عالم الأحياء: هل الذكور أم الإناث أكبر حجما بين الثدييات؟ دراسة جديدة تُوضّح ذلك - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

عالم الأحياء: هل الذكور أم الإناث أكبر حجما بين الثدييات؟ دراسة جديدة تُوضّح ذلك

 في أطروحَتِهِ أصْلُ الإِنسانِ والاختيارُ الجنسيِّ عام 1871، كَتب عالِمُ الطبيعة البريطاني الشهير «تشارلز داروين» (Charles Darwin) أنَّه في مملكة الحيوان "بشكل عام، الذكور أقوى وأكبر من الإناث"، ثم تناول بشكل خاص الثدييات لشرح بعض خصائص البشر . لم يكن داروين هو الوحيد الذي فكَّر بهذه الطريقة، وبعد مرور 150 عامًا، لا يزال هذا الاعتقاد مُشترَكًا ليس فقط بين المُتخصِّصين، ولكن أيضًا في المنطق السليم.


ومع ذلك، وفقًا لبحث نُشر مؤخَّرًا، رُبَّما يكون هذا الاعتقادُ خاطئًا، ولا يوجد دليل يدعمُ أنَّ الذكور أكبر من الإناث بين الثدييات. في مُعظم الحالات، على الأقل.


الدراسة الجديدة، التي نشرت في المجلة العلمية "ناتشر كوميونيكايشن"، أشرفت عليها «كايا ج. تومباك»، الباحثة من جامعة "برينستون" (الولايات المتحدة) والتي شاركت قبل بضع سنوات في ندوة عبر الإنترنت حول مستويات العدوان في بعض الأنواع التي يكون ذكورها وإناثها متساويين في الحجم. أثناء المناقشة مع زملائها في الدورة، أدركت «تومباك» أنه يُوجَد نقصُُ في البيانات اللازمة لصياغة فرضيات موثوقة، وبالتالي قررت تكريس نفسها للموضوع، حيث حاولت أولاً فهم ما إذا توجَد فعلًا اختلافات في الحجم بين الأنواع المختلفة من الثدييات.


وبينما كانت هي وإثنان من زملائها يبحثون عن المواد، لاحظت «تومباك» مدى صعوبة الحصول على بيانات متَّسقة وكيف حدثَ إهمال هذه القضية في الماضي، باستثناء عدد قليل من الدراسات التي يعود تاريخها إلى نحو خمسين عامًا. ولذا، فإن عملها البحثي يتألَّفُ من جمع البيانات من المُؤلَّفات العِلمية، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات المُتعلِّقة بالكُتلة التي يصل إليها الأفراد البالغون في بعض الأنواع في المتوسط. الكُتلة ليست المؤشِّرَ الوحيدَ لتحديد حجم الحيوان الثديي، ولكن البيانات هي التي تحدث في أغلب الأحيان (بسبب تافه لأنَه من الأسهل وَزن أو تقديرِ وَزْن الحيوان بدلاً من تقدير حجمه).


ونظرًا لعدم القدرة على تقييم جميع أنواع الثدييات الموجودة التي نعرفها والبالغ عددها 6400 نوع (تختلف التقديرات بناءً على التصنيفات)، اتَّبع فريق البحث مَنهجًا إحصائيًا، إِذْ قام ببناء عَيِّنة تعتمد على 5-6 بالمائة من الأنواع لكل من رُتَب الثدييات الستة عشر التي تحتوي على ما لا يقل عن اثني عشر نوعًا؛ ثم أُضيفت أنواعُُ أخرى إلى القائمة، واختيرَت لجعل العَيِّنة أكثر توازنًا وتمثيلًا. تحتوي القائمة النهائية على 429 نوعًا مع معلومات عن كُتلة الجسم لكل من الذكور والإناث البالغين.


وقد أوجز التحليل النهائي وضعاً مختلفاً عمَّا جرى وصفه قبل قرن ونصف من الزمن. وبيْنَ 429 نوعًا من الثدييات التي أُخذَت في الاعتبار، كان الذكور أكبرَ حجمًا من الإناث في 45 بالمائة فقط من الحالات. وفي %39 من الحالات، كان للأفراد الذين ينتمون إلى كلا الجنسين  الكتلة نفسها إلى حد كبير، وفي %16 من الحالات كانت الإناث لديها كتلة أعلى من الذكور. يبدو أن البيانات، كما تقول الدراسة، تشير إلى أنَّ الحجم الأكبر للأفراد الذكور ليس هو القاعدة، أو بالأحرى أنه لا توجد قاعدة واحدة عبر أنواع الثدييات بشأن الاختلاف في الحجم بين الجنسين.


كانت الذكور ذات الكُتلة الأكبر من كتلة الإناث أكثر شيوعًا بين الحيوانات آكلة اللُّحوم وذوات الحوافر وبعض أنواع الرئيسيات. عادة ما يَحدُثُ دراسة هذه الحيوانات أكثرَ من غيرِها عندما يتعلَّقُ الأمر بتقييم الاختلافات بسبب الجنس، لذا يمكن أن يكون هذا أحد أسباب استمرار الاعتقاد بأنَّ الذكورَ أكبرُُ بشكل عام بين الثدييات.


لم تَحدثْ دراسة القوارض والخفافيش نسبيًا، على الرغم من أنَّ جميع أنواعها مُجْتمعَةً تُشكِّل نحو نصف أنواع الثدييات. ووجدت الدراسة أنه في %48 من أنواع القوارض التي أُخذت في الاعتبار لم تكن هناك اختلافات في الحجم، بينما في %44 كانت الذكور أكبر حجما. وفي حالة الخفافيش، لاحظ فريق البحث أنه في %46 من الأنواع التي جرى تحليلها، كانت الإناث أكبر حجمًا.


جرت دراسة المجموعات بين الأفراد الذين ينتمون إلى  النوع نفسه ولكن من جنس مختلف ("إزدواج الشكل الجنسي") لبعض الوقت، وذلك على وجه التحديد لأنه من خلال دراسة الاختلافات من الممكن فهم بعض الخصائص النموذجية للأنواع. ركَّزت الأبحاث أيضًا على الاختلافات في الحجم، وتقول إحدى النظريات الأكثر شيوعًا إنه في العديد من الأنواع يكون ذكور الثدييات أكبر حجمًا لأنهم يضطرّون إلى التنافس مع بعضهم البعض على الإناث. غالبًا ما تتضمن المنافسة مقارنة جسدية، وبالتالي على مدار التطوُّر، يكون للأفراد الذين وُلدوا بشكل عشوائي بأحجام أكبر ميزة.  ربما يكون هذا صحيحًا بالنسبة لبعض أنواع الحيوانات آكلة اللحوم الكبيرة، وذلك أيضًا على أساس ملاحظات السلوك الحيواني، ولكن من الصعب تطبيق الفرضية نفسها على العديد من الأنواع الأخرى من الثدييات.


تعمل الأمور بشكل مختلف بين القوارض والخفافيش، وربما يُفسِّر العدد الأصغر من الدراسات حول "مثنوية الشكل الجنسي" لهذه الحيوانات جزئيًا سبب انتشار الاعتقاد بأنَّ الذكور بشكل عام بين الثدييات أكبر حجمًا. في حالة الخفافيش، على سبيل المثال، رُبَّما يكون الحجم الأكبر ميزة للإناث التي يتعيَّن عليها الطيران حتى أثناء الحمل، عندما تكون كتلتها أكبر (الطيور لا تعاني من هذه المشكلة، لأنها تَضع بيضَها): تحتاج إلى المزيد من القوة وقدرة الجناح.


تستشهد الدراسة الجديدة بعمل عالمة الأحياء الأمريكية «كاثرين رالز» (Katherine Ralls) التي نشرت في السبعينيات بحثًا شكَّكت في الاعتقاد بوجود حجم أكبر للأفراد الذكور بين الثدييات، وتوصَّلت إلى استنتاجات مماثلة لتلك التي توصَّلت إليها مجموعة أبحاث «تومباك»في ذلك الوقت، قامت «كاثرين رالز» بتحليل بيانات بعض أنواع الثدييات، وأفاد بأنَّ الإناث الأكبر حجمًا من الذكور كانت شائعة.  افترضت رالز أنَّ الإناث كانت أكبر في بعض الأنواع لأنَّ هذا يزيد من احتمالية إنجاب صِغار أكثر مُقاوَمَةً، وبالتالي مع خطر أقل للوفاة في المراحل الأولى من النمو. وقد نوقشت هذه الفرضية منذ فترة ولم تظهر حتى الآن أي عناصر تؤكدها.


لقد جرى الترحيب بأبحاث تومباك باهتمام من قبل المشاركين في نظرية التطوُّر، لكن بعض الخُبراء أشاروا إلى أنَّه على الرغم من أهميتها الإحصائية، إلا أنَّ الدراسة تعتمد على كمية محدودة من أنواع الثدييات، وبالتالي يكون من الضروري إجراء المزيد من الدراسات. تستمر مناقشة هذا السؤال لفترة طويلة ويساهم في فهم أفضل للتنوع والتشابه بين الأنواع العديدة في فئة كبيرة من الثدييات، والتي نحن جزء منها.