منذ نحو أسبوعين، لجأ أكثر من نصف سكان قطاع غزة بأكمله، أي أكثر من مليون مدني فلسطيني، إلى رفح بناء على طلب إسرائيلي، بعد تكثيف الهجمات الإسرائيلية على "خان يونس"، المدينة الرئيسية في جنوب القطاع. وتقع مدينة "رفح" جنوباً أيضاً، على الحدود مع مصر: وقد تعرضت للقصف بالفعل في الأشهر الأخيرة، ولكن لم يتم غزوها بعد.
ومساء الجمعة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» في بيان، إنه أمر الجيش بإعداد خطة لإجلاء المدنيين الموجودين حاليا في "رفح"، و"تدمير" أربع كتائب تابعة لحماس، والتي، حسب قوله، انتشرت في المدينة. ولم يقدم البيان أي معلومات أخرى حول كيفية تنفيذ عملية الإخلاء: اكتفى بالقول إن إسرائيل لن تتمكن من تحقيق هدفها المتمثل في تفكيك حماس إذا لم يتم القضاء على تلك الكتائب.
منذ أن بدأت إسرائيل غزو قطاع غزة في نهاية أكتوبر، أمر «نتنياهو» وحكومته من وقت لآخر بإجلاء المدنيين من المدن الرئيسية في القطاع، مبررا ذلك بالحاجة إلى تفكيك القواعد العسكرية لحماس ومنشآتها، والأنفاق تحت الأرض (حسب بعض التقديرات لا يزال الأمر بعيداً جداً عن تحقيق هذا الهدف).
في البداية، كان الجيش قد اجتاح شمال القطاع فقط، لكنه تحرك تدريجياً نحو الجنوب، وفر معظم السكان من المدن التي تم اجتياحها، ما أدى إلى عواقب إنسانية كارثية.
لكن الهروب من "رفح" أكثر تعقيدًا، لأنه لا توجد مدن كبيرة أخرى يمكنك اللجوء إليها طلبًا للأمن والآمان. وفي "رفح" يتم إيواء الغالبية العظمى من المدنيين في الخيام أو في الشوارع، والمدينة هي في الأساس مخيم ضخم للاجئين لا تستطيع المنظمات الإنسانية فيه ضمان حتى أبسط الخدمات الأساسية.
إحدى مدن الخيام الكبيرة في رفح |
ووفقاً للمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، فإن غزو "رفح" يمكن أن يتسبب في سقوط العديد من القتلى، لأنه ليس من المؤكد أن الناس يتمكنون فعلياً من المغادرة. ومساء الجمعة، وبعد تصريح «نتنياهو»، استشهد 11 فلسطينيا على الأقل في قصف إسرائيلي أصاب منزلا في "رفح"، بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة (الذي تسيطر عليه حماس). وفي الأيام السابقة وقعت تفجيرات أخرى وقُتل أشخاص آخرون. ومنذ بداية الحرب، قتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 28 ألف شخص في قطاع غزة، بحسب تقديرات وزارة الصحة.
وخوفاً من فرار المدنيين الفلسطينيين من "رفح" إلى أراضيها، عززت مصر الإجراءات الأمنية على الحدود مع قطاع غزة، من بين أمور أخرى، بإرسال 40 دبابة. وفي "رفح" يوجد المعبر الحدودي الوحيد في القطاع الذي تم فتحه عدة مرات منذ بداية الحرب للسماح للناس بالخروج أو لإدخال المساعدات الإنسانية.
وحتى الولايات المتحدة، الحليف الدولي الأقرب لإسرائيل، انتقدت بشدة خطة إسرائيل للقيام بعمليات عسكرية أكثر كثافة في "رفح" في الأيام الأخيرة: على سبيل المثال، قال المتحدث باسم مجلس الأمن «جون كيربي» (John Kirby)، إن مهاجمة "رفح" في هذا الوقت "سيكون كارثة لهؤلاء الناس" وبالتالي فإن الولايات المتحدة "لن تدعمها".
وكان «نتنياهو» رفض قبل يومين هدنة مدتها أربعة أشهر ونصف في الحرب اقترحتها حماس، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم الحركة في القطاع مقابل الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي. وكان رئيس الوزراء قد وصف الشروط المقترحة بأنها "وهمية" وادعى أنها تسمح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها لشن هجمات جديدة ضد إسرائيل، على غرار تلك لـ 7 أكتوبر، التي أعطت بداية الحرب الجارية حاليا.