كان الاقتصاد الروسي ككلِِّ أكثر مقاومة للحرب، على الرغم من وجود العديد من المشاكل: على سبيل المثال، لم يتمكّن قط من الحلول محلَّ الاتحاد الأوروبي بشكل كامل باعتباره المشتري الرئيسي للغاز، وبالتالي خسر جزأً كبيراً من الإيرادات لتمويل الحرب؛ وأصبحت قيمة العملة المحلّية، الروبل، أقلَّ ممّا كانت عليه من قبل، حتى لو تعافت اليوم إلى حد كبير من انهيارات الأشهر الأولى من الحرب؛ النظام الصناعي، على الرغم من أنَّه ينتج الكثير، فقد تحوَّل إلى حد كبير إلى الإنتاج الحربي، واضطرَّ العديد من العمَّال إلى تغيير وظائفهم؛ كان على الروس أن يتعلَّموا الاستغناء عن العديد من منتجات العلامات التجارية الغربية التي انسحبت من البلاد، وحتى القلَّة كان عليهم أن ينسوا أسلوب حياتهم وطموحاتهم قبل الحرب.
ومع ذلك، فقد أثبت الاقتصاد الروسي أنه أكثر مرونة مما كان متوقعا، خاصة اتجاه العقوبات التي فرضها الغرب: منذ فبراير 2022، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما عقوبات على الآلاف من الأوليغارشيين الروس، وحاولوا بطرق مختلفة منع البلاد من كسب المال من النفط والغاز، وحظروا تصدير المنتجات التكنولوجية الحساسة في البلاد. فجمدوا الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي الروسي وقطعوا اتصال العديد من البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الأخيرة يوم الجمعة ردا على وفاة زعيم المعارضة الروسية «أليكسي نافالني»، والتي يعتبر نظام «فلاديمير بوتين» الروسي مسؤولا عنها.
من الناحية النظرية، تُعَد العقوبات أداة قوية وفعّالة للغاية: فهي تسعى إلى استغلال نفوذ الغرب على التجارة والتمويل العالميين لمنع روسيا من الحصول على التكنولوجيا والموارد الاقتصادية اللازمة للحرب. وفي الوقت نفسه، فهي وسيلة للحكومات الغربية لإظهار دعمها لأوكرانيا حتى في الوقت الذي أصبح فيه من الصعب على المستوى السياسي تبرير المساعدات العسكرية والإنسانية الباهظة الثمن، سواء في الولايات المتحدة أو في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، على المستوى العملي، كانت فعالية العقوبات كأداة للسياسة الخارجية موضوعًا محل نقاش ساخن، لسنوات حتى الآن، من قبل الاقتصاديين وخبراء السياسة الدولية: وعلى مر السنين، أساء الغرب استخدامها، وخاصة الولايات المتحدة، ورغم أن العقوبات أصبحت أكثر استهدافا مما كانت عليه في الماضي، فمن الصعب للغاية على أولئك الذين يفرضونها السيطرة على تنفيذها الفعال. على سبيل المثال، إذا تم فرض حظر على تصدير نوع معين من الرقائق إلى روسيا، فيجب أيضًا ضمان الضوابط الجمركية في الموانئ ومحطات تبادل البضائع. ولا تمتلك جميع البلدان الموارد والإرادة السياسية للقيام بذلك.
علاوة على ذلك، تمكنت روسيا من الالتفاف عليها بفضل دعم مختلف الحلفاء، مثل الصين والهند وتركيا، الذين حافظوا على علاقاتهم التجارية والمالية مع البلاد سليمة، على الرغم من الضغوط الدولية.
كان دعم الصين حاسمًا أيضًا في استبدال البضائع والسلع الغربية التي انسحبت من السوق الروسية بعد الغزو: ففي بداية الغزو، على سبيل المثال، كانت السيارات الصينية الصنع تشكل %10 فقط من السوق الروسية، التي كانت لا تزال تهيمن عليها العلامات التجارية الأوروبية الكبرى. واليوم تشكل السيارات الصينية 55 بالمئة من الإجمالي.
هناك حالة أخرى ملفتة للنظر تتعلق بتجارة النفط. وبحلول عام 2022، تم نقل نحو %60 من النفط من غرب روسيا في ناقلات أوروبية. وفي نهاية العام، فرضت دول مجموعة السبع حدًا أقصى للسعر، حيث منعت ناقلاتها من شحن النفط الروسي ما لم يتم بيعه بأقل من 60 دولارًا للبرميل. وردا على ذلك، نشأ نظام مواز تمكن من نقل قسم كبير من النفط الروسي بسعر أعلى، وذلك بفضل تواطؤ دول أخرى، مثل الصين والهند، التي تستورده ثم تعيد بيعه، مخفية أصوله الروسية.
كما تكيفت التدفقات التجارية الأخرى. تضيف الدول الغربية باستمرار الشركات والأفراد الروس إلى قوائمها السوداء، ولكن من خلال المرور الوهمي عبر دول أخرى، ما زالوا قادرين على التعامل مع الغرب. وهذا يتعلق أيضًا بحظر تصدير المواد الحساسة: ورغم أن الصادرات الرسمية من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا انخفضت إلى حد كبير، إلا أن هناك بعض التدفقات التجارية الغريبة مع أرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان، التي بدأت تستورد المزيد من أوروبا وأصبحت على نحو غامض من الموردين المهمين للسلع لروسيا.
علاوة على ذلك، أرسلت المفوضية الأوروبية مؤخرًا رسالة إلى الدول الأعضاء تشير فيها إلى أن العديد من الشركات الأوروبية تواصل بيع البضائع المحظورة إلى روسيا، بما في ذلك الإمدادات التكنولوجية أو العسكرية التي تستخدمها روسيا في ساحة المعركة ضد الجيش الأوكراني.