ناميبيا توبّخ ألمانيا بسبب دفاعها عن إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية - الإيطالية نيوز

ناميبيا توبّخ ألمانيا بسبب دفاعها عن إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية

 
الإيطالية نيوز، الأحد 14 يناير 2024 - أدان «الحاج جينغوب»  (Hage Geingob)، رئيس دولة ناميبيا، بشدة "قرار ألمانيا" برفض "لائحة الاتهامات التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة".


وقال «الحاج جينغوب»، رئيس هذه الدولة الواقعة في جنوب غرب أفريقيا، يوم السبت: “ارتكبت ألمانيا أول إبادة جماعية في القرن العشرين في الفترة من 1904 إلى 1908 على الأراضي الناميبية، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في ظروف غير إنسانية ووحشية.”


وأضاف: “لم تقم الحكومة الألمانية بالتكفير بشكل كامل بعد عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها على الأراضي الناميبية بعجزها عن استخلاص الدروس من تاريخها المروع، وذلك برفض "لائحة الاتهام التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة".” هكذا ردّت ناميبيا بقوة على قرار ألمانيا الدفاع عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة أمام المحكمة الدولية.


وقال الزعيم الناميبي: "لقد اختارت الحكومة الألمانية الدفاع أمام محكمة العدل الدولية عن أعمال الإبادة الجماعية والبشعة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأضاف «جينغوب»: لا يمكن لألمانيا أن تعبر أخلاقيا عن التزامها باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الإبادة الجماعية، بما في ذلك التكفير عن الإبادة الجماعية في ناميبيا، بينما تدعم ما يعادل المحرقة والإبادة الجماعية في غزة.


إن دعم برلين هو أكثر بكثير من مجرد دعم دبلوماسي وقانوني: فمنذ أن بدأت إسرائيل أعمال الإبادة الجماعية في غزة، عززت ألمانيا صادراتها من الأسلحة إلى تل أبيب عشرة أضعاف.


وتم نشر بيان الرئيس «جينغوب» على حسابي فيسبوك وتويتر المرتبطين بالموقع الرسمي للرئاسة الناميبية.


نطاق قتل غير مسبوق

في يوم الخميس، قدمت جنوب أفريقيا قضيتها القوية في جلسة استماع علنية في المحكمة الجنائية الدولية – المعروفة أيضًا باسم المحكمة العالمية – في لاهاي.


ردت إسرائيل يوم الجمعة بسلسلة من الأكاذيب والتحريفات والأعذار لإبادة الفلسطينيين الجماعية التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 23 ألف شخص وإصابة عشرات الآلاف وتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة والبنية التحتية المدنية الأخرى بشكل منهجي. وهناك آلاف آخرون في عداد المفقودين تحت الأنقاض.


وقالت منظمة "أوكسفام" الأسبوع الماضي: "إن الجيش الإسرائيلي يقتل الفلسطينيين بمعدل 250 شخصًا يوميًا، وهو ما يتجاوز بشكل كبير عدد القتلى اليومي في أي صراع كبير آخر في السنوات الأخيرة".


إن متوسط عدد الوفيات يوميا في غزة أعلى بكثير من أي صراع مسلح كبير وقع مؤخرا، بما في ذلك سوريا (96.5 حالة وفاة يوميا)، والسودان (51.6)، والعراق (50.8)، وأوكرانيا (43.9)، وأفغانستان (23.8)، واليمن (15.8). وفقا لما ذكرته هذه المؤسسة الخيرية، ومقرها المملكة المتحدة.


وأضافت أوكسفام: "بالإضافة إلى عدد القتلى المروع بالفعل، يمكن أن يموت العديد من الأشخاص بسبب الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها والإسهال والبرد".


وقالت "أوكسفام": "لا يمكن تصور أن المجتمع الدولي يراقب أعنف معدل للصراع في القرن الحادي والعشرين، بينما يعرقل باستمرار الدعوات لوقف إطلاق النار".


ألمانيا تدعم مرة أخرى إبادة جماعية

ومع ذلك، وفي نفس اليوم الذي نفى فيه ممثلو إسرائيل هذا الواقع المدبر عمدا أمام قضاة محكمة العدل الدولية، رفضت ألمانيا قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل باعتبارها "لا أساس لها من الصحة" وتعهدت بالتدخل في الإجراءات القانونية لدعم "تل أبيب".

وحث رئيس ناميبيا «جينغوب» برلين على “إعادة النظر في قرارها غير المناسب بالتدخل كطرف ثالث للدفاع ودعم أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية”.

ولدى ناميبيا أسباب وجيهة أخرى لمنح محكمة العدل الدولية الاحترام الذي تحرمها منه ألمانيا.


ويُنظر إلى قرار المحكمة في عام 1971 بأن احتلال جنوب أفريقيا لناميبيا أثناء نظام الفصل العنصري غير قانوني، باعتباره لحظة رئيسية في نضال ناميبيا الطويل من أجل التحرر من همجية الحكم الاستعماري الأوروبي - والذي تحقق أخيرا بالاستقلال عن نظام "بريتوريا" العنصري الأبيض المتحالف مع إسرائيل في عام 1990.


الإبادة الجماعية الألمانية في أفريقيا

في حين أن ألمانيا تشتهر بالإبادة الجماعية لملايين اليهود الأوروبيين والغجر وغيرهم خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن هذه لم تكن الإبادة الجماعية الأولى على الإطلاق - كما ذكّر الرئيس «جينغوب» برلين.


في أوائل القرن العشرين، نفذ المستعمرون الاستيطانيون الألمان حملات إبادة في عدة أجزاء من أفريقيا: "في تنجانيقا (Tanganyika)، بين عامي 1891 و1898، قتل الألمان ما يزيد عن 150.000 من الواهي الذين ثاروا ضد الاستعمار الألماني، وفي ناميبيا بين عامي 1904 و1907، قتلوا ما لا يقل عن 65.000 من الهيريرو (نحو 75-80 بالمائة من سكان الهيريرو)، و10.000 من شعب "الناما" (35-50 بالمائة من سكان الناما)"، كما قال الأستاذ بجامعة كولومبيا «جوزيف مسعد» في تقرير.


لقد جعلت ألمانيا دعمها غير المشروط لإسرائيل - بما في ذلك توريد الأسلحة ودفع مليارات الدولارات - أمرًا أساسيًا لهويتها وسياسة الدولة، وتستمر برلين في قمع أي تعبير عن الدعم للفلسطينيين بعنف.


واللافت أن ألمانيا تعتبر دعمها الكبير لإسرائيل بمثابة «تعويضات» عن المحرقة، رغم أن إسرائيل لم تكن موجودة في ذلك الوقت ولم تكن الضحية. لقد كان اليهود الأوروبيون، مواطنو الدول الأوروبية، هم ضحايا حكومة الإبادة الجماعية الألمانية وشركائها الأوروبيين المتعاونين خلال الحرب العالمية الثانية.


لقد مكنت "التعويضات" الألمانية والأسلحة المقدمة لإسرائيل منذ الخمسينيات من القرن الماضي إسرائيل من تجريد الفلسطينيين من أراضيهم واستعمارهم، والآن من ارتكاب الإبادة الجماعية ضدهم.


لكن معادلة الدولة الألمانية المعادية للسامية بين جميع اليهود وإسرائيل هي وحدها التي تسمح بتسويق هذا التواطؤ مع جرائم تل أبيب ضد السكان الأصليين في فلسطين باعتباره "تكفيرًا" عن جرائم ألمانيا ضد اليهود الأوروبيين.


قليلا ومتأخرا

اعترفت ألمانيا متأخرا بأن جرائمها في ناميبيا تشكل إبادة جماعية ــ وهو الاعتراف الذي جاء في شكل "اعتذار" في مايو 2021، بعد أكثر من قرن من وقوع تلك الجرائم المتعمدة.


ولكن في حين تعهدت ألمانيا بمبلغ زهيد قدره 1.3 مليار دولار لمشاريع "تنموية" على مدار ثلاثين عاما، فإنها ترفض بشدة دفع التعويضات لناميبيا ــ وهو الموقف الذي يطعن فيه أحفاد الشعبين "هيريرو" و"ناما" من ضحايا الإبادة الجماعية في ألمانيا في المحكمة.


ويبلغ متوسط ما يسمى بالمساعدة التنموية التي تعهدت بها ألمانيا لناميبيا نحو 43 مليون دولار سنويا، وهو جزء صغير من، على سبيل المثال، مبلغ 8 مليارات دولار أنفقته برلين على أسلحة لأوكرانيا منذ عام 2022.


ولعل أفضل تفسير لمعايير ألمانيا المزدوجة العنصرية اتجاه ناميبيا، ناهيك عن دعمها الكامل للإبادة الجماعية الصهيونية في فلسطين، يظل هو التفسير الذي قدمه «إيمي سيزير» في كتابه حول الاستعمار.


يكتب «سيزار» أنه قبل أن يصبح الأوروبيون ضحايا النازية، «كانوا شركاء لها؛ وقد تسامحوا مع تلك النازية قبل أن تُلحق بهم، وتبرأوا منها، وأغمضوا أعينهم عنها، وأضفوا الشرعية عليها، لأنها، حتى ذلك الحين، كانت تُطبق فقط على الشعوب غير الأوروبية.


يقول «مسعد»: "بالنسبة لـ «سيزار»، فإن الحروب النازية والمحرقة كانت بمثابة تحول للاستعمار الأوروبي إلى الداخل، وهذا صحيح بما فيه الكفاية". "ولكن منذ إعادة تأهيل ضحايا النازية باعتبارهم أشخاصًا بيضًا، ستواصل أوروبا وشريكها الأمريكي سياستها النازية المتمثلة في فرض الفظائع على الأشخاص غير البيض في جميع أنحاء العالم، في كوريا، وفي فيتنام والهند الصينية، وفي الجزائر، وفي إندونيسيا، وفي وسط أوروبا. وأمريكا الجنوبية، ووسط وجنوب أفريقيا، وفلسطين، وإيران، والعراق وأفغانستان.


ولهذا السبب لا ترى ألمانيا أي تناقض بين جلدها الذاتي المستمر بشأن قتلها لليهود الأوروبيين على نطاق صناعي في الماضي ودعمها الكامل لقتل إسرائيل للفلسطينيين على نطاق صناعي اليوم.