هذه الدعوة ـ توفير الحماية الروسية لشعب "ترانسنيستريا"، وهي منطقة صغيرة، عبارة عن شريط يقع على الضفة الشرقية لنهر "دنيستر"، أعلنت نفسها بنفسها "دولة"، ولكن غير معترَف بها دولياً ـ أدّت إلى تصعيد التوترات التي يعود تاريخها إلى انهيار الاتحاد السوفييتي.
وطلب مجلس نواب "ترانسنيستريا" إرجاع المنطقة إلى الحضن الروسي، على الرغم من أن موسكو لم تتصرَّف بناءً على هذا الطلب. وجاء النداء الأخير الموجه إلى روسيا قبل يوم واحد من خطاب حالة الأمة الذي ألقاه الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو.
ناشد كونغرس "ترانسنيستريا" مجلسي البرلمان الروسي اتِّخاذ تدابير غير محدَّدة "لحماية ترانسنيستريا في مواجهة الضغوط المتزايدة" من مولدوفا بالنظر إلى أن "أكثر من 220 ألف مواطن روسي يقيمون بشكل دائم في المنطقة".
ونقلت تقارير إخبارية روسية عن فاديم كراسنوسيلسكي (Vadim Krasnoselsky)، رئيس دولة "ترانسنيستريا"، طلبه المساعدة من موسكو لأن "سياسة الإبادة الجماعية يجري تطبيقها ضد "ترانسنيستريا". لكن "ترانسنيستريا" لم تصل إلى حد طلب الضم من روسيا ـ وهو الأمر الذي كانت مولدوفا تخشى أن تفعله ـ وطلبت أيضًا المساعدة من البرلمان الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والصليب الأحمر.
وقال النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس التشريعي الروسي، أليكسي تشيبا (Aleksei Chepa)، لوكالة "إنترفاكس" للأنباء، إن ترانسنيستريا تطلب مساعدة اقتصادية، وليس عسكرية.
من جانبها، اتَّهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا (Maria Zakharova)، مولدوفا والغرب بإذكاء التوترات من دون داعٍ من خلال تكهُّنات بشأن ضم روسي محتمَل. وقالت: "يحاول النّاتو حرفياً تشكيل أوكرانيا أخرى"، مضيفةً أن هذا "يتعارض مع مواقف غالبية سكان مولدوفا".
وعلى النقيض من المناطق الأوكرانية التي أعلنها بوتين العام الماضي جزءًا من روسيا، تقع "ترانسنيستريا" على بعد مئات الأميال من حدود روسيا وتحيط بها من جميع الجهات أوكرانيا ومولدوفا، وكلاهما معاديان لموسكو. وتمتلك روسيا قاعدة عسكرية في الجيب تديرها قوة حفظ سلام مفترضة قوامها نحو 1500 جندي متمركزة في المنطقة منذ عام 1992.
وتصاعدت التوتُّرات بشأن "ترانسنيستريا" بشكل متقطِّع منذ أوائل التسعينيات، عندما أصبحت واحدة من مجموعة مما يُسمَّى بالصراعات المُجَمَّدة التي خلَّفها انسحاب موسكو من الإمبراطورية أثناء انهيار القوة السوفيتية. ولم يحدث الاعتراف بها كدولة إلا من قبل "أبخازيا" و"أوسيتيا الجنوبية"، وهما منطقتان سابقتان في الاتحاد السوفيتي أعلنتا أيضًا قيامهما كدولة ولا تحظيا باعتراف دولي كبير.
وحتى وقت قريب، كان خطر تجدد الصراع يبدو بعيداً بسبب التبادلات التجارية وغيرها من التبادلات واسعة النطاق بين الجيب ومولدوفا. وأصبحت حكومة "ترانسنيستريا"، التي تعاني من نقص الإمدادات بسبب غلق ميناء أوديسا الأوكراني، قلقة بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة بشأن مستقبلها، واتهمت مولدوفا بـ "تدمير" اقتصادها و"انتهاك حقوق الإنسان والحريات في ترانسنيستريا".
ويرى بعض المحلِّلين أن طلب الحماية الذي تقدَّمت به "ترانسنيستريا" يهدف في المقام الأوَّل إلى زعزعة استقرار الحكومة الموالية للغرب في مولدوفا، والتي عملت موسكو لعدة أشهر على الإطاحة بها من خلال وكلاء مثل إيلان شور (Ilan Shor)، المليونير المولدوفي المنفي.
وقام شور، الذي فرَّ إلى إسرائيل لتجنُّب عقوبة السجن بتهمة الاحتيال وغسل الأموال، بتمويل الاحتجاجات المناهضة للحكومة وحملة ناجحة لمنصب الحاكم في العام الماضي من قبل سياسي موالي لروسيا في جنوب مولدوفا. ويطالب هو وأنصاره مولدوفا، إحدى أفقر دول أوروبا، بالتخلِّي عن طموحاتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الذي عُرض عليها "وضع المرشح" في عام 2022، والانضمام بدلاً من ذلك إلى كتلة اقتصادية تقودها روسيا.