ولم يستطع المجلس العسكري الانتقالي، بقيادة «عاصمي غويتا»، استيعاب حقيقة استقبال الجزائر ممثلين عن متمردي الطوارق المُوقِّعين على معاهدة "من أجل السلام والمصالحة في مالي" في عام 2015. وكانت الحكومة الجزائرية شخصية رئيسية في التوسط في المعاهدة، التي انهارت الآن بعد أن اتهم الطرفان بعضهما البعض بالفشل في احترامها.
وكان وزير الخارجية المالي «عبد الله ديوب» قد استدعى السفير الجزائري منذ عشرة أيام مُتَّهمًا الجزائر بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. فيما جرى أيضًا استدعاء الدبلوماسي الممثل لباماكو المعتمَد بالجزائر العاصمة من قبل رئيس الدبلوماسية الجزائرية.
وفي بيان صدر مباشرة بعد الاجتماع، أكد وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، التزام بلاده الصارم بسلامة أراضي مالي وسيادتها ووحدتها الوطنية. ثم برَّر دعوة المُتمرِّدين لدورهم خلال مفاوضات السلام عام 2015.
العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومالي متوترة منذ أشهر. لم تعجب "باماكو" مطلقًا حقيقة سفر أعضاء "الإطار الاستراتيجي الدائم" (CSP) إلى الجزائر بعد استئناف الصراع في الشمال. وقبل أيام قليلة، دعت الجزائر أيضًا "حركة إنقاذ أزواد" (MSA)، وهي أيضًا مجموعة مُوَقِّعَة على معاهدة 2015، ولكنها متحالفة مع السلطات المالية الانتقالية. لكن هذا لم يكن كافيا لطمأنة "باماكو" بشأن حسن نوايا الجزائر.
وفي منتصف نوفمبر، استعادت القوات المسلحة المالية، بدعم من مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية، مدينة "كيدال"، معقل متمردي الطوارق. كما غادر الإمام «محمود ديكو»، وهو شخصية سياسية ودينية معروفة من مالي، إلى الجزائر، حيث استقبله الرئيس الجزائري «عبد المجيد تبون» شخصيا. وهذه الحقيقة هي القشة التي قسمت ظهر البعير.
ولدى «ديكو»، الرئيس السابق للمجلس الإسلامي المالي الآخر، العديد من الأتباع في شمال البلاد. وعرّفته سلطات "باماكو"، في بيان لها، دون أن تذكره صراحة، بأنه "شخص معروف بعدائه للحكومة".
وبينما يتفاقم الصراع بين الجزائر ومالي، تقترب "الرباط" أكثر من أي وقت مضى من "باماكو" و"واغادوغو" و"نجاجيما" و"نيامي". وقبل أسبوع، استقبل نظيرهم المغربي «ناصر بوريطة» في مراكش وزراء خارجية دول الساحل الأربع لبحث التحالفات الاقتصادية والجيوسياسية.
وأعرب الوزراء (مالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر) عن تقديرهم الكبير لبادرة المملكة المغربية التي أعربت عن استعدادها "لفتح البنية التحتية المغربية أمام بلدان الساحل، وإتاحة الوصول إلى المحيط الأطلسي، وبالتالي تسهيل التجارة الدولية". وبطبيعة الحال، لا يزال يتعين تحليل المقترحات بالتفصيل، وأخيرا وليس آخرا، سيكون من الضروري الاستثمار في مشاريع مختلفة، مثل البنية التحتية للطرق والمطارات، من أجل تحقيق التعاون.
ومن ناحية أخرى، اعترفت مالي، في عهد الدكتاتور «موسى تراوري»، 1969-1991، بجمهورية البوليساريو العربية الصحراوية الديمقراطية. وفي السياق نفسه، أعرب الرئيس «كيتا» دائما عن شكوكه في رغبته في تغيير مسار الأمور بإسناد السيادة إلى المغرب، خوفا من "الإضرار" بالجزائر، الشريك المهم في الحرب ضد الإرهاب في منطقة الساحل.
ومع ذلك، فإن العديد من الماليين يرحبون بالانفتاح على المملكة، ولا يستبعد «أحمدو ولد عبد الله»، وزير الخارجية الموريتاني السابق، أن تعترف باماكو بسيادة الرباط على الصحراء الغربية في المستقبل.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر منقطعة منذ غشت 2021، في حين أن الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ 1994 بسبب قضية الصحراء الغربية، التي تدّعي الجمهورية الصحراوية، المدعومة من الجزائر، سيادتها عليها.