ولكن بعيدًا عن أحداث الأسابيع الأخيرة، يعد المقال أيضًا فرصة لتقييم عمل «ميلوني» على رأس الحكومة: وفقًا لـ «هورويتز»، نجحت «ميلوني» في ضرب كل تلك التوقعات السلبية التي كانت شائعة في إيطاليا عرض الحائط، بالأخص في الخارج، عند وصولها إلى السلطة. من نواح عديدة، طمأنت «ميلوني» المؤسسة الأوربية على أنها قادرة على التخلي عن مبادئها السابقة وتبني تلك التي يتبنها قادة بروكسل.
يكتب «هورويتز» “لقد أثبتت أنها قوية للغاية فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، وانضمت إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وسحبت إيطاليا من خطة التوسع الاقتصادي الصينية الكبرى في أوروبا”. مشيرًا في الحالة الأخيرة إلى فشل حكومة «ميلوني» في تجديد اتفاقية "طريق الحرير" السياسية التجارية المثيرة للجدل، والتي أبرمتها إيطاليا في عام 2019 مع حكومة «جوزيبي كونتي».
يعتبر تحليل صحيفة نيويورك تايمز مثير للاهتمام أيضًا لأنه يؤكد رأيًا إيجابيًا عامًا أعرب عنه مؤخرًا جزء كبير من الصحافة الأجنبية، وخاصة الصحافة الأنجلوسكسونية، حول «ميلوني». وهذا التصرف الجيد اتجاه الحكومة الإيطالية مدفوع في المقام الأول بالسياسة الخارجية. وبهذا المعنى، فإن مقال «هورويتز» يتناغم مع تلك المنشورة على موقع "بوليتيكو"، الطبعة الأوروبية للصحيفة الأمريكية، وفي مجلة "إيكونوميست" الأسبوعية البريطانية. ويركز الثلاثة بشكل معين على حقيقة مفادها أن ميزة «ميلوني» الرئيسية تتمثل في عدم الوفاء بالعديد من الوعود الانتخابية التي قطعتها عندما كانت زعيمة للمعارضة.
في نهاية نوفمبر، وفقا للتقاليد، نشرت مجلة "بوليتيكو" تصنيفا لأكثر الزعماء الأوروبيين تأثيرا، مقسما إلى فئات مختلفة. كانت «ميلوني» الأولى بين أولئك الذين تسميهم الصحيفة الفاعلين، أي "البناؤون". وهذا ما جعل ذلك يبدو خبرا جيدا لدينا، نظرًا لأنه في عام 2021، كزعيمة للمعارضة، تم إدراج «ميلوني» ضمن المعطلين، أي "المدمرين": “أرسل صعود «جورجا ميلوني» إلى رئاسة الوزراء الإيطالية العام الماضي قشعريرة في العمود الفقري للوسطيين في جميع أنحاء القارة وخارجها، واستعدت بروكسل لرؤية عضو في حزب ما بعد الفاشية يجلس (ويصوت) على أعلى طاولاته في الاتحاد.”
وبدلا من ذلك، وعلى الرغم من التوقعات، يبدو أن «ميلوني» «شهدت تحولا خلال العام الماضي في السلطة. وبينما دعت في السابق إيطاليا إلى التخلي عن اليورو واستهدفت مرارا وتكرارا "البيروقراطيين في بروكسل"، يبدو أن «ميلوني» اليوم على علاقة جيدة مع رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين». ومن هنا اللقب الذي أطلقته "بوليتيكو" على «ميلوني»، "الحرباء"، القائدة القادرة على "تغيير بشرتها" وتقترب اعتمادًا على ملاءمة اللحظة.
هناك منطق مماثل يدعم أيضًا جزءًا كبيرًا من مقال مخصص لميلوني من قبل مجلة "إيكونوميست" في منتصف يناير: «بشكل عام، قدمت «ميلوني» بيانات مشجعة: إن ما يسمى اليمين المتطرف في أوروبا قد يكشف عن نفسه باعتباره يمينًا محافظًا طبيعيًا بمجرد وصوله إلى السلطة. هنا أيضًا هناك الكثير من الحديث عن التحول السياسي لـ «ميلوني»: «بعد 15 شهرًا من توليها منصبها، يبدو أن «ميلوني» أصبحت زعيمة تقليدية وليست مدمرة». وبالتالي، فإن هذا المسار يمكن أن يصبح أيضًا مصدر إلهام لقادة اليمين المتطرف الآخرين. وفي هذا الصدد، يشبه تحليل صحيفة "نيويورك تايمز" تحليل مجلة "إيكونوميست": "لقد خففت «مارين لوبان»، زعيمة اليمين الفرنسي، من لهجة دعمها للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ولغتها المتشككة في الاتحاد الأوروبي في ضوء الانتخابات الجديدة في عام 2027" في فرنسا.
وفي تأكيد لهذا التحول، تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن علاقة «ميلوني» بـ «فون دير لاين»، كما أشارت صحيفة "بوليتيكو" أيضًا. «على الرغم من خلفيتها الأيديولوجية التي تكره العولمة، اهتمت «ميلوني» بالأسواق الدولية. وبعد مهاجمتها قيادة الاتحاد الأوروبي لسنوات، فهي تعمل بشكل وثيق مع رئيس المفوضية الأوروبية".
في هذه التأملات التي تركز بشكل أساسي على تحليل سياسة «ميلوني» الخارجية المطمئنة، تكون الخيارات السياسية الداخلية أكثر هامشية، حيث يتم التعبير عن النهج الأكثر اعتمادًا على الهوية لحزب "إخوة إيطاليا" والتي غالبًا ما تكون تلك التي تثير الضجة الأكبر في إيطاليا. وأشارت "بوليتيكو" إلى أن السياسة الداخلية هي المجال الذي تواصل فيه «ميلوني» تقديم الحجج لإرضاء قاعدتها الانتخابية اليمينية المتطرفة. لكن يبدو الأمر كما لو أن كل هذا ظهر في الخارج بشكل أكثر وضوحًا كشيء مرتبط بالدعاية العابرة، وليس بجوهر الأشياء.
كتبت مجلة "إيكونوميست" أن «السياسة الاجتماعية ظلت من دون تغيير، على الرغم من عداء "إخوان إيطاليا" اتجاه الحق في الإجهاض وزواج مثليي الجنس». وتضيف المجلة أنه «صحيح أنه لم يتم إحراز أي تقدم نحو زواج المثليين أو تبني الأزواج المثليين؛ ولكن لم تكن هناك أي تراجعات، على الرغم من كونها الحكومة الإيطالية الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية.
أكثر من مجرد انتقاد للحقوق المدنية، يتعلق انتقادرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي «جورجا ميلوني» بالنهج الاقتصادي الذي تنهجه حكومتها. على سبيل المثال، تركز كل من صحيفتي "نيويورك تايمز" و"إيكونوميست" على الضريبة المفروضة على الأرباح المصرفية الإضافية، والتي وافق عليها مجلس الوزراء أولاً ثم تم سحبها فعلاً وأصبحت غير فعالة. كتبت صحيفة "إيكونوميست" أن «الحكومة الجديدة لم تبد اهتمامًا كبيرًا بتعزيز المنافسة، وفكرت في فكرة فرض ضريبة كبيرة على البنوك قبل أن تتخلى عنها وتحاول تقليص دور المستثمرين الأجانب في مجالس إدارة الشركات الإيطالية». الإشارة هنا قبل كل شيء إلى الإجراء الذي روجت له الحكومة ووافق عليه البرلمان للتو، وهو مشروع قانون "رؤوس الأموال". وكان الحكم على مشروع القانون هذا والضريبة على الأرباح الإضافية سلبياً للغاية من قِبَل صحيفة "فاينانشيال تايمز" المالية ذات السمعة الطيبة، والتي وصفت الضريبة المفروضة على البنوك في شهر سبتمبر بأنها "كارثة".
خصصت مجلة "إيكونوميست" تحليلًا منفصلاً لسياسات «جورجا ميلوني» الاقتصادية، مرة أخرى في منتصف شهر يناير. وفي هذه الحالة فإن الرأي أقل إيجابية بكثير من ذلك الذي تم التعبير عنه بشأن السياسة الخارجية، ويركز على الافتقار إلى الواقعية في خطط الحكومة لتعزيز النمو والقدرة التنافسية في إيطاليا.