الإيطالية نيوز، الأحد 17 مارس 2024 - في هذه الأشهر الأولى من عام 2024، حدثت صراعات بين المتعاونين مع رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» (Giorgia Meloni) ووزير الخارجية «أنطونيو تايَّاني» (Antonio Tajani) فيما يتعلق بتعيين وإسناد أدوار بعض الدبلوماسيين. وهذا النوع من التوتُّرِ ليس جديدًا في هذا المجال: فالإرادة السياسية الكامنة وراء هذه التعيينات، والتي عبَّر عنها رئيسة الحكومة، غالبا ما تتعارض مع التَوجُّهات التي ترغب فيها هياكل وزارة الخارجية، المسؤولة رسميًا عن الاختيارات المُتعلِّقة بالتخصُّصَات المهنية للدبلوماسيين. باختصار، إنَّ حقيقة وجود صراعات ليست في حد ذاتها أخبارًا مُلفِتَةً للنَّظر، ولكن في الأشهر الأخيرة كانت قرارات «ميلوني» بشأن هذه المسألة غير عادية ومُثيرة لأسباب مختلفة.
ويتعلَّق آخرُها، الذي أُعلن عنه يوم الجمعة 8 مارس، باستبدال "الشيربا" - هو مبعوث دبلوماسي يمثل حكومته في التحضير للمفاوضات والاتفاقيات الرئيسية قبل انعقاد القمم الدولية - لمجموعة السبع ومجموعة العشرين، أي أهم منتديين دوليين تشارك فيهما إيطاليا. يلعب ما يسمى بـ "الشيربا" دورًا مهمًا للغاية، وهو الدبلوماسي المسؤول عن التحضير للاجتماعات بين رئيس الوزراء ورؤساء الدول والحكومات الأخرين: يقوم بالاتصال مُسبَّقًا مع طاقم القادة الأخرين لتنظيم الاجتماعات بشكل أفضل، ويقترح الموضوعات التي يجب مناقشتها والتي يجب تجنُّبها، والطريقة والنبرة التي يَحدثُ بها القيام بذلك، وهو يعمل جاهدًا لفهم كيف يمكن للمرء أن يتصرَّف على المستوى الدبلوماسي للمضي قدُما في مبادرة مُعيَّنة عزيزة على رئيس وزرائه، فهو يُعدُّ الملفَّات التي يشير فيها إلى الأشخاص الذين يشاركون في الاجتماع. باختصار، فهو يُوجِّه العمل الدبلوماسي لرئيس الحكومة، وبمعنى ما، يُعدُّ "طريقه" مثلما يفعل "الشيربا" الحقيقيون، أي المرشدون النيباليون الذين يرافقون المتسلقين في رحلاتهم إلى "إيفرِسْت" وجبال الهيمالايا الأخرى.
هذا العام، إذن، يُعتبر عمل "الشيربا" الإيطالي دقيقًا بشكل خاص، لأنَّ إيطاليا تتولَّى الرئاسة الدورية لمجموعة السبع، أي مجموعة الدول الغربية السبع الأكثر نفوذاً، وبالتالي تستضيف على أراضيها عشرات اجتماعات مجموعة السبع. أهم ممثلي حكومات ومؤسسات الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان.
وعلى رأسِ الهيكلِ الدبلوماسيِ الذي يساعدُ رئيس الوزراء كان «لوكا فيرَّاري» (Luca Ferrari)، وهو سفير ذو خبرة عالية عمل في عواصم أجنبية مختلفة (من واشنطن إلى مدريد، ومن الرياض إلى بكين) قبل أن يحدثَ تعيينُه "شيربا" من قبل ميلوني في نوفمبر 2022، مباشرة بعد فوز اليمين في الانتخابات وولادة الحكومة. السَّببُ الذي يجعل خيار التغيير مثيرًا لهُ علاقة بالوقت. كان «فيرّاري» يعمل على هذه المهمة لفترة طويلة، وجرت إقالته في بداية شهر مارس من العام الذي تتولّى فيه إيطاليا الرئاسة الدورية، وبالتَّالي في اللحظة الأكثر إثارة وإرهاقًا بالنسبة لـه كـ "شيربا".
وكان القرار أيضًا مفاجئًا جدًا من حيث الطريقة. ولم يكن هناك ما يشير إلى وجود بديل وشيك. وكان «فيرّاري» قد ترأَّس بالفعل ـ نيابة عن ميلوني ـ اجتماعًا مع الصحفيين الذين يتابعون رئيسة الوزراء في 20 فبراير، عشية رحلة «ميلوني» إلى كييف، أوكرانيا، للقاء الرئيس «فولوديمير زيلينسكي» في الذكرى الثانية لبدء الغزو الروسي وافتتاح الرئاسة الإيطالية لمجموعة السبع رسميًا. وكان «فيرّاري» قد أوضح الأهداف التي حدَّدتها إيطاليا لنفسها من خلال هذا الاجتماع، كما علّق بصفة شخصية على وفاة المنشق الروسي «أليكسي نافالني»، قائلًا إنَّه بغض النظر عن الأسباب الدقيقة للوفاة فإنها كانت "علامة على ضعف النظام الحاكم". ثم رافق «فيرّاري» «ميلوني» في رحلته إلى واشنطن و"تورونتو" يومي 1 و 2 مارس، حيث شارك في اجتماعات رئيسة الوزراء مع الرئيس الأمريكي «جو بايدن» ورئيس الوزراء الكندي «جاستن ترودو». ووفقًا للشائعات التي نشرها المسؤولون الحكوميون لاحقًا، ولكن لم يؤكدها طاقم رئيسة الوزراء مطلقًا، فقد حدث بعض سوء التفاهم بين «ميلوني» و«فيرّاري» خلال تلك الرحلة على وجه التحديد. على أي حال، أبلغت «ميلوني» «تايّاني» بقرار استبدال «فيرارّي» بشكل غير رسمي في الأيام التالية. لم تكن مشاورة حقيقية: فقد أوضحت رئيسة الوزراء أسباب قرارها، وعرضتهُ بالفعل على أنَّه غير قابلٍ للنقض. وفي تلك المرحلة جرى نقل «فيرّاري» إلى تل أبيب، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يكون مسؤولاً عن السفارة الإيطالية هناك: لم يُرحِّب مستشارو «تايّاني» بالخبر. ويحظى «فيرّاري» باحترام معيَّن من الأمين العام لـ "فارنيسينا"، «ريكّاردو غْوارِيّا» (Riccardo Guariglia)، وقد ساهم توقيت وأساليب الاختيار في تأجيج الحيرة والشكوك بين الدبلوماسيين.
لكن قرار «ميلوني» كان ملحوظًا أيضًا لسبب أخر. في الواقع، حدثَ اختيار «إليزابيتّا بيلُّوني» (Elisabetta Belloni) لتحل محل «فيرّاري»، وهي سفيرة طويلة الأمد وذات خبرة عالية عملت مع حكومات مختلفة وتتمتَّع باحترام كبير من اليمين إلى اليسار. لكن «بيلّوني» هي أيضًا المدير العام لـ "إدارة المعلومات الخاصة بالأمن" (DIS)، أي الهيئة التي تُنسِّق جميع الأنشطة الاستخباراتية للأجهزة السرية: عُيِّنت لقيادة "إدارة المعلومات الخاصة بالأمن" في مايو 2021 من قبل رئيس الوزراء «مارْيو دْراغي» (Mario Draghi). وتنتهي ولايتها في عام 2025 ويمكن بعد ذلك تجديدها لمدة أربع سنوات أخرى.
يبدو أن تعيين «بيلّوني» في منصب "الشيربا" كان بمثابة مقدمة لاستبدالها المبكر المحتمَل على رأس "إدارة المعلومات الخاصة بأمن الجمهورية الإيطالية". ولكن في البيان الصادر عن "بالاتسو كيدجي" (مقر رئاسة مجلس الوزراء) في 8 مارس، جرى تحديد أن «بيلّوني» "تُعيَّن في منصب "الشيربا" لمجموعة الدول السبع والأخرى المتعلة بمجموعة الدول العشرين نائبةً عن رئيس الوزراء، وتظل في دورها الحالي كرئيسة لـ "إدارة المعلومات الخاصة بأمن الجمهورية الإيطالية".
وقد أثار هذا الاختيار بعض الشكوك بين دبلوماسيي فارنيسينا: يتعيّن على «بيلّوني» القيام بمهمتين دقيقتين للغاية في الوقت نفسه، وهما مهمة رئيس الأجهزة السرية ومهمة رئيس الدبلوماسية لرئيس الوزراء في الأعمال التحضيرية لمجموعة السبع، والتي تدخل في الأشهر المقبلة المرحلة الأكثر إثارة. في الواقع، من المقرَّر عقد اجتماع لرؤساء الدول والحكومات في الفترة من 13 إلى 15 يونيو في "بورْغو إغْناتسيا" بمحافظة "بْرينْدِزي".