أصبحت الرقعة المهملة جزءًا من جهد وطني لنظام إيمانويل ماكرون لمسح حلقة مؤلمة في تاريخ فرنسا الاستعماري: معاملة الجزائريين ذوي الأغلبية المسلمة المعروفين باسم "الحَرْكيين" (خونة الجزائر الوطن) الذين قاتلوا من أجل الفرنسيين خلال حرب استقلال الجزائر.
بعد انتهاء الحرب في عام 1962، جرى وضع بعض أفراد عائلة "الحَرْكيين" وعائلاتهم في عدة معسكرات اعتقال ومعسكرات انتقالية في جميع أنحاء فرنسا. لقد مكثوا لسنوات في تلك المعسكرات، وعوملوا كلاجئين غير مرغوب فيهم في فرنسا أكثر من كونهم جنودًا سابقين، محاطين بالأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة، بينما نظمت الحكومة الفرنسية عمليات نقلهم في جميع أنحاء البلاد.
ويقول المؤرخون إنه في السنوات الأولى، مات العديد من أطفال هذه العائلات في المعسكرات، بما في ذلك معسكر يعرف باسم "ريفسالت" (Rivesaltes)، حيث مر نحو 21 ألف من "الحَرْكيين". ويقول المؤرخون إنهم يعتقدون أن جثث ما لا يقل عن 50 من هؤلاء الأطفال مدفونة تحت التربة الجافة في "ريفسالت"، القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد نحو نصف ساعة بالسيارة من "أفينيون". كما مات عدد أقل بكثير من البالغين في المعسكرات؛ ويُعتقد أيضًا أن عددًا قليلًا منهم قد دُفن بالقرب من "ريفسالت".
يوجد نصب تذكاري حجري قبالة الحقل بالقرب من "ريفسالت"، يُدرج فيه أسماء الأطفال الذين ماتوا هناك، من دون ذكر مكان دفنهم. يوجد متحف قريب يحفظ ذكريات مجموعات مختلفة من الأشخاص الذين تم اعتقالهم في "ريفسالت" في فترات مختلفة – بما في ذلك الجمهوريون الإسبان واليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ثم الحركيين – ولكن لا يوجد ذكر لموقع الدفن القريب.
وقال «حسين عرفي»، 68 عاماً، الذي عاش في المخيم عندما كان طفلاً وقاد منظمة لمساعدة "الحَرْكيين": "إنه أمر حقير للغاية". وقال وهو يسير في الحقل حيث يعتقد أن بقايا أخيه المولود ميتا: “لم يقوموا بعمل جدي هنا. لقد ألقوا لوحًا حجريًا في مكان ما وقرروا أن هذا يكفي.
وتُرك أكثر من 200 ألف من "الحركيين" لمصيرهم في الجزائر بعد الحرب، وتعرض العديد منهم للتعذيب والقتل على يد السلطات الجزائرية، التي اعتبرتهم خونة. فر نحو 84.000 من الحركيين إلى فرنسا - كما فعل نحو 800.000 جزائري فرنسي من أصل أوروبي - وقوبلوا باستقبال عدائي.
تمكن الجزائريون الفرنسيون من أصل أوروبي من استئجار مساكن مدعومة في مباني حديثة. فقط الحركيون انتهى بهم الأمر في المعسكرات.
وعد الرئيس «شارل ديغول» "الحركيين" خلال الحرب بدمجهم في الجيش الفرنسي، لكنه نكث هذا العهد لاحقًا، قائلاً إنه لا يريد مدينته المحبوبة "كولومبي ليه دو إغليز" ( Colombey-les-Deux-Églises) أو (كولومبي الكنيستين) لتتحول إلى "كولومبي المسجدين".
ووسط تزايد الوعي في فرنسا في السنوات الأخيرة حول محنة "الحَرْكيين"، بذل الرئيس «إيمانويل ماكرون» جهودا لمعالجة معاملتهم، وطلب منهم العفو وإصدار قانون لتقديم تعويضات عن الوقت الذي قضوه في المخيمات.
يقدر المؤرخون أن ما بين 300 إلى 400 طفل من أطفال "الحَرْكيين" ماتوا في المعسكرات في السنوات الثلاث التي تلت الحرب. وقالت «فاطمة بسناسي لانكو» (Ms. Besnaci-Lancou)، وهي مؤرخة ألفت عدة كتب عن تجربة "الحَرْكيين" في فرنسا، إن معظمهم ماتوا وهم أطفال رضع.
وقالت السيدة «بيسناسي لانكو»: "أكثر ما قتل هو البرد". "وكانت الأمهات ضعيفات، وكن في ضيق، بعد أن عشن الحرب ثم وجدن أنفسهن في المخيم". تم إغلاق آخر المعسكرات عام 1975 وتم هجر جميع المقابر.
وبعد سنوات من الطلبات المقدمة من عائلات الحركيين، أعلنت «باتريسيا ميراليس» (Patricia Mirallès)، وزيرة شؤون المحاربين القدامى، في أكتوبر أنه سيتم حفر المقبرة القريبة من "ريفسالت". وقالت في بيان: "هناك أمل في أن تتمكن العائلات أخيراً من انتشال جثث أحبائها".
وتقع مقبرة أخرى في المنطقة على أطراف مخيم "سانت موريس لاردواز"، وهو معسكر آخر تم فيه اعتقال الحَرْكيين وعائلاتهم. وتم النبش في تلك المقبرة في شهر مارس. عثر علماء الآثار على مخطط 27 مقبرة مؤقتة هناك وفتحوا قبرين؛ وكانت بقايا رضيع في الداخل.
وقالت السيدة «ميراليس»: "نود الآن إجراء اختبارات الحمض النووي حتى نتمكن من وضع اسم لكل قبر"، وهي عملية تتطلب المزيد من أعمال النبش.
وقالت «نادية غوافريا» (Nadia Ghouafria)، 52 عاماً، وهي من نسل الحركيين، وهي تضع الدمى والزهور على القبور في المقبرة، التي تبعد ساعتين بالسيارة شرقاً عن ريفسالت: “لقد دُفنوا مثل الكلاب. والآن يتم معاملتهم مثل البشر مرة أخرى.”