإمكاننا الاعتماد على حماية الولايات المتَّحدة كما فعلنا من قبل، وكما فعلنا لسنوات. وليس فقط خلال رئاسة ترامب، فإنَّهم ينظرون إلى جبهة المحيط الهادئ باعتبارها الجبهة الحاسمة لمصالحهم الوطنية.”
وفيما يتعلق بما أطلق عليه الكاتب "التنمر بروسيا"، قال: “أنا واقعيُُ بالقدر الكافي لأخذ هذه المخاوف على محمل الجد، ولكن واقعيتي على وجه التحديد هي التي تُغذِّي الشكوك المرتبطة بمستقبلنا وتولد استفسارات عدة، بينها: هل السياسة الواقعية الخرقاء والمشوبة بالغطرسة هي التي تحمينا من التهديدات؟. لقد رأينا مثالاً على أن الموقف العدائي غير كافٍ تمامًا لحماية الأمن الأوروبي في الأيام الأخيرة في تصريحات إيمانويل ماكرون، الذي أشار، من ناحية، ضِمْنًا إلى أن فرنسا يمكن أن تتدخل، بطريقة ما في الحرب بين روسيا وأوكرانيا لصالح هذه الأخيرة، ثم أضاف أن تصريحه كان بمثابة ممارسة "للغموض الاستراتيجي" الضروري لأغراض الرَّدع.”
وواصل قائلا: “لكي تكون الأنظمةُ الديمقراطيةُ قويةً فلا يجوز لها أن تعتمد فقط على زيادة الإنفاق العسكري. ويجب عليها أن تستفيد، كما فعلت عندما واجهت الفاشية والنازية، من مبادئهما والوعود التي تعبّر عنها: الحرية المتساوية وآفاق الحياة الكريمة لجميع مواطنيها.”
وختم قائلا: “ليس هناك مفاجأة إذا كان الناس الخائفون على مستقبلهم، والمعرضين للخطر بسبب السياسات الاقتصادية التقشفية التي أدت إلى تآكل الضمان الاجتماعي وحقوق المواطنة، ينظرون بعين الريبة إلى التدخل الجديد للقادة الوسطيين الذين يطاردون اليمين. (في هذا الصدد، ينبغي للنشاط الذي قامت به «جورجا ميلوني» إلى جانب «فون دير لاين» و«ماكرون» أن نتوقَّف للتفكير). وإن أوروبا المنقلِبة على نفسها، المهووسة بالدفاع عن حدودها ضد بضع عشرات الآلاف من الأشخاص اليائسين الذين تَتركُهم ليموتوا عطشاً وجوعاً على متن القوارب، أو تقوي القبضة الخانقة للحياة لحكوماتهم الاستبدادية، لا يمكن أن تتمتَّع بالمصداقية.”